الدبيبة يدق طبول الحرب ويسعى لإقناع الأتراك بدعم هجومه على معيتيقة
تواجه العاصمة الليبية طرابلس نذر العودة إلى مربع العنف في الوقت الذي تدق فيه حكومة الوحدة المنتهية ولايتها طبول الحرب وفق خطة رئيسها عبدالحميد الدبيبة الذي أكد أن المكان لا يتسع لاثنين، وأنه لا بد من الاحتكاك في إشارة إلى المواجهة المؤجلة مع القوى الميدانية النافذة من خارج سلطته.
وقالت مصادر مطلعة لـ”العرب” إن إبراهيم الدبيبة مستشار الأمن القومي في حكومة الوحدة وصل إلى الدوحة قبل ثلاثة أيام من أجل استجداء تدخل القطريين لإقناع الأتراك بدعم خطة الدبيبة لخوض ما يعتبرها معركة الحسم للسيطرة النهائية على العاصمة طرابلس.
وأشارت المصادر إلى أن الدبيبة دعا القطريين لإقناع الجانب التركي بإخلاء مؤقت لقاعة العمليات التي يديرونها في قاعدة معيتيقة لتتمكن قواته من الهجوم على أحد أبرز مواقع تمركز قوة جهاز الردع الخاصة، بما في ذلك سجن معيتيقة الخاضع لجهاز الشرطة القضائية المرتبط بقوة الردع ويديره المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية أسامة نجيم.
عبدالنبي عبدالمولى: الدبيبة جلب طائرات مسيرة من الجزائر لتجديد الصراع المسلح في طرابلس
وتابعت المصادر أن الدبيبة حاول الحصول على موافقة الأتراك على خطته مقابل المزيد من الامتيازات التي سيحصلون عليها من حكومته، لكن الجانب التركي يرفض التورط من جديد في أي معركة بين الأطراف الليبية ذات التوجهات المتناقضة، لاسيما وأن الأمر يتعلق بملفات متصلة بمصالح شخصية وفئوية لأصحابها وقد تتسبب في المزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والاجتماعية والسياسية في البلاد.
وكان رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالين ونائبه جمال الدين تشاليك قاما بزيارات إلى طرابلس لإجراء سلسلة من المشاورات مع عدد من كبار المسؤولين الليبيين وقيادات عسكرية، وأكدا رفض بلادهما لأيّ محاولة قد تقوم بها ميليشيات موالية للدبيبة لاقتحام قاعدة معيتيقة، وتمسكها بالحوار كأداة لحل الخلافات في مناطق نفوذها بالمنطقة الغربية.
وسبق لمجلس وزراء حكومة الوحدة أن أحال مذكرة إلى النائب العام بشأن طلب تشكيل لجنة لمتابعة أوضاع المحتجزين بسجون جهاز الردع والشرطة القضائية، في ظل استمرار الجدل حول قرار رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، في الرابع من يونيو الماضي، بتشكيل لجنة ترتيبات أمنية وعسكرية مؤقتة في طرابلس، تتولى إعداد وتنفيذ خطة شاملة للترتيبات الأمنية والعسكرية في العاصمة، بما يضمن إخلاء المدينة من كل المظاهر المسلحة.
وأصدر المنفي قرارا بتشكيل لجنة لمتابعة أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز في العاصمة طرابلس، يرأسها قاض بدرجة مستشار، وتضم ممثلين عن وزارتي العدل والداخلية، ومكتب النائب العام، ونقابة المحامين، إضافة إلى مستشار فني من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتتولى حصر ومراجعة حالات التوقيف خارج نطاق القضاء، ورفع توصيات للإفراج عن المحتجزين من دون سند قانوني، مع ضمان احترام الضمانات الحقوقية والقانونية.
وبحسب أوساط من داخل العاصمة طرابلس، فإن هناك مخاوف جدية من أن يؤدي هجوم ميليشيات موالية للدبيبة على سجن معيتيقة إلى فرار المئات من السجناء المتورطين في أعمال إرهابية ضمن تنظيمي داعش والقاعدة ومجالس شورى الثوار بالمنطقة الغربية، رغم أن رئاسة الحكومة المنتهية ولايتها تبدو متعاطفة مع موقف دار الإفتاء برئاسة الصادق الغرياني المنادي بالإفراج عنهم متهما جهاز الردع بتبني عقيدة سلفية مشددة والانتماء إلى التيار المدخلي الموالي للسلطة مقابل حربه على جماعات الإسلام السياسي.
ويعد السجن الذي يديره جهاز الردع من أكثر السجون حساسية في ليبيا، حيث يضم الآلاف من السجناء المصنّفين بالخطرين، في مقدمتهم عناصر من تنظيم داعش، ومقاتلو ما يُعرف بمجالس شورى بنغازي ودرنة، وتنظيم أنصار الشريعة المصنّف دوليًا كتنظيم إرهابي.
وكان الدبيبة قد سعى إلى إقناع الأتراك بالسماح له باستعمال طيرانهم المسيّر الموجود في غرب ليبيا لحسم معركته ضد القوات المناهضة لحكومته أو التي يحول وجودها دون تمكنه من بسط نفوذه بالكامل على العاصمة طرابلس بما يطيل عمر سلطته إلى أجل غير مسمى.
◄ أيّ تحولات منتظرة في المشهد العام بطرابلس والمنطقة الغربية لن تكون بمعزل عن التحولات الإقليمية والدولية
في المقابل، أكد عضو مجلس النواب عبدالنبي عبدالمولى أن الدبيبة جلب طائرات مسيرة من الجزائر لتجديد الصراع المسلح في طرابلس.
وأضاف أن “الدبيبة يسعى لتجديد الصراع المسلح في طرابلس خلال الأيام القريبة المقبلة لأنه يعلم بأنه سيكون خارج المشهد الفترة المقبلة،” لافتا إلى أن “الدبيبة قام عن طريق وسطاء محليين وإقليميين بجلب طائرات مسيرة جديدة من الجزائر وقد وصلت طرابلس في الأيام القليلة الماضية”.
وحمّلت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا الدبيبة مسؤولية أيّ انتهاكات لوقف إطلاق النار في طرابلس، معربة عن قلقها العميق إزاء التعبئة العسكرية الأخيرة في طرابلس وما حولها، محذرة من أن مثل هذه التطورات قد تؤدي إلى زعزعة السلام الهش وإعادة إشعال العنف في العاصمة.
واعتبر عضو مجلس النواب سعيد مغيب أن التحركات الميليشياوية والتحشيد العسكري في طرابلس الآن بمباركة حكومة الدبيبة يشكلان تهديداً مباشراً لأمن المدنيين.
وتابع أن تلك التحركات تأتي في فترة حساسة مثل فترة إجراء امتحانات الشهادة الثانوية، لافتا إلى أن هذا النوع من التوتر سيؤدي إلى تعطيل الامتحانات أو تأجيلها، وضغط نفسي على الطلبة يربكهم نفسياً وجسدياً، بالإضافة إلى صعوبة في الوصول إلى مراكز الامتحان.
وبحسب مراقبين، فإن أيّ مواجهة قادمة قد تدفع نحوها حكومة الدبيبة ستكون حاسمة وستمتد آثارها إلى مدن عدة غرب البلاد، وأن جهاز الردع يمتلك قوة ميدانية وكثافة نارية تعطيه فرصة الصمود في مواجهة تحالف داعمي حكم “الدبيبات” من داخل طرابلس ومصراتة.
سعيد مغيب: التحشيد العسكري في طرابلس الآن بمباركة حكومة الدبيبة يشكلان تهديداً مباشراً لأمن المدنيين
وبرى المراقبون أن قوات جهاز دعم الاستقرار لا تبدي موالاة لحكومة الدبيبة بعد مقتل قائده عبدالغني الككلي في 12 مايو الماضي داخل معسكر التكبالي، وذلك رغم القرار الصادر الأسبوع الماضي عن رئيس المجلس الرئاسي بتعيين اللواء حسن بوزريبة رئيسا جديدا للجهاز في محاولة يائسة لتحييد عناصره خلال أيّ مواجهة منتظرة.
والأسبوع الماضي، قالت رئيسة البعثة الأممية حنّا تيتيه في إحاطتها الدورية أمام مجلس الأمن إن “ثمة تقارير عن تحشيدات مستمرة وتخوف في أوساط العديد من الليبيين من احتمال تجدد اندلاع الاشتباكات المسلحة .”
وتابعت أن “حكومة الوحدة الوطنية تصف ما حدث في شهر مايو على أنه عملية لإنفاذ القانون طالت المجرمين والهدف منها هو فرض تنفيذ أوامر قضائية صادرة عن النائب العام في ليبيا بهدف احترام سيادة القانون ومحاسبة الأفراد على ارتكابهم جرائم جسيمة. كما أن لذلك تأثيرا أيضاً على فرض هيبة الدولة على الأطراف الأمنية.”
وبحسب تيتيه، فإن البعثة لاحظت “تطورات في الأحداث وبروز سرديات تهدد بتأليب مدن وأحياء في المنطقة الغربية على بعضها بعضا، الأمر الذي يهدد التماسك الاجتماعي وربما ينذر بتصعيد محتمل. هذا بالإضافة إلى أن استمرار تدفق السلاح إلى مدينة طرابلس من خارجها ومن المدن المجاورة لها قد أدى إلى انتشار الأسلحة الثقيلة ومستودعات السلاح في مناطق مدنية مأهولة بالسكان ما يعرض حياة المدنيين لمخاطر جسيمة،” مشيرة إلى وجود “تخوف متزايد أيضاً بأن انعدام الاستقرار سوف يستقطب الأطراف الأمنية في شرقي البلاد ويقوض اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 2020.”
ويزداد الوضع تعقيدا بتحركات فلول عدد من الميليشيات التي كان قد تم إخراجها من طرابلس أو حلها رسميا، وظهور عدد من قياداتها لتشكيل تحالف جديد هدفه تحصين طرابلس من سيطرة ميليشيات مصراتة الموالية للدبيبة، بالإضافة إلى إمكانية تحرك قوات الجيش الوطني المتمركزة في سرت نحو الغرب بما سيفرض على ميليشيات مصراتة مغادرة ساحة المواجهة في طرابلس لحماية مدينتها الأصلية.
ويشير متابعون للشأن الليبي أن أيّ تحولات منتظرة في المشهد العام بطرابلس والمنطقة الغربية لن تكون بمعزل عن التحولات الإقليمية والدولية، وأن محاولات الدبيبة تشديد قبضته على العاصمة طرابلس قد تؤدي إلى العكس من ذلك، وهو الإطاحة بمشروعه للتمسك بمقاليد الحكم وخطته لعرقلة أيّ مشروع للحل السياسي قد يكون على حساب تطلعاته للاستمرار في منصبه إلى أجل غير مسمّى.