تعديلات تونسية على قانون العمل للحد من هشاشة عقود المناولة

وكالة أنباء حضرموت

أقر البرلمان التونسي الأربعاء بالغالبية تعديلا لقانون العمل يمنع بموجبه توقيع عقود العمل بالمناولة (الباطن) والعقود المحددة بفترة زمنية، وهو أحد المشاريع السياسية للرئيس قيس سعيّد وسط انتقادات لمدى جدواه في تنشيط اقتصاد البلاد المتعثر.

وينص القانون الجديد الذي باشر البرلمان مناقشته الثلاثاء، على منع العقود محددة الزمن وتحويلها إلى عقود من دون سقف زمني مع فترة تجربة تدوم 6 أشهر تمدد لمرة واحدة. وأيد القانون 121 نائبا في حين تحفظ عنه أربعة نواب.

واعتبر رئيس البرلمان ابراهيم بودربالة في افتتاح الجلسة التي استمرت حتى الساعات الأولى من الأربعاء أن الإصلاحات التشريعية “تضمن كرامة الإنسان وحق كل مواطن في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل ومنصف لبناء مناخ محفز على الإنتاج.”

وعقود المناولة هي آلية تقوم على علاقة تعاقدية بين ثلاثة أطراف، تشمل مؤسسة أصلية متمتعة بالخدمة ومؤسسة ثانية تسمى شركة للخدمات والعامل. وتقوم شركة المناولة بوضع عمال على ذمة الشركة الأولى وفق عقد عمل مقابل جزء من الأجر.

وليس من الواضح وجود تعريف قانوني لليد العاملة لكن ظاهرة عقود المناولة تفاقمت خلال فترة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي رغم المطالبات بإلغائها خاصة من قبل الاتحاد العام التونسي الشغل وغيرها من المنظمات النقابية والعمالية.

ويحظر التعديل تشغيل العمال عن طريق أطراف ثالثة في المهام الأساسية والدائمة داخل المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة. ويُسمح فقط ببعض التدخلات الفنية أو الظرفية، بشرط ألا تتحول إلى وسيلة للالتفاف على الحقوق القانونية للعمال.

وقال النائب يوسف طرشون، إن “هذا التنصيص يُعتبر سابقة قانونية في تونس،” لافتا إلى التعديلات تتضمن إجراءات صارمة تهدف إلى فرض احترام القانون.

ودأبت الشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة الناشطة في قطاع الخدمات على إبرام عقود محددة المدة مع عمال للقيام بعمليات الحراسة والتنظيف والبناء وفي المواسم الزراعية.

وغالبا ما يشتكي هؤلاء من عدم حصولهم على حقوقهم وخصوصا في ما يتعلق بأجور منصفة وضمان اجتماعي وصحي، الأمر الذي يتسبب في جعلهم تحت ضغط الظروف المعيشية والتي تفاقمت بشكل كبير منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية قبل ثلاث سنوات.

واستثنى التعديل الجديد إبرام عقود محددة الزمن في حالة تتعلق بالأعمال الموسمية أو تعويض عامل متغيب وغيرها.

ويجرم النص القانوني كل مرتكب لمخالفة إبرام عقود المناولة وينص على عقوبات مالية تصل إلى 10 آلاف دينار (3280 دولار) وكذلك عقوبات بالسجن.

وبموجب الأحكام الجديدة، يُعتبر جميع العمّال الذين كانوا يشتغلون في إطار عقود الباطن مرسمين مباشرة في المؤسسة المستفيدة من خدماتهم، اعتبارا من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ.

وكل توظيف يمر وجوبا بفترة تجربة بستة أشهر وبإمكان المشغل أن ينهي فترة التعاقد قبل هذا الأجل.

وهذا القانون من المشاريع السياسية الكبرى للرئيس قيس سعيّد الذي حدد توجها إصلاحيا للبلاد منذ صيف العام 2021، “لوضع حدّ نهائي” للمناولة في القطاعين العام والخاص وحفظ حقوق العمّال، لكنه محل انتقادات من قبل أوساط الخبراء في تونس.

وقال الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لفرانس برس “من المهم مواصلة التعبئة حتى لا يكون هذا القانون كغيره عنوانا لمكاسب سياسية، وخصوصا أن الدولة تواصل الالتفاف على قرارات وقوانين سابقة ذات أبعاد اجتماعية.”

ولطالما واجهت الحكومات المتعاقبة ضغوطا متزايدة من مجتمع الخبراء لتغيير نموذج التوظيف السائد باعتباره إحدى أدوات مكافحة البطالة، خاصة إذا تعلق الأمر بخريجي الجامعات وربط التخصصات التعليمية بالطلب الذي تحتاجه السوق فعليا.

وحذر الخبير الاقتصادي آرام بالحاج إلى أن النص الجديد “لن يقلص البطالة ولن يدعم النمو والحركية الاقتصادية.”

وقال لفرانس برس “اجتماعيا ربما سيقلص من هشاشة التشغيل ولكن في الوقت نفسه يمكن أن يشجع المشغل على الاعتماد على فترات تجريبية متقطعة للعاملين قبل طردهم على إثر انتهاء مدة التجربة.” وهذا يمكن أن يكون عاملا لتعميم هشاشة العمل.

وتواجه تونس أزمة اقتصادية منذ سنوات مع نسبة نمو بلغت بين يناير ومارس الماضيين 1.6 في المئة، وبلغت نسبة البطالة 15.7 في المئة خلال الربع الأول من هذا العام مقارنة مع 16.2 في المئة على أساس سنوي.

ومع ذلك فإن الخبراء مقتنعون بأن ثمة عوامل هيكلية مرتبطة ببقاء أرقام البطالة عند مستوياتها المرتفعة منذ سنوات، وخاصة بالنسبة إلى العديد من الشرائح التي تعتبر مهمة في تنشيط عجلات الاقتصاد الخامل.

ويرون أنه من الصعب معالجتها ما لم توضع رؤية محكمة للنهوض بالاقتصاد والاتكاء على الخريجين لتحفيز التنمية من خلال إطلاق مشاريعهم الخاصة أو تشجيع القطاع الخاص على توظيف نسبة منهم.