اشتباك طائفي في السويداء يتحول إلى ليّ ذراع مع الدولة السورية
تحول الاشتباك الطائفي بين الدروز وعشائر بدوية في السويداء جنوب سوريا إلى تصعيد أمني واسع النطاق، اتخذ شكل ليّ ذراع علني بين المكون الدرزي والسلطات السورية في واحدة من أخطر جولات العنف التي تشهدها المنطقة منذ سنوات.
وجاء دخول الطيران الإسرائيلي ليبعث برسائل أمنية وسياسية مفادها أن إسرائيل لن تتخلى عن الدروز حتى لو كانت قد فتحت قنوات تواصل مع دمشق، وهو ما يعيد إلى الواجهة خطابا كانت قد استخدمته مرارا في الأشهر الماضية، يتمحور حول حماية الأقليات وخاصة الدروز الذين لديهم امتداد اجتماعي داخل الجولان المحتل.
◄ ليّ الذراع الذي تشهده السويداء اختبار مزدوج للفصائل التي تريد فرض شروطها، وللسلطة التي تريد استعادة هيبتها
ويقول مراقبون إن ليّ الذراع الذي تشهده السويداء اليوم هو اختبار مزدوج للفصائل التي تريد فرض شروطها على الدولة، وللسلطة التي تريد استعادة هيبتها بالقوة دون تفجير الوضع الطائفي.
وكانت المواجهات التي اندلعت الأحد بين مسلحين من الطائفة الدرزية والعشائر البدوية، هي أول عنف طائفي داخل المدينة نفسها، بعد توتر واسع النطاق نشب على مدى شهور في المحافظة.
وقال شهود إن أعمال العنف التي نشبت الأحد بدأت بعد موجة من عمليات خطف شملت تاجرا درزيا يوم الجمعة على طريق سريع يربط دمشق بالسويداء.
واللافت أن الفصائل الدرزية لم تكتف بالتعامل مع الحادث كحادثة جنائية أو حتى ثأرية، بل كفرصة لتأكيد موقعها كقوة أمر واقع، فحين حاولت وحدات من الجيش والشرطة السورية التقدم باتجاه مناطق التوتر، قوبلت بممانعة محلية. وتقول الحكومة إنه تمّ استهداف قواتها حين تدخلت “غدرا” لفض الاشتباك.
وفي حين دعت قيادات روحية درزية إلى الهدوء وحضّت سلطات دمشق على التدخل، أعربت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز والتي تتبع لحكمت الهجري، أحد مشايخ العقل الثلاثة في السويداء، عن “رفض دخول” قوات الأمن العام إلى المحافظة، مطالبة بـ”الحماية الدولية.”
◄ وليد جنبلاط أكد رفضه لأيّ دعوات موجهة إلى الخارج بذريعة حماية الدروز في محافظة السويداء
ويحذر نشطاء سوريون من أن الدعوة إلى حماية دولية عاجلة تمثل إشارة قبول بالدور الذي تريد إسرائيل أن تلعبه في سوريا من خلال فرض الأمر الواقع تحت مظلة حماية الأقليات.
وأكّد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط رفضه لأيّ دعوات موجهة إلى الخارج بذريعة حماية الدروز في محافظة السويداء، مشدداً على أن “نداءات الحماية الخارجية، وخصوصاً من إسرائيل، مرفوضة تماماً،” معتبرا أن الحل يأتي من خلال حل سياسي داخلي برعاية السلطة السورية.
وقال مصدرا أمني إن القوات السورية تعمل على فرض سيطرة الدولة على كامل أنحاء محافظة السويداء لمنع المزيد من العنف لكن ذلك ربما يستغرق أياما وهو ما يتعارض مع سياسة إسرائيل المعلنة بعدم السماح للجيش السوري الجديد بالانتشار إلى الجنوب من العاصمة دمشق ومطالبتها بأن تكون السويداء ومحافظات مجاورة ضمن منطقة منزوعة السلاح.
وأكد الجيش الإسرائيلي الاثنين أنه لن يسمح بوجود “تهديد عسكري” في جنوب سوريا، وذلك بعد ساعات من استهدافه دبابات في هذه المنطقة التي تشهد اشتباكات دامية بين مقاتلين دروز وعشائر بدوية أوقعت عشرات القتلى.
وقال المتحدث أفيخاي أدرعي في بيان إن الجيش هاجم في وقت سابق الدبابات “وهي تتحرك نحو منطقة السويداء،” معتبرا أن “وجود تلك الوسائل في منطقة جنوب سوريا قد يشكل تهديدا على دولة إسرائيل.” وشدد على أن الجيش “لن يسمح بوجود تهديد عسكري في منطقة جنوب سوريا وسيتحرك ضده ويواصل مراقبة التطورات في المنطقة.”
وأكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الضربات التي نفذها الجيش في جنوب سوريا “تحذير واضح للنظام السوري” لعدم استهداف الدروز.
وقال كاتس عبر حسابه على منصة إكس “لن نسمح بالإساءة للدروز في سوريا، إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي.”
وأتى الإعلان عن القصف الإسرائيلي بعد ساعات من تأكيد السلطات السورية بدء انتشار قواتها في السويداء.
وقال وزير الداخلية السوري أنس خطاب في بيان مكتوب نشرته وسائل إعلام رسمية “غياب مؤسسات الدولة، وخصوصا العسكرية والأمنية منها، سبب رئيسي لما يحدث في السويداء وريفها من توتر مستمر، ولا حل لذلك إلا بفرض الأمن وتفعيل دور المؤسسات بما يضمن السلم الأهلي وعودة الحياة إلى طبيعتها بكل تفاصيلها.”
وقال متحدث وزارة الداخلية السورية نورالدين البابا، مساء الاثنين، إن الوضع الميداني بالسويداء جنوب البلاد “جيد جدا،” مبينا أن الجيش وقوات الأمن يقتربان من مركز المحافظة التي شهدت اشتباكات دامية بين جماعات مسلحة.
وسيطرت القوات الحكومية السورية معززة بدبابات وآليات والمئات من المقاتلين، على قرية المزرعة ذات الغالبية الدرزية الواقعة عند مشارف السويداء وتواصل تقدمها نحو المدينة.
وشاهد المراسل قوات تابعة لوزارتي الدفاع والداخلية تنتشر في القرية التي دخلتها في ضوء المعارك المتواصلة في المنطقة منذ الأحد بين مسلحين من الدروز وعشائر من البدو، وأسفرت عن مقتل العشرات. وقال القائد الميداني عزالدين الشمير إن “القوات تتجه نحو مدينة السويداء”.
وتعيد هذه الاشتباكات إلى الواجهة التحديات الأمنية التي تواجهها السلطات الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع، منذ وصولها إلى الحكم بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر الماضي. وسبق أن وقعت أحداث دامية في الساحل السوري حيث تتركز الأقلية العلوية في مارس، واشتباكات قرب دمشق بين مقاتلين دروز وقوات الأمن في أبريل.