خطوات لبنانية حثيثة للتخلص من ورطة الجرائم المالية
قطع لبنان خطوة أخرى في مسار طويل للتخلص من ورطة الجرائم المالية عبر الاستنجاد بأحد أبرز الشركات الاستشارية العالمية من أجل مكافحة الأنشطة المشبوهة، وسط محاولات مضنية لإصلاح الاقتصاد المنهار.
وأعلن مصرف لبنان المركزي الاثنين في بيان إنه وقّع اتفاقية مع شركة كيه 2 إنتجريتي الأميركية لاستشارات إدارة المخاطر بهدف “التصدي للأنشطة غير المشروعة والاحتيالية بكافة أشكالها.”
ومن خلال التعاون، ستقدّم كي 2 إنتجريتي دعمًا فنيًا واستشاريًا لوضع وتنفيذ خطة عمل دقيقة تهدف إلى كشف الثغرات في الإطار التنظيمي اللبناني وسدها، بما يعزز أنظمة مكافحة غسيل الأموال، ويعيد الثقة بالنظام المالي محليا ودوليا.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تراجع حاد بالثقة المصرفية، وتوسّع الاقتصاد النقدي، كما يعكسها تراجع القدرة على إجراء تعاملات مالية مع البنوك المراسلة في الخارج.
ولذا، يمثل هذا الاتفاق نقطة مفصلية في مسيرة الإصلاح المالي، ويشكّل حجر أساس نحو إعادة دمج لبنان في النظام المالي العالمي.
وتتمتّع الشركة الأميركية بخبرة واسعة في تقديم المشورة للبنوك المركزية والحكومات والبنوك التجارية والاستثمارية، وأيضا شركات الخدمات المالية والتكنولوجيا المالية في أكثر من 100 دولة حول العالم.
كما يتميّز خبراؤها بفهم معمّق للمعايير الدولية، وأفضل الممارسات العالمية والمتطلبات التنظيمية الخاصة بكل بلد، لاسيما في مناطق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
ويشمل ذلك 28 دولة تلتزم بالتوجيهات الأوروبية إلى جانب التزامها بالقوانين الأميركية لمكافحة الجرائم المالية مثل قانون باتريوت الأميركي، وقانون سرية القطاع المصرفي وأنظمة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية.
وقال المركزي اللبناني إن “هذه الخطوة تأتي في سياق مسعى مصرف لبنان للخروج من اللائحة الرمادية الصادرة عن مجموعة العمل المالي (فاتف).”
وأوضح في بيانه أن “شركة كي 2 إنتجريتي ستقدم الدعم الفني والاستشاري اللازمين لاعتماد وتنفيذ الإجراءات التي تساهم في تعزيز أنظمة مكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب في لبنان.”
وأضاف إدراج فاتف المعنية بمكافحة الجرائم المالية لبنان في أكتوبر الماضي ضمن قائمتها الرمادية للدول الخاضعة لتدقيق خاص بشأن غسيل الأموال، محنة جديدة للاقتصاد المشلول يتوقع أن تعمق أزماته إن لم يتم القيام بمعالجات ضرورية ومحددة.
ومن شأن خطوة كهذه أن تزيد التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد، الذي مُنع بالفعل من الوصول إلى أسواق الدين العالمية منذ تعثره في سداد ديونه عام 2020.
ويعيش لبنان أزمة مالية منذ عام 2019، تركتها قيادات البلاد لتتفاقم، وواجه أضرارا من الغارات الجوية الإسرائيلية والعمليات البرية ضد حزب الله العام الماضي قبل إعلان هدنة لوقف إطلاق النار قبل أشهر.
الحرب دفعت مجموعة فاتف إلى منح لبنان مهلة حتى عام 2026 بدلا من 2025 لمعالجة القضايا التي أدت إلى إدراجه على القائمة الرمادية
ودفعت الحرب مجموعة فاتف إلى منح لبنان مهلة حتى عام 2026 بدلا من 2025 لمعالجة القضايا التي أدت إلى إدراجه على القائمة الرمادية، بما في ذلك المخاوف بشأن تمويل الإرهاب والافتقار إلى الاستقلال القضائي، بحسب مصادر تحدث لرويترز قبل فترة.
ويؤدي هذا الإدراج الذي كان متوقعا على نطاق واسع إلى ردع الاستثمارات في لبنان، وقد يؤثر على العلاقة بين بعض البنوك المحلية والنظام المالي العالمي.
ويُعتبر التصنيف أقل خطورة على لبنان من وضعه على القائمة السوداء، ولكن التخلص من هذا التصنيف يتطلب موافقة أغلبية كبيرة من أعضاء فاتف على أن الدولة قد أحرزت تقدما كافيا منذ بدء عملية التقييم.
ومع ذلك، يمكن أن تؤدي اعتراضات بعض الدول الأعضاء إلى استمرار إدراج الدولة في قائمة الدول التي تخضع لمراقبة متزايدة.
ويقول مركز ستراتفور الأميركي للدراسات الإستراتيجية والأمنية إن حزب الله، على وجه الخصوص، استفاد من انعدام الشفافية في القطاع المصرفي اللبناني، وهو ما مكّنه من تمويل أنشطته غير المشروعة.
ولذلك عارض أيّ إصلاحات من شأنها زيادة الشفافية وعرقلة مصادر تمويله. كما استفادت فصائل أخرى من انعدام الشفافية، بما في ذلك الفصائل المناهضة لحزب الله التي استخدمت السرية المصرفية لحماية أصولها.
وقدر تقريرٌ صادرٌ عن البنك الدولي في مارس الماضي أن الأضرار التي لحقت بلبنان جراء الحرب الأخيرة ستتطلب 11 مليار دولار لإعادة الإعمار والتعافي.