«حسم» الإخوانية و«مناورة الفيديو».. إرهاب أم تسويق؟
في سماوات الشرق الأوسط التي تزاحمت فيها الصواريخ لصياغة مشهد إقليمي آخذٍ في التغير، بُثّ فيديو منسوب لحركة حسم الإخوانية.
أظهر الفيديو القادم من زمن مختلف، عددًا محدودًا من المسلحين الذين اجتهدوا قدر الإمكان ليبدو المقطع مثيرًا للقلق، لكن في خضم الأحداث الجارية وعمق التهديدات الإقليمية، أخذ موقعه في خانة التسويق السياسي.
ولسنوات كانت حركة حسم مجرد ذكرى لرد فعل مرتبك لجماعة الإخوان التي تصدعت تحت وقع الرفض الشعبي في بلد المنشأ؛ مصر.
ويتنازع الجماعة حاليًا ثلاثة تيارات رئيسية: قيادة في إسطنبول، وأخرى في لندن، واتجاه ثالث أكثر تشددًا اختبر خيار العنف قبل أن يتحطم سريعًا على صخرة القوى الأمنية المصرية التي تعاملت لسنوات مع فصائل أكثر تطرفًا وأطول خبرة.
ورأى مصطفى كمال، الباحث في الأمن الإقليمي، أن الفيديو الأخير لحركة "حسم" أثار موجة جدل واسعة، ليس بسبب مضمونه فقط، بل لتوقيته وسياقه الإقليمي والدلالات التي حملها، إذ تباينت التقديرات بين من يهوّل الخطر ويصوره تهديدًا وجوديًا للأمن المصري، وبين من يستخف بالحدث ويعتبره مادة إعلامية مفبركة أو ماضوية لا تأثير لها.
ظاهرة مركبة
وأضاف كمال لـ"العين الإخبارية" أن التحليل المتوازن يكشف أن "حسم" تمثل ظاهرة أمنية مركبة، انبثقت عن انقسام تنظيمي داخل جماعة الإخوان عقب 2013، ولا يمكن فصلها عن تيار العنف المسلح الذي مثّل تحوّلًا في مقاربة المواجهة مع الدولة.
وأشار إلى أن الخلاف بين جناحي الجماعة، جناح القيادة التقليدية بقيادة محمود عزت (رهن السجن منذ 2020)، وجناح "إدارة العمل الثوري" بقيادة محمد كمال (قُتل خلال مواجهات مع الشرطة عام 2016)، لعب دورًا محوريًا في نشوء هذا المسار، إذ اختار الأخير استراتيجية المواجهة المسلحة المنظمة ضمن بنية لا مركزية تستند إلى "الخلايا العنقودية".
وأوضح الباحث في الأمن الإقليمي أن الفيديو الأخير، رغم مضمونه، يعود إلى مراحل التأسيس الأولى للحركة، ويُقرأ كرسالة ضمن سياق إقليمي ودولي متغير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بما في ذلك اشتداد الصراعات وارتباك الحسابات الأمنية والاستخباراتية في أكثر من ساحة عربية.
وأضاف أن نشر هذا المحتوى لا يمكن فصله عن محاولات أطراف معيّنة استثمار اللحظة السياسية لإحياء فكرة "الردع الرمزي" أو التذكير بالقدرة الكامنة، حتى وإن كانت محدودة أو مجمدة مرحليًا.
وتابع أن هذه الرسائل موجّهة بدرجة أولى إلى أجهزة الدولة المصرية، وربما إلى جمهور تيارات الإسلام السياسي الرافضة لمسار التسوية أو المراجعات. ولا يُستبعد أيضًا أن يكون الهدف اختبار ردود الأفعال المحلية والإقليمية، خصوصًا أن الحركة، منذ نشأتها، حافظت على ارتباطات خارجية مع بعض الأطراف الإقليمية التي سبق أن دعمت الحراك المسلح لوجستيًا أو إعلاميًا.
وألمح الباحث في الأمن الإقليمي إلى أن "حسم" لم تنجح في بلوغ أي تأثير استراتيجي فعلي في أوج نشاطها، وهي الآن أضعف، لكن لا يمكن التعامل مع حركة "حسم" كظاهرة انتهت، ولا كتشكيل معزول عن السياق الإقليمي المتشابك، فثمّة إشارات إلى أن بعض الأفراد المرتبطين بها سابقًا ما زالوا يمارسون أدوارًا استخباراتية أو يتابعون التغيرات الميدانية في المنطقة بدقة، علاوة على أن النشاط الإعلامي الأخير يتبيّن منه وجود شبكة دعم محدودة ولكن فعّالة للحركة في اللحظة الحالية، وهذا يقتضي تعاملًا موضوعيًا مع التطورات دون إفراط أو تفريط.
إرباك وجس نبض
وفي نفس السياق، اعتبر الدكتور محمد يسري، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، أن الظهور الأخير لحركة سواعد مصر "حسم" يأتي كنوع من المناورة المعتادة التي تقوم بها جماعة الإخوان، المدرَجة على قوائم الإرهاب، والحركات المنبثقة من رحمها، وهدفها الإرباك والضغط على صانع القرار المصري في اللحظة الحالية.
وأضاف يسري لـ"العين الإخبارية" أن "السياق الإقليمي مؤثر بلا شك في العودة المفترضة لهذه الحركة، لأن قادتها الهاربين خارج مصر، ومنهم يحيى موسى، لفتوا في أكثر من مناسبة إلى أن الإطاحة بنظام بشار الأسد (في سوريا) تُعتبر فرصة مواتية للتأكيد على فكرة ضرورة العمل المسلح، واستخدام الإرهاب كوسيلة للوصول إلى الحكم، لكن مثل هذا التحريض يتجاهل الفوارق بين الحالتين المصرية والسورية".
وأشار الخبير في شؤون الحركات الإسلامية إلى أن الفيديو الأخير يود إرسال رسالة بأن الحركة تواصل العمل خلال سنوات طويلة من أجل الإعداد لموجة هجمات إرهابية جديدة، وهذا بغرض تشتيت أجهزة الأمن المصرية، لكن مثل هذه الألاعيب لا تنطلي على الدولة أو على الشعب المصري.
وأوضح أن الشعب المصري لفظ جماعة الإخوان ككل، وأي خطاب قريب من فكر الجماعة، سواء حمل اسم "حسم" أو غيرها، وبالتالي لا أمل للجماعة الإرهابية أو لأشباهها بالعودة إلى النشاط في مصر مرة أخرى، ومحاولاتهم التهديد الآن بالعمل الإرهابي هو نوع من الضغط، على أمل أن تؤثر تلك التهديدات على صانع القرار المصري ويتجاوب مع طلبات الجماعة بالعودة للعمل المجتمعي، وهو ما لن يحدث على الأرجح.