«المقاتلون الأجانب».. معضلة سورية تقرأ واشنطن «طالعها»

وكالة أنباء حضرموت

أثار التغير في موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن قضية المقاتلين الأجانب في سوريا تكهنات حول أسباب هذا القرار.

وكان ترامب، وسلفه الرئيس جو بايدن، قد ربطا أي تعامل مع حكومة الرئيس السوري الانتقالية أحمد الشرع باتخاذ هذه الحكومة خطوات لاحتجاز أو طرد آلاف المقاتلين الأجانب الذين بقوا في البلاد.

لكن المبعوث الأمريكي الجديد إلى سوريا، توم باراك، أعلن مؤخرًا أن الولايات المتحدة ستتخلى عن شرط ترحيل المقاتلين الأجانب، بل ستدعم – بحذر – دمج بعضهم في الجيش السوري.

وبحسب مجلة "فورين بوليسي"، يرى منتقدو هذا القرار أن المقاتلين الأجانب متطرفون يشكلون تهديدًا لتعافي سوريا وأمن الولايات المتحدة نفسها.

لكن هذا الطرح يتجاهل تعقيد الواقع السوري، فمصطلح "المقاتلين الأجانب" يشمل طيفًا واسعًا من الأشخاص، من مقاتلين أتراك أُفرج عنهم من السجون للقتال في سوريا، إلى متطوعين أوروبيين متطرفين، وعناصر مليشيات عابرة للحدود من القوقاز والصين وآسيا الوسطى.

وترى المجلة أن بعض هؤلاء يمكن دمجهم في الجيش السوري، بينما يجب استبعاد آخرين، ويكمن التحدي في تحقيق التوازن بين هذين الخيارين لضمان قيام دولة سورية قابلة للحياة وتحقيق أهداف واشنطن في محاربة الإرهاب على المدى البعيد.

وبحسب المجلة، تعاني الحكومة السورية اليوم من تشتّت حاد في مواردها الأمنية والعسكرية، ولا يمكنها ببساطة نزع سلاح كل الجماعات المسلحة على أراضيها. ولهذا، فهي بحاجة إلى ضم الجماعات الأقل تطرفًا تحت سلطة الدولة، كي تتمكن من التصدي للجماعات الأكثر عنفًا، وهذا هو السبيل الوحيد لمنع تكرار المجازر التي ارتكبها مقاتلون أجانب في مارس/آذار.

في قلب التحول الأخير في سياسة ترامب، نجد نحو 3500 مقاتل أجنبي من "الحزب الإسلامي التركستاني"، الذين سيُسمح لهم بالاندماج في الجيش السوري. هذا الحزب، الذي يتكون في الأساس من المسلمين الإيغور، شكّل قوة قتالية رئيسية خلال السنوات الماضية.

ورغم ارتكاب العديد من مقاتلي الحزب الذين دخلوا سوريا كمقاتلين جرائم حرب خلال النزاع، إلا أن الحزب تبنّى نهجًا جديدًا مبتعدًا عن التطرف.

ولهذا، فإن وصف الحزب بأنه "جماعة إرهابية مرتبطة بالقاعدة" لم يعد دقيقًا، إذ إن الفرع السوري توقف عن تلقي الأوامر من القيادة العالمية للقاعدة، وبدلًا من ذلك بايع الحكومة السورية، وقاتل ضد كل من القاعدة وتنظيم داعش، ولا توجد أدلة على تورطه في موجات العنف الطائفي الأخيرة.

وهناك أسباب إضافية تدعم فكرة دمج بعض المقاتلين الأجانب في الجيش السوري. فمن الناحية اللوجستية، لا مكان لهؤلاء المقاتلين ليذهبوا إليه، إذ ترفض بلدانهم الأصلية إعادتهم، وكثير منهم يعيش في سوريا منذ أكثر من عشر سنوات، ومتزوجون من سوريات ولديهم أبناء سوريون، ما يجعل مطلب واشنطن بترحيلهم غير واقعي.

كما أن الحكومة السورية الجديدة، رغم خطابها عن "الشمولية"، لا يتجاوز عدد قواتها الموالية للشرع بشكل مباشر 30 ألف مقاتل، في حين أن قوات سوريا الديمقراطية والجيش الوطني السوري يتفوقون عليها عددًا.

وبالتالي، تفتقر الحكومة الجديدة إلى القدرة على تفكيك واحتواء آلاف المقاتلين الأجانب المحنكين، وأي محاولة للقيام بذلك قد تدفعهم إلى أحضان القاعدة أو تنظيم داعش.

من الناحية الأمنية والسياسية، يرى الرئيس السوري أحمد الشرع في بعض المقاتلين الأجانب حلفاء استراتيجيين، وقد عيّن بعضهم في مناصب عسكرية رفيعة، مثل الأردني عبد الرحمن حسين الخطيب قائدًا للحرس الجمهوري، والتركي عمر محمد جفتاشي لقيادة فرقة دمشق العسكرية، وهو ما يبدو منطقيًا بالنظر إلى أنهم يفتقرون إلى قاعدة دعم محلية.

وتتوقع المجلة أن تتطلب عملية دمج المقاتلين الأجانب صبرًا وبراغماتية بعيدًا عن الحلول الموحدة، فقد كان من السهل نسبيًا دمج الحزب الإسلامي التركستاني، لكن الوضع أكثر تعقيدًا في الجنوب مع "اللواء الثامن"، وهو فصيل متقلب الولاء قاتل مع وضد نظام الأسد في مراحل مختلفة.

أما القوات الكردية، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية، فقصتها مختلفة تمامًا، إذ تسيطر فعليًا على إقليم شبه مستقل منذ عام 2012 وتتمتع بدعم أمريكي واسع، ما يجعل الحديث عن دمجها تحديًا كبيرًا.

في الوقت نفسه، أجرت أكثر من 130 جماعة مسلحة محلية وأجنبية محادثات مع الحكومة بشأن الاندماج، لكن كثيرًا منها لا تزال تشكك في نوايا النظام، وبعضها قد يحاول فقط "تغيير الولاءات" ظاهريًا مع الاحتفاظ ببنيته الداخلية وولاءاته الأصلية، والنتيجة أن الدولة قد تدفع رواتبهم دون أن تمارس أي سيطرة فعلية عليهم.

وتشدد المجلة على ضرورة أن تظل التجربة السابقة لنظام الأسد، حين سمح لمليشيات بالاندماج شكليًا ثم انقلبت عليه لاحقًا، حاضرة في ذهن الحكومة الجديدة، وعلى الولايات المتحدة أن تطالب بتوزيع مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني داخل وحدات الجيش النظامي لتشجيع دمج باقي الفصائل.

ورغم ذلك، هناك جماعات يجب استبعادها بالكامل من عملية الدمج، مثل الجماعات المتطرفة العابرة للحدود، وبقايا نظام الأسد، وشبكات التهريب والجريمة المنظمة.

وتفكيك هذه الجماعات يتطلب وجود دولة سورية فاعلة وجيش موحد ومنضبط، ولتحقيق ذلك لا بد من دعم القوى المعتدلة وإدماجها تحت مظلة الدولة. أما أخطر التحديات، فهي المليشيات الموالية للحكومة التي تعمل خارج نطاق سيطرة دمشق.

وهنا ينبغي على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا أكثر حزمًا بالضغط على الحكومة لرفض دمج المجرمين وضمان محاسبتهم، وهو ما يتطلب دبلوماسية دقيقة مع تركيا التي ترعى بعض هذه الجماعات.