نهاية الحرب وبداية الحساب – النظام الإيراني في مواجهة شعبه

نهاية الحرب وبداية الحساب – النظام الإيراني في مواجهة شعبه

مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يواجه النظام الديني في إيران تحدياً داخلياً أشد خطورة من أي تهديد خارجي. فبعد أن خرج النظام من الحرب منهكاً عسكرياً واقتصادياً، بدأت الضغوط الشعبية التي تراكمت تحت السطح لفترة طويلة تهدد بالانفجار.

نهاية الحرب وبداية الحساب – النظام الإيراني في مواجهة شعبه

حفظ الصورة
مهدي عقبائي
وکالة الانباء حضر موت

مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، يواجه النظام الديني في إيران تحدياً داخلياً أشد خطورة من أي تهديد خارجي. فبعد أن خرج النظام من الحرب منهكاً عسكرياً واقتصادياً، بدأت الضغوط الشعبية التي تراكمت تحت السطح لفترة طويلة تهدد بالانفجار.

رغم قصر مدة الحرب الأخيرة مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أنها ألقت بظلال ثقيلة على الاقتصاد الإيراني. الأسواق لا تزال مشلولة، والريال فقد المزيد من قيمته، ومنصات العملات المشفرة تعرضت لهجمات إلكترونية وبيع ذعر، وبورصة طهران لم تتعافَ بعد من إغلاق دام لأيام. السلع الأساسية أصبحت أكثر ندرة وارتفاعاً في الأسعار، خاصة في المحافظات التي شهدت نزوحاً داخلياً بسبب الضربات الجوية. وعلى الرغم من الادعاءات الرسمية بعودة الأمور إلى طبيعتها، تؤكد صدمات الأسعار ونقص الأدوية استمرار الأزمة.

في هذا المشهد الاقتصادي المتدهور، تولى وزير الاقتصاد الجديد علي مدني زاده منصبه بلا أدوات سياسية فعالة، حيث تبدو أجندته طويلة الأمد التي تركز على الاستثمار الأجنبي و”النمو الموجه نحو العدالة” غير متوافقة مع أولويات الشعب الحالية التي تتمثل في تأمين الخبز والدواء والأمن الوظيفي. والأهم من ذلك، أن السلطة الاقتصادية الحقيقية تتركز في مؤسسات خارج سيطرته، وتكتلات مرتبطة بالحرس الثوري لا تخضع للمساءلة حتى في أوقات الأزمات.

كما أن الحرس الثوري، الذي يُعتبر الدرع الأمني للنظام، لم يخرج من الحرب دون أضرار. فقد أضعفت الحرب أنظمته الصاروخية وقيادته، مما خلق فراغاً نادراً في السلطة. ومع تراجع التهديد الخارجي مؤقتاً، بدأ التركيز يتحول إلى الداخل.

المجتمع الإيراني اليوم متمرد ومنهك، فقد تحمل الحرب والعزلة والاختناق الاقتصادي، وكلها أمور لم يوافق عليها. نشوة النصر الدعائي للحرب بدأت تتلاشى، ومع استمرار تدهور الحياة اليومية، تتصاعد الأسئلة: لماذا خاض النظام هذه المواجهة؟ ماذا جنى منها؟ ومن يتحمل المسؤولية عن هذا الدمار؟

هذه الأسئلة ليست مجرد تساؤلات بل تحمل وزناً سياسياً متفجراً. الغضب المدني الذي كان يُوجّه نحو التهديدات الخارجية يتجه الآن نحو الداخل، ولن تصمد أدوات النظام التقليدية في تحويل الانتباه. المطالب الشعبية بالشفافية والمساءلة والتغيير الجذري ستزداد، وحتى أصوات من داخل المؤسسة ستبدأ بالتشكيك في قرارات استراتيجية أدت إلى دمار دون مكاسب دائمة.

وفي هذا السياق، تتضح حقيقة واحدة لا تقبل الشك: التهديد الخارجي زال، لكن الحساب الحقيقي قد بدأ للتو. الحل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة العميقة يكمن في الخيار الثالث الذي تؤكد عليه المقاومة الإيرانية، وهو الإطاحة بالنظام الديكتاتوري الديني بيد الشعب والمقاومة المنظمة. هذا الخيار يضمن انتقال السلطة إلى الشعب عبر حكومة مؤقتة، وانتخابات حرة، وصياغة دستور جديد يقوم على العدالة الاجتماعية، فصل الدين عن الدولة، واحترام حقوق الإنسان.

إن التغيير الجذري هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والازدهار في إيران، وهو ما يعبر عن تطلعات ملايين الإيرانيين الذين يرفضون القمع والاستبداد، ويؤمنون بأن مستقبل بلادهم الحر والديمقراطي سيكون من صنع أيديهم.