مقتدى الصدر يستهدف شرعية حكم خصومه السياسيين بسلاح مقاطعة الانتخابات

وكالة أنباء حضرموت

يسعى رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر بإصـراره على مقـاطعة الانتخابات البرلمانية المقـررة لشهر نـوفمبر القـادم إلى الانتقاص من شـرعية كبـار خصـومه مـن داخـل الأسرة السيـاسية الشيعية التي ينتمي إليها والمستقرين في واجهة المشهد السياسي العراقي والممسكين بزمام الحكم في البلاد منذ أكثر من عقدين من الزمن.

وبدأت تلوح مؤشرات عملية على فاعلية اعتماد الرجل على هذا الأسلوب من خلال بوادر عزوف انتخابي مبكر تجلّى في ضعف إقبال الجمهور على تحديث السجلات الانتخابية، الأمر الذي أثار حالة من القلق الواضح في تصريحات صادرة عن جهات سياسية ودينية شيعية.

وخالف الصدر الذي يقود تيارا يحمل مسمّى التيار الوطني الشيعي التوقّعات التي راجت من قبل بأن مقاطعته للانتخابات مجرّد قرار تكتيكي ظرفي، وجدّد إصراره على المقاطعة منهيا إمكانية عودته عن القرار وقاطعا الطريق على مشاركة أنصاره بالاستحقاق ولو بشكل غير مباشر. وأصدر مؤخرا تحذيرا صارما من استغلال اسمه في الحملة الانتخابية موجّها المزيد من الانتقادات لـ”الفاسدين” الذين كثيرا ما يقصد بهم المتصدّين لشؤون الحكم في العراق وخصوصا زعماء وقادة الأحزاب والميليشيات الشيعية التي لا يتردّد في وصفها بالوقحة.

وكان هؤلاء القادة والزعماء من أمثال رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري وقائد ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وآخرين قد تعاضدوا إثر الدورة الانتخابية الماضية لاستبعاد الصدر من تشكيل الحكومة رغم فوز تياره بأكبر عدد من مقاعد البرلمان. واختار الرجل المعروف بكثرة مفاجآته وقراراته غير المتوقعة أسلوبا استثنائيا في مواجهة هؤلاء الخصوم تمثّل في سحب نواب كتلته من مجلس النواب وإعلانه الانسحاب من الحياة السياسية.

وظهر ذلك الأسلوب بادئ الأمر سلبيا وغير مؤثر في المشهد السياسي، لكن مع اقتراب الموعد الانتخابي الجديد بدأت تظهر فاعليته، ذلك أنّ رجل الدين ذي الجماهيرية الكبيرة داخل الأوساط الشعبية الشيعية بدا قادرا على إقناع شرائح واسعة من الناخبين حتى من خارج الأوساط الشيعية بعدم المشاركة في الانتخابات، الأمر الذي قد يفضي إلى عزوف انتخابي قياسي يُفشل الاستحقاق، وينتقص بالنتيجة من شرعية من سيتولون زمام الحكم استنادا لنتائجه.

وقال الصدر في بيان نشره في وقت سابق عبر حسابه في منصة إكس “في هذه الأيام، الكل لاَهٍ بالحملة الانتخابية التي لا يُذكَر الشعب إلا فيها، وما خلاها فالشعب منسي.” وأضاف قوله “يُمنع بل يُحرّم استعمال اسمنا، آل الصدر، وخصوصا الشهيدين الصَدْرَيْن، ويُمنع استعمال اسمي مطلقا من أي جهة كانت.”

وفي موقف يحمل السمة الاستثنائية والمفاجئة لمواقف زعيم التيار الوطني الشيعي، شرّع الرجل للعراقيين أخذ الأموال التي يستخدمها السياسيون في حملاتهم الانتخابية شريطة أن لا يقوموا بالتصويت لهم، قائلا “يحق للفقراء والمحتاجين أخذ ما يوزعه حتى الفاسدون بشرط عدم التصويت لهم ولا إعطائهم البطاقة الانتخابية.” وأضاف متوجّها بالخطاب لهؤلاء “هذه أموالكم لا أموالهم ولا منة لهم عليكم، فالفاسد وإن حاول إظهار نفسه صالحا إلاّ إنه يبقى مذنبا.”

وبدأت قوى عراقية لاسيما خصوم مقتدى الصدر المستهدَفين بشكل مباشر من قبله، تستشعر فاعلية مقاطعة الجمهور الصدري للانتخابات وتأثيرها على الاستحقاق وشرعية نتائجه. وأعلنت كتلة الصادقون بزعامة قيس الخزعلي عن قيامها بحملة مبكرة لمواجهة العزوف الانتخابي.

ويعتبر الخزعلي المعروف بقربه الشديد من إيران وحرسها الثوري أحد ألدّ خصوم الصدر بعد أن كان عنصرا في الميليشيا التابعة لزعيم التيار والمعروفة سابقا بجيش المهدي قبل أن ينشق عنه بإيعاز من طهران ويشكل ميليشيا العصائب. وقالت النائبة عن الكتلة زهرة البجاري إن كتلتها تقود حملة وطنية لمواجهة العـزوف عن الانتخابات الهادف لتغيير مسار العملية السياسية وذلك بإشراف مباشر من الخزعلي نفسه.

وأوضحت في تصريحات لوسائل إعلام تابعة للعصائب أنّه “مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة تؤكد كتلة الصادقون، وبدعم وتوجيه مباشر من سماحة الشيخ قيس الخزعلي، أن تحديث سجل الناخبين يمثل خطوة جوهرية نحو تمثيل سياسي حقيقي يعكس إرادة الشعب العراقي، ويسهم في تصحيح مسار العملية الديمقراطية وإعادة التوازن إليها.”

وليست هذه هي المرّة الأولى التي تتم فيها قراءة النقص الكبير المسجل في إقبال الجمهور على تحديث البيانات الانتخابية، باعتباره يؤشر إلى خطر يداهم انتخابات نوفمبر القادم. وذهبت دوائر على صلة بالقوى الشيعية حدّ المقارنة بين الإقبال على عملية التحديث في المناطق السنية، ومثيله في المناطق الشيعية التي تمثل الخزّان الانتخابي لتلك القوى ذاتها، الأمر الذي يحيل مباشرة على استجابة الجمهور لدعوة مقتدى الصدر للمقاطعة.

◙ الصدر بإصـراره على مقـاطعة الانتخابات البرلمانية يسعى إلى الانتقاص من شـرعية كبـار خصـومه مـن داخـل الأسرة السيـاسية الشيعية

ووردت تلك المقارنة بشكل صريح على لسان خطيب الجمعة في مدينة النجف المقدّسة لدى الشيعة صدر الدين القبانجي الذي قال في إحدى خطبه إنّ إقبال السكان في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية على تحديث بطاقاتهم الانتخابية أكثر من مناطق الوسط والجنوب محاولة تهدف لانتزاع الحكم من الشيعة.

وحث في خطبته الناخبين على تحديث بياناتهم استعدادا للانتخابات، قائلا “فليذهب الجميع لتحديث البطاقة الانتخابية والحضور الفعال في الانتخابات لنشكّل نحن (الشيعة) الأكثرية السياسية، وهو الواقع، ولا بدّ أن يكون لنا حماس من أجل تصحيح الأخطاء الانتخابية السابقة،” ومؤكّدا أن “المقاطعة تعني ضياع العراق وتقدّم الآخر.”

كما كشفت البجاري عن قيام كتلة “الصادقون” النيابية “بجملة من الإجراءات الميدانية والعملية في المحافظات، خاصة المناطق التي تشهد تدنيا في نسب التحديث، من خلال إطلاق حملات توعية إعلامية ومجتمعية تسلط الضوء على أهمية التحديث وتبسيط إجراءاته، وتفعيل لجان تطوعية ومراكز دعم مخصصة لمساعدة المواطنين لا سيما كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، فضلا عن التنسيق المستمر مع مفوضية الانتخابات لتجاوز التحديات الفنية والإدارية.”

ورأت أنّ “العزوف الانتخابي لا يعكس رفضا مطلقا للديمقراطية بل هو نتيجة تآكل الثقة بالجدوى السياسية وهي ثقة نسعى جاهدين لترميمها عبر مواقف صادقة ومبادرات فاعلة”. وعلى طـرف نقيـض من دعـوة مقتـدى الصدر لمقاطعة الانتخابات وجهت كتلة الخزعلي على لسان البجاري نداء للناخبين جاء فيه أنّ “صوتكم مفتاح التغيير والعزوف عن المشاركة لن يعاقب الفاسدين بل قد يمنحهم فرصة للبقاء، وقوّتكم في حضوركم واختيار من يمثل تطلعاتكم ويعبر عن معاناتك.”