مسيّرات الدعم السريع تهز الجيش السوداني وتربك البرهان

وكالة أنباء حضرموت

زادت قوات الدعم السريع من استهدافاتها لمواقع عسكرية حيوية في شرق السودان، ما تسبّب في هز صورة الجيش وقائده الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الذي كان يعتقد أن السيطرة على العاصمة الخرطوم مؤخرا سوف تضمن له تفوقا نوعيا، وتمكنه من كسر شوكة الدعم السريع العسكرية نهائيا، والتي فاجأته بضربات موجعة عبر طائرات مسيّرة في المنطقة التي اتخذتها الحكومة مقرا لها.

وتكمن خطورة استخدام سلاح المسيّرات بكثافة في شرق السودان في أن نتائجه قد تشل حركة حكومة الجيش، وتؤثر سلبا على أداء مهامها التنفيذية، وأثبت استمرار القصف أن مقر الحكومة في بورتسودان غير آمن، ما يعني أن قيادة الجيش نفسها غير آمنة، بعد أن توالت ضربات المسيّرات على مدار الأيام الماضية.

تركيز ضربات قوات الدعم السريع على الشرق يهدف إلى تأكيد التفوق في سلاح المسيّرات ومن خلاله قد تتحقق الكثير من المكاسب

ويقول مراقبون إن الرسالة المهمة من وراء هذا التصعيد أن لا أحد يستطيع حسم المعركة عسكريا في السودان، فعلى مدار أكثر من عامين من اندلاع الحرب، وهي تشهد سجالا ومراوحة بين قوات الجيش والدعم السريع، وكرّا وفرا، وصعودا وهبوطا، ولا خيار سوى العودة إلى طاولة المفاوضات.

ويضيف المراقبون أن تركيز ضربات قوات الدعم السريع على الشرق يهدف إلى تأكيد التفوق في سلاح المسيّرات ومن خلاله قد تتحقق الكثير من المكاسب، ويمكن تعويض بعض الخسائر التي تكبّدتها الدعم السريع في الخرطوم، فضلا عن نقل ميدان المعركة إلى عقر دار الجيش، وتخفيف الضغوط عن إقليم دارفور في غرب البلاد، والذي اعتقدت قوات الجيش أنه الميدان الذي سيشهد المعركة الأخيرة والحاسمة.

واستهدف هجوم بمسيّرات تابعة لقوت الدعم السريع، الأربعاء، قاعدة فلامنغو في بورتسودان، وهي أكبر قاعدة بحرية في السودان، وذلك في اليوم الرابع من هجمات تشن ضدّ المدينة التي تضمّ مقرّا مؤقتا للحكومة.

وقالت مصادر عسكرية محلية إن مضادّات أرضية تابعة لقوات الجيش تصدّت لها، لكن ضربات سابقة حدثت خلال الأيام الماضية طالت مطار بورتسودان، وقاعدة عسكرية ومحطة كهرباء ومستودعات وقود، ما ألحق أضرارا ببنى تحتية إستراتيجية بالمدينة التي تعد بمثابة عاصمة مؤقتة، وتضم أكبر ميناء في شرق أفريقيا، كما استهدفت ثلاث مسيّرات منشآت في مطار كسلا، بالقرب من الحدود مع إريتريا.

ولم تعلّق قوات الدعم السريع على الهجمات التي طالت بورتسودان في شرق البلاد (حتى مساء الأربعاء)، وتقع على بعد نحو 650 كيلومترا من العاصمة الخرطوم.

وتزداد المخاوف من أن يتسببّ قصف المدينة في توقّف تدفّق المساعدات الإنسانية، والتي يأتي معظمها عن طريق بورتسودان، بعد تعثر العديد من الشرايين الأخرى.

وقال المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد إن قائد الجيش “مُحاط بفلول النظام القديم، وهم الآن من يديرون دولاب الدولة، والواقع يشير إلى أن المجلس العسكري منقسم على نفسه، ففي حين أن نائب قائد الجيش الفريق شمس الدين كباشي غير متحمس للتعامل مع فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير ويمثلون الجناح الإسلامي، فإن مساعد قائد اللواء ياسر العطا لا يمانع في التعامل معهم، كما أن موقف البرهان متذبذب وفي حيرة من أمره بين الطرفين.”

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن البرهان أمام خيارين، إما أن يعزل القادة المنتمين لتنظيم الإخوان ويتوجه إلى منبر جدة لاستئناف المفاوضات، وإما أن يعود السودان للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتكون النهاية هي التدخل العسكري الخارجي، والسيناريو المخيف في البلاد هو اشتداد الحرب، ودخول كتائب الإخوان (كتائب الظل)، التي أعلنت انطلاقها “كتائب البراء”، ووسعت من عناصرها وحلفائها المتطرفين، واستخدام تسمية جديدة وهي “فيلق البراء”.

خطورة استخدام سلاح المسيّرات بكثافة في شرق السودان تكمن في أن نتائجه قد تشل حركة حكومة الجيش، وتؤثر سلبا على أداء مهامها التنفيذية

ومنذ خسارة الدعم السريع مواقع عسكرية في وسط السودان والخرطوم، زاد الاعتماد على المسيّرات والمدافع بعيدة المدى، لقطع الإمدادات العسكرية عن قوات الجيش.

وقالت المحللة السياسية السودانية شمائل النور إن الحرب التقليدية انتهت في السودان ودخلت البلاد في سباق المسيّرات، الذي أدى إلى شل الحياة في المناطق الآمنة، وأصبحت كل مناطق السودان تحت سقف الحرب، ودخول بورتسودان على خطها مباشرة هو محاولة للضغط على قوات الجيش للجلوس والتفاوض، وتوقعت أن تشهد المرحلة المقبلة سباق تسلح أكبر، لأنه لم يتوقف منذ بداية الحرب، لكن سيكون على نحو أكثر تسارعا وأوسع نطاقا.

وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن الجيش حصل على مسيّرات جديدة مشابهة لما تعرف باسم “المسيّرة الإستراتيجية” التي تمتلكها قوات الدعم السريع، وفي المقابل فإن العناصر التي يقودها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) حصلت على نسخة أكثر تطورا من تلك التي يمتلكها الآن واستطاع الجيش قصف بعضها في مطار نيالا مؤخرا، وأن بدء استهداف المناطق المدنية الخدمية ثم المواقع العسكرية وصولا إلى مستودعات الوقود أدى إلى أن يصبح السودان في شلل تام، وأن الولايات التي لم تصلها الحرب باتت في حالة حرب.

ويترقب سودانيون نشاطا جديدا في الوساطات الإقليمية والمبادرات الدولية، غير أن وصول الحرب إلى بورتسودان عملية ليست سهلة، وأثرها سوف يكون كبيرا على حياة المواطنين في المناطق الآمنة، وعلى مستوى الخدمات التي ينتظرونها، حيث يخيم الظلام وينتشر العطش في غالبية الولايات، ولذلك فالتجاوب مع مساعي المفاوضات إذا ظهرت بشكل جاد لن يكون أمرا سهلا، وسيحتاج إلى جهود مضنية.