تشييد مدينة عملاقة في غرب القاهرة يحيي الجدل حول جدوى المشاريع القومية
أثارت الحكومة المصرية جدلا واسعا في مصر بإعلان مشاركتها في تشييد مدينة عمرانية عملاقة جديدة في غرب القاهرة، بالشراكة مع القطاع الخاص، ما أعاد إلى الأذهان جدلا مستمرا حول الأولويات، في وقت يقتنع فيه قطاع من المصريين بأن الإسراف في تدشين مشروعات قومية تسبب في مشكلات اقتصادية.
وحضر نموذج العاصمة الإدارية الجديدة في شرق القاهرة وما ترتب عليه من نقاشات منذ البدء في تنفيذه قبل عشر سنوات، مع الإعلان عن المشروع الجديد.
ويضع إنشاء مدينة جديدة على أطراف القاهرة دون الانتهاء من كافة مراحل العاصمة الإدارية الحكومة المصرية في مرمى الانتقادات الشعبية.
ولتتجنب الحكومة المزيد من الانتقادات، جعلت القطاع الخاص مشاركا في مشروع غرب القاهرة، وجرى التسويق له من جانب بعض الشركات العاملة فيه منذ أشهر وقبل أن تعلن الحكومة عن شراكتها صراحة.
بناء مدينة سكنية جديدة يشكل ضغطا على موارد الدولة، مع توالي الشكاوى من محدودية موارد المياه والكهرباء والغاز الطبيعي
وشهد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي مراسم التوقيع على عقود مشروع “جريان” العقاري الضخم بمنطقة الشيخ زايد، في غرب القاهرة، وتتشارك فيه الدولة، ممثلة في جهاز “مستقبل مصر للتنمية المستدامة” التابع للجيش، مع شركات بارزة في القطاع الخاص مثل “بالم هيلز” و”ماونتن فيو”.
وقال مدبولي إن المشروع يأتي في إطار تعاون بين الدولة والقطاع الخاص، بمشاركة شركات كبيرة في مجال التطوير العقاري، ويمثل جزءًا من أراضي الدلتا الجديدة، المستهدفة أن تمتد على مساحة مليونين ونصف مليون فدان، بما يعادل مساحة خمس محافظات/ أقاليم إدارية مصرية.
ومن المتوقع أن يكتمل المشروع في غضون خمس سنوات، ويوفر نحو 250 ألف فرصة عمل، ويبلغ سكان المدينة الجديدة ثلاثة ملايين نسمة، وتم الترويج للمشروع باعتباره جزءا من منظومة عمرانية متكاملة، تحوي مدنا وقرى تخدم كل المستويات.
وتقدر مساحة المشروع بنحو 6 ملايين متر مربع، مقارنة بـ714 مليون متر مربع للعاصمة الإدارية الجديدة، وتبعد عن القاهرة بنحو 75 كيلومترا شرقا، ويتخوف البعض من أن يكون عدم اكتمال مراحل العاصمة الجديدة عاملاً سلبيا على الترويج نحو دفع الكتل السكانية إلى شرق القاهرة بالقرب من الوزارات الجديدة، وأن دخول الحكومة طرفا في مشروع مماثل بغرب القاهرة قد لا يخدم التوسع العمراني جيدا.
ويرى خبراء أن التوسع في بناء مدينة سكنية جديدة يشكل ضغطا على موارد الدولة، مع توالي الشكاوى من محدودية موارد المياه والكهرباء والغاز الطبيعي، وأن الإعلان عن مشروعات عقارية بينما المدن الجديدة التي تم تدشينها السنوات الماضية لم تجذب قطاعا كبيرا من المواطنين إليها، وليست لها فائدة في الوقت الحالي وسط الحاجة إلى توجيه الإيرادات نحو سداد الديون، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وربما يحقق المشروع عوائد مادية تماشيا مع تحقيق سوق العقارات في مصر قفزات مادية هائلة، لكن المشكلة في الرسالة السياسية التي تبرهن أن تدشين المشروعات القومية ذات العوائد المستقبلية على رأس أولويات حكومة لا تتعامل بفاعلية مع المشكلات المعيشية لشريحة من المصريين، وبدأت الفجوة تتسع بين طبقات فقيرة تتجه إليها الحكومة بمشروعات للرعاية الاجتماعية لا تكفي لتحسين جودة الحياة وبين مشروعات ضخمة موجهة إلى طبقة الأثرياء وتساهم في عزلتهم.
وقالت عضو مجلس النواب المصري مها عبدالناصر إن الحكومة تعاني أزمة تحديد الأولويات، وانخرطت في العقد الماضي في مشاريع عقارية لم تحقق المرجوّ منها اقتصاديا، وساهمت في زيادة الديون الخارجية دون أن تبدى اهتماما كافيا بالخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطنون، ما يجعل شراكتها الجديدة مع القطاع الخاص محل انتقادات، وليس من المعروف شكل الشراكة، وحال اقتصر دورها على منح الأراضي للشركات فالأمر يبدو مقبولا، وإذا وجدت مساهمات مادية فقد تكون ارتكبت خطأ.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الأزمة تتمثل في عدم توافر التفاصيل الكاملة عن المشروع، وخرائطه الزراعية والعمرانية، وما إذا كان جزءا من المشروع القديم الذي تقدم به عالم الجيولوجيا المصري فاروق الباز لتطوير صحراء مصر الغربية من عدمه، إلى جانب الجدل حول مد فرع للنيل إلى تلك المنطقة بسبب أنه كان من المفترض أن يحدث ذلك في السابق ليساهم في عملية استصلاح الأراضي، في حين التسويق الحالي للمشروع يشير إلى وجود بنايات فاخرة تطل عليه.
التوسع في بناء مدينة سكنية جديدة يشكل ضغطا على موارد الدولة، مع توالي الشكاوى من محدودية موارد المياه والكهرباء والغاز الطبيعي
ووفق بيان للحكومة المصرية فإن “جريان” أول مدينة سكنية صديقة للبيئة، وتخصّص لها الحكومة ثلاثة مصادر للري، منها تفريعة من نهر النيل تبدأ من فرع رشيد (على دلتا نهر النيل) مرورًا بمحور الشيخ زايد (غرب القاهرة)، على أن يتراوح عرض المجرى المائي داخل المدينة بين 50 و240 مترًا.
وتحتوي المدينة على أكثر من 20 ألف وحدة سكنية بمساحات متنوعة، تبدأ أسعارها من 7.6 مليون جنيه للوحدة المكونة من غرفة واحدة، وصولًا إلى 175 مليون جنيه للفيلات الفاخرة (الدولار= 49.77 جنيه)
وجهاز مستقبل مصر مسؤول عن مشروع استصلاح 2.2 مليون فدان بالقرب من دلتا نهر النيل في الصحراء الغربية، فيما تقع المدينة الجديدة بالدلتا الجديدة، وحسب الشركة التي أسسها الجهاز، فإن الفكرة بدأت حين رصدت الدولة قطعة أرض للمشروع غير صالحة للزراعة تقع في موقع إستراتيجي يمر من خلاله نهر النيل، بغرض تحويلها إلى مدينة عقارية ذكية ومستدامة، تضم مراكز تجارية، وفنادق عالمية، وجامعات دولية، ومستشفى، ومدينة إعلامية، وأندية رياضية.
وقال خبير التنمية المحلية الحسين حسان إن التكدس السكاني في القاهرة يدفع للبحث عن تشييد مدن جديدة واستغلال الصحراء، وتسهم العاصمة الإدارية الجديدة في تخفيف التكدس السكاني في القاهرة القديمة بنسبة 30 في المئة. وتشير دراسات المشروع الجديد إلى تخفيف التكدس بنسبة 10 في المئة، وجذب الطبقات الغنية إليه، وإحياء فكرة السكن أمام النيل بعيدا عن الأماكن القديمة في القاهرة.
وأوضح حسان لـ”العرب” أن الحكومة تسوّق لفكرة التكامل بين التطوير الصناعي والزراعي والعقاري، وتقدم نموذجا لرجال الأعمال يمكن من خلاله إدارة مشروعاتهم في المناطق التي تربط دلتا النيل بالعاصمة القاهرة دون الحاجة للانتقال إلى مناطق بعيدة، ونجحت الحكومة المصرية خلال السنوات الماضية في تدشين 38 مدينة سكنية جديدة تعرف بأنها من مدن “الجيل الرابع” لتضاف إليها المدينة الجديدة.
وتفرض زيادة عدد السكان بمقدار 10 ملايين مواطن كل أربع سنوات في مصر، الحاجة إلى التوسع العمراني للتعامل مع مشكلات التكدس، ولا يعني عدم الانتهاء من بناء مراحل العاصمة الإدارية عدم التفكير في تدشين مدن أخرى في مناطق جديدة، وتشجع قدرة الحكومة على نقل الوزارات والهيئات الحكومية إلى العاصمة الإدارية وبدء توافد المواطنين للسكن فيها، على إقامة مناطق أخرى بالقرب من العاصمة القديمة.