النفط الصخري الأميركي في مرمى هجمة سياسة أوبك+
يمضي تحالف أوبك+ في خطة لزيادة إنتاج النفط ومعاقبة الأعضاء الذين يتجاوزون حصص الإنتاج المقررة، وفي الكواليس تضغط السعودية وروسيا اللتان تتزعمان المجموعة لتحقيق هدف آخر أكثر أهمية.
ويتمثل هدف التحالف في مواجهة إنتاج النفط الصخري الأميركي لاستعادة الحصة التي استحوذت عليها الولايات المتحدة.
وكانت آخر حرب أسعار شنتها منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) على المنتجين الأميركيين قبل عشر سنوات قد باءت بالفشل.
وسمحت تطورات التكنولوجيا والتنقيب لشركات إنتاج النفط الصخري الأميركي بخفض التكاليف والمنافسة بأسعار أقل، وتمكنت هذه الشركات في السنوات التالية من انتزاع حصة من أوبك التي تضم 12 عضوا.
ومع ذلك، فإن الإنتاج الأميركي أصبح الآن أكثر ضعفا وأقل مناعة في مواجهة حرب الأسعار، بعد سجل منتجو النفط الصخري ارتفاعا في التكاليف في السنوات الثلاث الماضية.
كما تراجع دخل هذه الشركات بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، وهو شيء ارتبط جزئيا بالتداعيات الاقتصادية لسياسات الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتحدثت رويترز إلى عشرة من مندوبي تحالف أوبك+، الذي يضم أوبك ومنتجين آخرين من بينهم روسيا وكازاخستان، ومصادر في القطاع أطلعتهم السعودية أو روسيا على إستراتيجية الإنتاج.
ووفقا لأربعة من المصادر فإن استعادة جزء من الحصة في السوق هو أحد الدوافع وراء قرار في الثالث من مايو بإلغاء تخفيضات الإنتاج بسرعة أكبر مما كان مخططا له سابقا، إلا أن أيا من المصادر العشرة لم يقل إن الإستراتيجية تمثل حرب أسعار حتى الآن.
وذكرت المصادر، التي رفضت جميعها الكشف عن هوياتها نظرا لحساسية الأمر، أنه لإلحاق ضرر بمنتجي النفط الصخري اليوم، سيحتاج أوبك+ إلى دفع أسعار النفط إلى الانخفاض بشكل أكبر من مستوياتها الحالية التي تبلغ نحو 65 دولارا للبرميل لتصل إلى أقل من مستوى بين 55 و60 دولارا.
وقال أحد المصادر المطلعة على تفكير السعودية “الفكرة هي إثارة الكثير من الغموض حول خطط الآخرين مع النزول بالأسعار إلى أقل من 60 دولارا للبرميل.”
ولم يرد مركز التواصل الحكومي السعودي ولا مكتب نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك ولا أوبك على طلبات التعليق.
وأشار تحالف أوبك+ إلى “أساسيات السوق الصحية الحالية، التي تنعكس في انخفاض مخزونات النفط” كأساس لقرار الإنتاج.
ومع ذلك، تأتي زيادات إنتاج أوبك+ بالتزامن مع نفاد مخزون أفضل مناطق النفط الصخري عالي الجودة في أكبر حقول النفط الأمريكية، وهو حقل برميان. ومع توجه المنتجين نحو المناطق الثانوية، ترتفع تكاليف الإنتاج. كما فاقم التضخم تلك التكاليف.
ويحتاج منتجو النفط الصخري الآن إلى سعر 65 دولارا للبرميل في المتوسط لتحقيق الربح، وفقا مسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في دالاس للربع الأول من هذا العام وشمل أكثر من 100 شركة نفط وغاز في تكساس ونيو مكسيكو ولويزيانا.
وفي المقابل، يقدر المحللون تكاليف الإنتاج في السعودية بما يتراوح بين ثلاثة وخمسة دولارات للبرميل الواحد، وفي روسيا بما يتراوح بين 10 و20 دولارا للبرميل.
وخلال الذروة، كان إنتاج أوبك يشكل أكثر من نصف النفط العالمي. لكن هذه الهيمنة آخذة في الانحسار، إذ تفيد بيانات المنظمة بأن حصتها تراجعت من 40 في المئة قبل 10 سنوات فقط إلى أقل من 25 في المئة هذا العام.
وارتفعت حصة الولايات المتحدة من 14 إلى 20 في المئة. وتنتج أوبك+، مع حلفائها من خارج المنظمة، نحو 48 في المئة من النفط العالمي.
وبعد خفض الإنتاج بما يصل إلى 5.85 مليون برميل يوميا، أو خمسة في المئة من الطلب العالمي، خلال السنوات الخمس الماضية لتحقيق التوازن في السوق بينما نما إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، تعمل أوبك+ الآن على زيادة الإنتاج.
وذكر أحد المصادر في أوبك+ لرويترز “حان الوقت لاستعادة الحصة المفقودة”. وتقول السعودية إن تكاليف الإنتاج المنخفضة لديها تعني أنها ستكون المنتج الأخير الصامد في أي منافسة.
ولفتت المصادر لرويترز إلى أن روسيا أصبحت بشكل تدريجي متفقة مع استراتيجية السعودية المتمثلة في ضخ المزيد من النفط لمعاقبة أعضاء أوبك+، مثل العراق وكازاخستان، على الإنتاج الزائد والضغط على آخرين، مثل منتجي النفط الصخري.
وذكر مصدر روسي رفيع المستوى أن “السبب الرئيسي لاختلال توازن سوق النفط يأتي من نمو (إنتاج) النفط الصخري في الولايات المتحدة”.
وأضاف المصدر أن وصول سعر النفط إلى ما دون 60 دولارا للبرميل، وهو سقف السعر الذي فرضته مجموعة السبع على النفط الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، من شأنه أن يسهل الصادرات وربما يكون مناسبا لموسكو.
وجرى التداول على خام برنت القياسي في نطاق يتراوح من 70 إلى 80 دولارا للبرميل خلال معظم فترات 2024، لكنه تراجع إلى أدنى مستوى في أربع سنوات قرب 58 دولارا للبرميل في أبريل، مع زيادة الإنتاج من أوبك+ ووسط مخاوف بشأن الاقتصاد العالمي.
وقال لينوا جوان الرئيس التنفيذي لشركة سيرج إنيرجي، وهي إحدى أكبر شركات إنتاج النفط الخام الخاصة في الولايات المتحدة ولديها عمليات في حوض برميان، إن “التوقيت هو الأسوأ بالنسبة للمنتجين في الولايات المتحدة.”
وأشار إلى أن إنتاج النفط الأميركي من المرجح أن ينخفض خلال العام الجاري مع استنزاف مخزونات الخام عالية الجودة.
لإلحاق ضرر بمنتجي النفط الصخري، سيحتاج أوبك+ إلى دفع الأسعار إلى أقل من مستوى بين 55 و60 دولارا للبرميل
وأوضح جوان أن السياسات التجارية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية وما نتج عنها من تقلبات في السوق أثقلت كاهل القطاع ونتج عنها توقعات بإفلاس بعض الشركات.
وأضاف إن “زيادة إنتاج أوبك+ يؤثر على حصة السوق بالنسبة لمنتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة”.
وذكرت شركة بيكر هيوز أن عدد منصات النفط والغاز في الولايات المتحدة انخفض في وقت سابق من الشهر الجاري إلى أدنى مستوى له منذ يناير الماضي.
وفي وقت سابق من مايو خفضت شركة دايموندباك إنرجي للنفط الصخري توقعاتها للإنتاج في 2025، قائلة إن “الضبابية التي تحيط بالاقتصاد العالمي وزيادة إمدادات أوبك+ دفعا إنتاج النفط الأميركي إلى مرحلة قد يشهد خلالها تحولا ملحوظا.”
وحذرت كونوكو فيليبس الأسبوع الماضي من أن انخفاض الأسعار إلى نحو 50 دولارا للبرميل قد يؤدي إلى تخفيض واسع النطاق في العمليات، بما يشمل الشركات الكبيرة. لكن حروب الأسعار تؤثر بشدة على الجميع.
وعلى الرغم من أن شركات النفط تتعرض لضغوط لخفض النفقات الرأسمالية والوظائف وتوزيعات الأرباح، يضع تراجع الأسعار ضغوطا مالية على الدول التي تعتمد على إيرادات الخام.
ويقدر صندوق النقد الدولي أن روسيا بحاجة إلى أسعار نفط أعلى من 77 دولارا للبرميل لتحقيق التوازن في ميزانيتها، بينما تحتاج السعودية إلى أسعار تتجاوز 90 دولارا للبرميل.
ولا يوجد لدى أوبك+ هدف رسمي للسعر، لكن المسؤولين يناقشون بانتظام وجهات النظر حول مستويات الأسعار وتداعياتها على القطاع والاقتصاد العالمي.
وفي إشارة إلى الاستعداد على الأقل لتحمل بعض الضغوط، أبلغ مسؤولون سعوديون حلفاء وخبراء في القطاع أن بلدهم يمكنه تحمل انخفاض الأسعار إلى 60 دولارا للبرميل، حتى لو اضطرت إلى الاقتراض لدعم الميزانية الحكومية.