بين ضربات إسرائيل واحتضار النظام.. إيران تبحث عن بديل حقيقي

بين ضربات إسرائيل واحتضار النظام.. إيران تبحث عن بديل حقيقي

في اللحظة التي تشتد فيها الضغوط الدولية والإقليمية على النظام الإيراني، تتكاثر المبادرات والأصوات التي تزعم امتلاك مفاتيح المستقبل، وفي حين تتعرض مراكز الحرس الثوري لهجمات إسرائيلة غير مسبوقة

بين ضربات إسرائيل واحتضار النظام.. إيران تبحث عن بديل حقيقي

حفظ الصورة
وکالة الانباء حضر موت

بقلم ضیاء قدور کاتب و با حث سیاسی 

في اللحظة التي تشتد فيها الضغوط الدولية والإقليمية على النظام الإيراني، تتكاثر المبادرات والأصوات التي تزعم امتلاك مفاتيح المستقبل، وفي حين تتعرض مراكز الحرس الثوري لهجمات إسرائيلة غير مسبوقة، وتقف طهران على عتبة مرحلة مفصلية من تاريخها، يطل علينا من جديد رضا بهلوي -نجل آخر شاه لإيران- ليعيد إحياء سردية ماضٍ لفظه الإيرانيون بوعي وتجربة ودماء.

زيارة رضا بهلوي إلى إسرائيل عام 2023 لم تكن مفاجأة لأولئك الذين راقبوا مساره السياسي المتذبذب، لكنها كانت لحظة كاشفة، ففي وقتٍ يحاول فيه الإيرانيون تحرير بلادهم من نظام قمعي جرّ البلاد إلى الفقر والعزلة والدمار، يقدّم بهلوي الابن نفسه كمنقذ مستورد، لا من ضمير الناس ولا من نبض الشارع، بل من صالونات تل أبيب ودوائر المخابرات الغربية.

لقد جاءت الزيارة كذروة رمزية لانفصال رضا بهلوي عن الواقع الإيراني، فهي ليست فقط خرقاً للأعراف الشعبية والسياسية في بلدٍ لم ينسَ بعد دعم والده التاريخي لإسرائيل في ذروة صراعها مع الشعوب العربية، بل أيضاً انكشافاً حاداً عن نوايا سياسية لا تختلف كثيراً عن المشروع الذي مهّد لقيام الجمهورية الإسلامية نفسها.

إنّ رضا بهلوي، تماماً كما كان والده، يراهن على الخارج، لكنه لا يراهن على العالم الحر بقدر ما يراهن على محور يميني متطرف يرى في إسقاط الملالي فرصة لاستبدالهم بنظام أكثر تبعية، أكثر عزلة عن عمق إيران الإسلامي والعربي، وأقل شرعية شعبية.

على مستوى السياسة الإقليمية، فإنّ زيارة بهلوي إلى إسرائيل شكلت استفزازاً للشارع العربي والإسلامي، لا لأنه ذهب إلى هناك فقط، بل لأنه لم يظهر أي حسّ بالتوازن أو الاحترام للمقدسات أو الرموز الدينية، لم يزر المسجد الأقصى، لم يتحدث عن فلسطين..

في لحظة كهذه، تصبح محاولات بهلوي لاستعادة الماضي أكثر خطراً من مجرد مغامرة سياسية، إنها ببساطة تمنح النظام الإيراني ما هو بأمسّ الحاجة إليه الآن: ذريعة لإعادة رسم الانتفاضة الشعبية على أنها مشروع صهيوني، وخطاب تعبئة مضاد يخلط بين المطالب الحقيقية للإيرانيين ومحاولات رموز الماضي ركوب الموجة.
 

لقد اختبر الشعب الإيراني نظام الشاه، وعرف كيف حكم جهاز "السافاك" البلاد بالنار والحديد، وكيف سُحقت الحركة الوطنية الإيرانية لصالح قصر طهران، والواقع أن رضا بهلوي لم يتبرأ يوماً من هذا الإرث، بل ما يزال يعتبر نفسه وريثاً شرعياً له، إنه لا ينتمي إلى معارضة وطنية حقيقية، بل إلى مشروع استعلائي مشبوه لا يحظى بأي احتضان شعبي داخل إيران.

بلغة الأرقام، فإن حملته الشهيرة السابقة لجمع "التوكيل" الشعبي عبر الفضاء الإلكتروني فشلت في جمع حتى 0.5% من السكان، رغم كل التضخيم الإعلامي والدعم المخابراتي غير الخفي من أطراف معادية لمصالح الشعوب.. في المقابل، لم نرَ ولو مظاهرة واحدة داخل إيران تطالب بعودة الملكية أو ترفع صور الشاه، هذا الصمت الشعبي الصارخ هو أبلغ رد على المشروع البهلوي.

والأخطر من ذلك، أن جهاز القمع الإيراني نفسه -كما كشفت شهادات لسجناء سياسيين- يروّج في الزنازين لرقم هاتف رضا بهلوي، ويحث المعتقلين على التواصل معه، وكأن النظام يريد أن يصنع بديلاً مزيفاً يمكن التحكم به بسهولة، إنها معارضة مصنوعة في المعمل الأمني، لا في شوارع طهران وتبريز وشيراز.

وعلى مستوى السياسة الإقليمية، فإنّ زيارة بهلوي إلى إسرائيل شكلت استفزازاً للشارع العربي والإسلامي، لا لأنه ذهب إلى هناك فقط، بل لأنه لم يظهر أي حسّ بالتوازن أو الاحترام للمقدسات أو الرموز الدينية، لم يزر المسجد الأقصى، لم يتحدث عن فلسطين، لم يُبدِ أي تعاطف مع معاناة شعب يعيش تحت الاحتلال، بل تصرف كما لو كان أحد أعضاء اليمين الإسرائيلي الحاكم.

هل هذه هي صورة إيران ما بعد الملالي؟ بلد يتحالف مع اليمين الصهيوني، ويعادي محيطه العربي، ويعيد إنتاج نفس الديكتاتورية القديمة بزيّ ديمقراطي كاذب؟

في المقابل، هناك بديل جاد، حقيقي، ومنظم، لم يُفرض من الخارج، ولم يأتِ عبر جولات دعائية، بل تشكّل في قلب المواجهة مع النظام على مدى أربعة عقود: مجاهدو خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.

هذا التيار ليس وليد اللحظة، بل أحد أقدم حركات المعارضة المنظمة في إيران، ويضم في صفوفه طيفاً واسعاً من الشخصيات الأكاديمية والثقافية والعسكرية التي دفعت ثمناً باهظاً من الدم والتضحية في مواجهة نظام الشاه أولًا، ثم نظام الملالي لاحقاً.

مجاهدو خلق لا ينطلقون من حنين إلى قصر الشاه، ولا من أجندة استخبارات أجنبية، بل من مشروع جمهوري تعددي يقوم على احترام حقوق الإنسان، وإقامة علاقات متوازنة مع الجوار العربي، لا على أساس الطائفية أو التوسع، بل على أساس المصالح المشتركة، والأهم من ذلك هم يؤمنون بإيران غير نووية.
 

ومن المثير للانتباه أن مجاهدي خلق هم من بين قلة قليلة من الحركات الإيرانية المعارضة التي حافظت الارتباط بالعالم الإسلامي المعتدل، ولم تنخرط في دعايات التفوق العرقي أو الكراهية ضد العرب، في حين أن أنصار الشاه، للأسف، يجاهرون بعدائهم للعرب، ويعتبرونهم أدنى شأناً، ويتفاخرون بتأييدهم الكامل لليمين الإسرائيلي، ظناً منهم أن التحالف مع نتنياهو سيكون تذكرتهم للعودة إلى الحكم.

لكن إسرائيل نفسها، رغم ترحيب بعض رموزها بزيارة بهلوي السابقة، تدرك تماماً أن لا حاضنة داخل إيران لهذا المشروع، هي، كعادتها، تستثمر في التفكيك وليس في البناء، وما كان بالأمس زيارة بروتوكولية من الشاه إلى تل أبيب، بات اليوم طموحاً مفضوحاً من ابنه لبيع ما تبقى من شرعية وهمية في مزاد تل أبيب السياسي.
 

في النهاية، فإن الخيار الواقعي لإيران ليس في العودة إلى الماضي، بل في صناعة مستقبل جديد، مستقبل لا يبدأ من القصور ولا من المعابد السياسية الغربية، بل من إرادة الإيرانيين الذين خرجوا للشوارع بحثاً عن الحرية والعدالة والمساواة، هذا المستقبل لا يحمله من حملوا لقب "بهلوي"، بل من واجهوا النظام في قمته، ورفضوا الدكتاتورية الملالية والعسكرية على حد سواء.

تشكل حركة "مجاهدي خلق" والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية البديل الأكثر تنظيماً ومبدئية وواقعية، وفي الحقيقة لا يمكن تخيل وجود جسم معارض يمكنه قيادة المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام وإدارة شؤون بلاد مترامية الأطراف تنحدر نحو الفوضى كما يمكن لـ"مجاهدي خلق" أن تفعل، والأهم من ذلك هم الأقرب إلى العقل العربي والإسلامي المعتدل في زمن تتقاطع فيه المصالح وتتشابك فيه التحديات.