مراجعة مغربية أعمق لتحقيق التوازن التجاري مع تركيا

وكالة أنباء حضرموت

يتخذ المغرب خطوات استباقية مرة أخرى لمعالجة اختلال الميزان التجاري المتنامي مع تركيا، حيث يتطلع إلى مراجعة أعمق لاتفاقية المبرمة قبل عقدين مع سادس أكبر شريك تجاري له.

وعلى الرغم من العلاقات التجارية القوية، يواجه المغرب عجزا تجاريًا مستمرًا مع تركيا، والذي يُعزى في المقام الأول إلى واردات الأقمشة التي تحتاجها الشركات لتلبية احتياجات قطاع الملابس.

وقال مصدران لرويترز، طلبا عدم نشر هويتهما، الأربعاء إن “المغرب يعتزم مراجعة الاتفاقية والضغط من أجل زيادة الاستثمارات التركية لتعويض العجز التجاري المتزايد الذي يُعزى إلى حد بعيد إلى واردات الأقمشة التركية.”

وذكر المصدران اللذان حضرا اجتماعا مع عمر حجيرة، عضو مجلس الوزراء المسؤول عن التجارة، أن حجيرة سيزور أنقرة، قريبا لمناقشة الإجراءات التي تهدف إلى تخفيف فائض تجارة تركيا والبالغ ثلاثة مليارات دولار بنهاية عام 2024.

ومن المتوقع أن تسفر المفاوضات المقبلة عن نتائج تؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد المغربي، من خلال تقليل العجز التجاري وتعزيز الاستثمارات المحلية وتشجيع المزيد من الاستثمارات التركية للمساعدة في تعويض هذا الاختلال.

ووقع البلدان اتفاقية التجارة الحرة عام 2004، قبل أن يدخلا تعديلات عليها قبل خمس سنوات شملت فرض رسوم جمركية 90 في المئة على واردات المنسوجات والملابس التركية لحماية المصنعين المغاربة والوظائف.

ورغم التعديلات التي أُدخلت على الاتفاقية في سنة 2020، إلا أن العجز التجاري للمغرب استمر في الارتفاع، حيث نما خلال الفترة بين يناير وأبريل الماضيين بواقع 22.8 في المئة بمقارنة سنوية.

وتنص الشراكة على ضرورة انعقاد اللجنة المشتركة ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء فترة الخمس سنوات الأولى، لتقييم ما إذا كانت هناك حاجة لتمديدها لخمس إضافية ويكون ذلك بالتوافق بين البلدين.

وقبل خمس سنوات تم تعديل المادة 17 من اتفاقية التبادل الحر بين البلدين، بما يمكن الطرفين من اتخاذ إجراءات التقويم المؤقتة لمدة محدودة، على شكل زيادة في الرسوم الجمركية.

وتستهدف هذه الإجراءات فقط الصناعات الناشئة أو الرسوم الجمركية المطبقة من الطرفين بموجب تلك الإجراءات على منتجات أحد الطرفين 30 في المئة من قيمتها.

وتشير البيانات الرسمية إلى أن العجز التجاري الإجمالي خلال الثلث الأول من العام الجاري بلغ نحو 109 مليارات درهم (12 مليار دولار).

ولدى المغرب اتفاقيات تجارة حرة مع أكثر من 50 بلداً، لكنه يسجل في أغلبها عجزاً. ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على الحصة الأكبر من الصادرات المغربية بنسبة 66 في المئة، تليه الولايات المتحدة، ثم تركيا، وفقاً للأرقام الرسمية.

وسجل البلد عجزا في الميزان التجاري بنحو 30 مليار دولار خلال العام الماضي، أي بارتفاع قدره 7.3 في المئة على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ 2022 بحسب بيانات مكتب الصرف.

وخلال العام 2023 بلغ العجز مع تركيا 2.5 مليار دولار مقارنة مع 2.68 مليار دولار في 2022 ونحو 2.33 مليار دولار في عام 2021.

وهذه الأرقام تشير إلى أن التعديلات السابقة لم تكن كافية لمعالجة الاختلالات الهيكلية في العلاقات التجارية بين البلدين، بينما تسعى الرباط إلى تنويع شركائها التجاريين وتقليل اعتماده على بعض الأسواق.

ويبلغ عدد الشركات التركية في المغرب 80 شركة، تعمل في صناعات النسيج والصناعات الغذائية والأثاث، وقطاعات أخرى مثل العقار والأشغال العمومية والبنى التحتية.

وتشتكي قطاعات من إغراق السوق بمنتجات تضر وضعها في السوق المحلية، وهذا ما تؤكده الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة.

وجهت السلطات المغربية أنظارها إلى قطاع الصادرات الذي يحتاج إلى دفعة قوية عبر توفير كل الممكنات للشركات المحلية الساعية إلى تعزيز نشاطها في الأسواق الخارجية خلال المرحلة المقبلة.

ولا تعول الرباط على تعزيز صادراتها، التي لا تتطلب تنشيطها على نحو أكبر خلال السنوات المقبلة فقط، بل أيضا يتسلح المسؤولون برؤية يريدون تنفيذها وتكرسيها مع تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية لبلوغ أعلى درجات التكامل الاقتصادي مع بقية الدول.

مليارات دولار حجم فائض تجارة تركيا مع المغرب خلال 2024، بحسب الإحصائيات الرسمية

وفي ترجمة لإستراتيجيتها التنموية الشاملة أطلقت في مايو الماضي برنامجا طموحا يهدف إلى زيادة صادرات البلاد بمقدار 8.4 مليار دولار إضافية بين عامي 2025 و2027، وذلك من خلال تعزيز القدرات لمختلف القطاعات الصناعية والخدمية.

وتأتي الخطوة في وقت تشهد فيه الصادرات المغربية نموا ملحوظا، حيث سجلت زيادة بنسبة 5.8 في المئة في عام 2024 مقارنة بالعام السابق، محققة إيرادات بلغت حوالي 45.5 مليار دولار.

وتقول أوساط اقتصادية إن هذا التوجه يعكس رغبة المغرب في تحسين ميزانه التجاري وتعزيز اقتصاده خلال السنوات المقبلة.

ويؤكد المتابعون أن تعزيز القدرة التنافسية للصادرات لا يجب أن يرتكز على الإنعاش فقط بالتمويل أو رعاية الشركات المنتجة عبر التحفيزات والتشجيع، وإنما أيضا من خلال التركيز على الإنتاجية بأقل التكاليف الممكنة لتحقيق الأهداف.

ويوفر الاستقرار السياسي والموقع الجغرافي الإستراتيجي ميزة تنافسية مقارنة بالدول الأخرى في شمال أفريقيا، حيث يتلقى المغرب أعلى استثمارات أجنبية مباشرة في المنطقة، مع استثمارات مركزة في التصنيع والعقارات والسياحة.

وتستهدف الحكومة عبر خطتها دعم الشركات ذات الإمكانات التصديرية، خاصة تلك التي تتجاوز صادراتها السنوية 10 ملايين درهم (قرابة مليون دولار)، وذلك عبر تمكينها من ولوج الأسواق الدولية وتعزيز قدرتها التنافسية.

ويشمل الدعم قطاعات متنوعة مثل الصناعة والخدمات، ويهدف إلى تشجيع هذه المقاولات على تصدير منتجات جديدة وتعزيز مكانتها في الأسواق الخارجية.

ومن المتوقع أن يسهم هذا البرنامج في تحقيق التوازن في الميزان التجاري، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية، من خلال زيادة الصادرات وتقليص العجز التجاري. كما أنه سيُعزز من مكانة المغرب كمركز صناعي وتصديري في المنطقة، ويُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد المحلي.