تركيز أردني على مواجهة الشائعات أكاديميا بغياب خطة لوسائل الإعلام المحلية

وكالة أنباء حضرموت

تبذل السلطات الأردنية جهودا مكثفة لمواجهة التحديات المرتبطة بانتشار الأخبار الكاذبة والشائعات خصوصا ما يتعلق منها بالأمن القومي، وتركز مؤخرا على التربية والتوعية الإعلامية، في حين يجادل البعض بأن إقرار إستراتيجية إعلامية وطنية بسقف حرية مرتفع لا غنى عنه لمواجهة التضليل.

ويرى وزير الاتصال الحكومي محمد المومني أن افتتاح “أكاديمية الدراية الإعلامية والمعلوماتية 2025” في معهد الإعلام الأردني يُشكل محطة نوعية في مسار بناء منظومة إعلامية مسؤولة، قادرة على التصدي لتحديات عصر المعلومات، وتمكين الشباب بالأدوات المعرفية والمهنية اللازمة.

وقال المومني خلال مشاركته في حفل الافتتاح إن الأكاديمية تمثل استجابة إستراتيجية لتزايد التحديات المرتبطة بالأخبار المضللة وخطاب الكراهية، معتبرًا أن الدراية الإعلامية لم تعد خيارًا، بل ضرورة لتعزيز الثقة في الفضاء العام والدفاع عن الحقيقة.

ويواجه الأردن انتشارا واسعا للشائعات والأخبار المضللة التي تستهدف بصورة خاصة مواقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية.

ويقول متابعون للمشهد الإعلامي إن هناك حملات تشويه تشنها وسائل إعلام خارجية ضد المجتمع الأردني سواء من خلال منصات التواصل الاجتماعي أو عبر قنوات فضائية خارجية، أو وكالات أنباء خارجية؛ بهدف تدمير الصورة الذهنية عن المجتمع الأردني وتشويهها أمام الرأي العام الخارجي، وبث الفرقة وتضليل المجتمع، وإرهاق الدولة، وذلك من خلال تناولها معلومات غير حقيقية ومغلوطة عن المجتمع الأردني، خدمة لمصالح وأجندات خارجية.

وشدد المومني على أن الأردن يولي أهمية بالغة لتطوير بيئة معلوماتية متزنة تعزز وعي المواطن وتحفز المشاركة الفاعلة عبر إعلام مهني وحر، مشيرًا إلى أن تمكين الشباب وتطوير مهاراتهم في هذا السياق يُعدّان استثمارًا في الأمن المعرفي والاجتماعي للدولة.

ولفت إلى أن الأكاديمية تُعدّ خطوة متقدمة نحو بناء قدرات الإعلاميين والطلبة في التفكير النقدي، والتحقق من المعلومات، والتعامل الواعي مع المحتوى الرقمي، بما يرسخ منظومة إعلامية تواكب التحول الرقمي وتخدم الصالح العام.

وتأتي هذه الخطوة الأكاديمية في إطار نفس التوجه الذي أطلقته السلطات بهذا الشأن حيث تبنت خطة متكاملة في مجال التربية الإعلامية والمعلوماتية، ترتكز على إدخال مفاهيم التربية الإعلامية والمعلوماتية ونشرها عن طريق المؤسسات التعليمية والشبابية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني.

لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا عن وسائل الإعلام وتمكينها من الحرية والأدوات والمعلومات اللازمة لمواجهة التضليل والشائعات، إضافة الى مراجعة سياسة حظر النشر في القضايا الحساسة التي تشغل الرأي العام، حيث تسببت في نتائج عكسية وأدت إلى زيادة انتشار الشائعات وإرباك المجتمع الأردني بدلا من احتواء القضايا.

هناك حملات تشويه تشنها وسائل إعلام خارجية ضد المجتمع الأردني؛ بهدف تدمير الصورة الذهنية عن المجتمع الأردني وتشويهها أمام الرأي العام الخارجي

وتحدث مسؤولون ومختصون عن أهمية تجويد الخطاب الإعلامي الأردني، وتعزيز دور مهنة الإعلاميين والصحافيين، والدفاع عن الرواية الأردنية وسرديتها، ومحاربة الإشاعات والأخبار المضللة، من خلال رؤى مستقبلية تواكب الحداثة والتطور، ولاسيما في ظل استحداث الإعلام الجديد وأدوات الذكاء الاصطناعي.

وجاءت هذه المطالب بعد أن برزت على منصات التواصل الاجتماعي حملات منسقة تهدف إلى الإساءة لموقف الأردن وتشويه صورته، عبر حملات “الذباب الإلكتروني”، حيث أصبح أداة خطيرة تُستخدم لتضليل الرأي العام وبث الفتنة، خصوصًا في أوقات تتطلب فيها الساحة الداخلية أقصى درجات التماسك والوعي الوطني.

وأكد وزير الخارجية الأسبق جواد العناني أن الذباب الإلكتروني أصبح أداة فعالة في الحروب النفسية والإعلامية التي تُشن بين الدول، حيث يتم استغلال التطور التكنولوجي لنشر معلومات مضللة أو كاذبة، غالبًا ما تستند إلى وقائع حقيقية يتم تحريفها أو تضخيمها أو اجتزاؤها لتقديم صورة مخالفة للواقع.

وأشار العناني إلى أن هذه الممارسات تتضمن الكذب المتعمد، والتلاعب بالفيديوهات وتقليد الأصوات، باستخدام تقنيات أصبحت متاحة بسهولة لأي شخص يمتلك معرفة بسيطة بالتكنولوجيا، موضحًا أن أخطر وسيلة لبث هذه الأكاذيب هي منصات التواصل الاجتماعي، كونها فضاءً مفتوحًا وغير منضبط، يُستخدم بسهولة من قبل أصحاب النوايا السيئة لنشر الإشاعات وقتل المعنويات.

ونوّه إلى ضرورة التحقق من صحة المعلومات، وعدم الانجرار خلف ما يُنشر دون الرجوع إلى مصادر موثوقة، مضيفًا أن هذه الحرب الرقمية لا تقتصر على الأغراض السياسية والعسكرية، بل تشمل أيضًا محاولات استغلال الأطفال والفتيات لأغراض إجرامية.

الأردن يواجه انتشارا واسعا للشائعات والأخبار المضللة التي تستهدف بصورة خاصة مواقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية.

وتطرق العناني إلى محاولات بعض الجهات المعادية، خاصة من إسرائيل، لتقليل قيمة جهود الأردن تجاه القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أن ذلك يهدف إلى زرع التفرقة والتشويش على وحدة الصف الأردني، خاصة في ظل وجود مكونين أساسيين في المجتمع هما الأردنيون من أصول شرق أردنية وأردنية فلسطينية.

من جهته أشار الخبير الأمني والإستراتيجي الدكتور بشير الدعجة إلى أن الذباب الإلكتروني أصبح السلاح الأخطر في الحروب الحديثة، إذ لم يعد العدو يأتي بصوت مدفع ورائحة بارود، بل بات يتسلل عبر منشورات وتغريدات وهاشتاغات مجهولة المصدر، مبينًا أن هذا النوع من الحروب يُدار بذكاء وتخطيط يشبه العمليات العسكرية، ويهدف إلى تقويض الثقة بالنفس والوطن، وتشويه الرموز الوطنية، وبث الفوضى داخل المجتمعات.

وأكد الدعجة أن الذباب الإلكتروني لا يمثل الرأي الحر، بل هو حملة مبرمجة وممولة تقف وراءها جهات استخباراتية، أبرزها الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات الإسرائيلية، التي تسعى لتفتيت الجبهة الداخلية، وتآكل الثقة بالمؤسسات، وتخدير الحس الأمني لدى الشعوب، داعيًا إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي، وتحقيق مناعة رقمية وطنية قادرة على مواجهة هذا الخطر الخفي.

بدوره أشار أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة الشرق الأوسط محمود الرجبي إلى أن الذباب الإلكتروني هو مصطلح يُطلق على مجموعات حسابات وهمية أو شبه حقيقية تُدار بشكل مركزي ومنسق عبر غرف عمليات رقمية، لافتًا إلى أن ذلك يهدف إلى التأثير على الرأي العام من خلال التضليل ونشر الشائعات وإضعاف الثقة بالمؤسسات، ويزداد تأثير هذه الحملات في أوقات الأزمات، حيث تُقدَّم روايات بديلة مشوشة تُحدث بلبلة بين الناس، خصوصًا في ظل غياب أدوات التحقق لدى المواطن العادي.

وفي سياق الحملة التي استهدفت الجهود الأردنية في دعم غزة، أوضح الرجبي أن الذباب الإلكتروني استخدم أساليب عدة، أبرزها نشر صور مزورة أو قديمة على أنها تمثل المساعدات الأردنية، وبث روايات زائفة تتهِم الأردن بتقديم دعم رمزي أو شكلي فقط، متجاهلين الموقف الأردني الثابت والداعم لفلسطين، مؤكدًا أن هذه الحملات سعت لتقويض السردية الوطنية وزرع الشك في نوايا الأردن الإنسانية.