تشكيك خامنئي يعيد المحادثات النووية إلى نقطة البداية

وكالة أنباء حضرموت

أعاد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الثلاثاء الجدل حول جدوى المحادثات النووية مع الولايات المتحدة إلى الواجهة، بعد أن أبدى علنا شكوكه في إمكانية أن تؤدي هذه المفاوضات إلى “أيّ نتيجة”، ما يعكس تشددا متجددا في الموقف الإيراني ويضع المسار التفاوضي، مرة أخرى، أمام مأزق حقيقي يُنذر بالعودة إلى نقطة الصفر.

وفي كلمته المتلفزة التي جاءت بعد أشهر من جولات تفاوض غير مباشرة بوساطة عُمانية، قال خامنئي “المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة كانت قائمة أيضا في زمن الشهيد رئيسي، تمامًا كما هي الآن، وبلا نتيجة طبعًا. لا نظن أنها ستُفضي إلى نتيجة الآن أيضًا، لا ندري ما الذي سيحدث،” في إشارة مباشرة إلى غياب الثقة في نية واشنطن وجدوى استمرار هذا المسار.

ويرى محللون أن هذا التصريح، وإن لم يحمل إعلانا رسميا بوقف المفاوضات، إلا أنه يحمل في مضمونه رسالة سياسية واضحة تتجاوز مجرد التشكيك لتضع المفاوضات برمتها تحت سقف جديد أقل تفاؤلا، وأكثر ارتباطا بالموقف العقائدي لإيران تجاه ما تعتبره “حقا سياديا” في تخصيب اليورانيوم.

وفي ظل هذا التحول في النبرة، يصبح من الصعب فصل موقف خامنئي عن مجمل الأداء التفاوضي لطهران، الذي بات يميل إلى التشدد، لاسيما مع بلوغ مستوى التخصيب في المنشآت الإيرانية إلى 60 في المئة، وهو رقم يقترب بشكل مقلق من مستوى الـ90 في المئة المطلوب للأغراض العسكرية، في تجاوز صريح لما نص عليه الاتفاق النووي لعام 2015.

وشهدت المحادثات التي بدأت منذ أبريل بوساطة سلطنة عُمان أربع جولات حتى الآن، دون أيّ اختراق فعلي، فيما تتوالى المؤشرات على اتساع الفجوة بين الطرفين. وفي الوقت الذي ترى فيه طهران أن نشاط التخصيب “غير قابل للتفاوض،” تعتبره واشنطن “خطًا أحمر،” كما أكد الموفد الأميركي ستيف ويتكوف مؤخرًا، حين شدد على أن بلاده “لا يمكنها السماح حتى بنسبة واحد في المئة من قدرة التخصيب،” ما يعكس تصلبا مشابها لدى الطرف المقابل، يفاقم من حدة التعقيد في المفاوضات.

وحاول وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي يقود فريق التفاوض، في تصريحات متفرقة إعطاء انطباع بأن نافذة الاتفاق ما زالت مفتوحة، قائلا إن التوصل إلى اتفاق “في متناول اليد” إذا كانت واشنطن جادة في ضمان عدم حيازة إيران للسلاح النووي، لكنه عاد وأكد في منشور عبر إكس أن التخصيب “سيتواصل مع أو دون اتفاق”، في رسالة لا تخلو من التحدي، تعكس ما يمكن تسميته بـ”الخط العقائدي الثابت” للنظام الإيراني حيال هذه المسألة. غير أن ما يزيد المشهد تعقيدًا هو ما تعتبره طهران تناقضًا في الخطاب الأميركي.

وأشار عراقجي في تصريحات بثها التلفزيون الإيراني إلى أن “مواقف أميركية تتنافى مع أيّ منطق” ظهرت في الأيام الأخيرة، وأن هذه التناقضات “تضر بصورة فادحة بمسار المفاوضات.” وفي هذا السياق، اتهم المفاوض الإيراني نظراءه الأميركيين بإرسال إشارات متضاربة، بين الخطاب العلني والمواقف خلف الأبواب المغلقة، في وقت لم يُحدد فيه بعد موعد للجولة المقبلة، ما يعكس حالة من الجمود وربما التوتر غير المعلن بين العاصمتين.

وفي موازاة ذلك، يعيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض، تفعيل سياسة “الضغوط القصوى” التي اتبعها سابقًا، بالتوازي مع دعمه المعلن للمفاوضات. غير أن تصريحات ترامب الأخيرة حملت نبرة تهديد مبطن، حين حذر طهران من “حدوث أمر سيء” إذا لم تُسرع في اتخاذ قرار بشأن الاتفاق، رغم إشارته إلى أن “الاتفاق بات قريبًا” خلال جولته الخليجية، في تلميح يفقد الموقف الأميركي اتساقه ويمنح إيران المزيد من الذرائع لتبرير حذرها أو تشددها.

ولا يأتي تشكيك خامنئي فقط كتعبير عن موقف سياسي، بل يشكل تحولا في مزاج المؤسسة الحاكمة الإيرانية تجاه العملية التفاوضية ككل، ويعيد النقاش إلى المربع الأول حول ما إذا كانت إيران تنخرط فعليا في مسار تفاوضي بهدف الوصول إلى اتفاق، أم أنها تخوض هذه المباحثات لشراء الوقت وتثبيت المكاسب النووية التي راكمتها في السنوات الأخيرة.

ويشير مراقبون إلى أن فرص التوصل إلى تسوية نهائية تبدو محدودة، خاصة في ظل غياب أيّ مؤشرات على استعداد أحد الطرفين لتقديم تنازلات جوهرية، واستمرار سياسة العقوبات التي تقابلها إيران بالمزيد من التقدم النووي. وبين الخطاب الصارم من خامنئي، والتصريحات المتضاربة من ترامب، تدخل المفاوضات النووية مرحلة جمود جديدة، أقرب إلى التراجع منها إلى التقدم، بما يعيدها فعليا إلى نقطة الصفر، في انتظار متغير دولي أو إقليمي قد يغير قواعد اللعبة بالكامل.

ويرى خبراء أن المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة تمرّ بمرحلة حرجة. فوفقا لتقارير غربية فإن إيران أصبحت أقرب من أيّ وقت مضى إلى القدرة على إنتاج مواد نووية للأسلحة، ما يزيد من تعقيد المفاوضات ويضع المجتمع الدولي أمام تحديات كبيرة في التوصل إلى اتفاق دائم وفعّال.

ومن جانب آخر، يشير بعض المحللين إلى أن الموقف الإيراني قد يكون مدفوعا برغبة في تعزيز موقفها التفاوضي، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تواجهها. في حين يرى آخرون أن إيران تسعى إلى تأكيد “حقها السيادي” في تخصيب اليورانيوم، ما يعكس تعقيدات إضافية في مسار المفاوضات.