ثمن النصر.. العزلة الدولية تبدد مكاسب إسرائيل الأمنية؟
بعد أكثر من سبعة عقود من الصراع، حققت إسرائيل مستوى أمنياً غير مسبوق بتحييدها تهديدات رئيسية على حدودها.
فمن حزب الله في لبنان إلى حماس في غزة، ومن الحوثيين في اليمن إلى إيران نفسها، باتت هذه القوى - وفق التقييمات الإسرائيلية - عاجزة عن تشكيل خطر وجودي فوري.
ويذهب الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يعقوب أميدرور إلى أبعد من ذلك بالقول: "المناطق الحدودية التي كانت تحت تهديد دائم صارت اليوم أكثر أماناً من مانهاتن". هذا التحول يعززه تراجع التهديد النووي الإيراني، واستقرار العلاقات الإقليمية ولو ببرودة ظاهرة، وتعزيز التحالف مع واشنطن في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
الثمن البشري والجيوسياسي الباهظ
لكن هذا "الانتصار" جاء مصحوباً بعزلة دولية غير مسبوقة. فالرد العسكري الإسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول تسبب في كارثة إنسانية في غزة أدت إلى سقوط عشرات الآلاف من القتلى، ومليوني مشرّد، وتحول مدن بأكملها إلى ركام.
على الصعيد الدولي، تحولت إسرائيل إلى دولة منبوذة تُتهم قيادتها بارتكاب جرائم حرب، حيث تُظهر استطلاعات مركز "بيو" أن أكثر من 75 بالمائة من سكان 8 دول - بينها إسبانيا والسويد - ينظرون إليها سلبياً.
تصدّع التحالفات وتصاعد المقاطعة
تسبب هذا المسار في كسر الإجماع الأمريكي التاريخي حول دعم إسرائيل، حيث تراجعت نسبة المؤيدين لإسرائيل في استطلاع غالوب إلى 46% - وهو الأدنى منذ 25 عاماً - بينما تضاعف تعاطف الأمريكيين مع الفلسطينيين ثلاث مرات منذ 2003.
وشهدت حركة المقاطعة العالمية (BDS) طفرة غير مسبوقة، ففي بريطانيا وحدها قفز أعضاؤها من 65 ألفاً إلى 300 ألف، وازدادت فروعها من 65 إلى أكثر من 100. وبدأت شركات كبرى مثل "Co-op" البريطانية تصنف إسرائيل مع "الدول المارقة" في سياسات الاستيراد.
تداعيات إقليمية وداخلية
وفي داخل إسرائيل، يتنامى السخط بسبب أولوية "النصر العسكري" على حياة الرهائن، حيث تؤيد أغلبية إسرائيلية إنهاء الحرب باتفاق تبادل. ويلخص ليئور سوهارين، طالب في جامعة القدس، المزاج العام بالقول: "تهديدات الخارج تراجعت، لكن ثقتنا بأنفسنا انهارت في 7 أكتوبر".
وعلى المستوى الدبلوماسي، تواجه إسرائيل موجة إدانات غير مسبوقة، حيث اعترفت إسبانيا والنرويج وإيرلندا بدولة فلسطين، بينما يتهدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالسير على نفس الدرب.
ورغم كل هذا، يصر قادة إسرائيل على أن المكاسب الأمنية تفوق التكاليف. كما قال رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغن عام 1981: "العالم قد لا يحب اليهود المقاتلين، لكنه سيضطر إلى أخذهم في الحسبان".
ويعيد الجنرال أميدرور صياغة هذه الرؤية اليوم بالقول: "قدرتنا على سحق الأعداء أهم ألف مرة من رأي العالم بنا". لكن السؤال الذي يلوح في الأفق: هل يمكن لإسرائيل أن تظل قلعة منيعة بينما تخسر حصونها الدبلوماسية واحداً تلو الآخر؟