جورج واشنطن.. مؤسس الولايات المتحدة الذي رفض أن يكون ملكاً
بعد سنوات من القتال ضد الاستعمار البريطاني، لم يكتفِ أول رئيس أمريكي جورج واشنطن بتحقيق الاستقلال، بل حوّل المستعمرات المتناثرة إلى دولة موحدة.
وبعد تنحّيه عن قيادة الجيش عام 1783، آثر واشنطن العودة إلى منزله في مونت فيرنون، مقتديًا بالقائد الروماني سينسيناتوس الذي ترك السلطة بعد النصر، بحسب موقع "ذا كولكتور" المعني بالتاريخ.
ورغم اعتزاله، تابع واشنطن الحياة السياسية وساند جهود هاملتون وماديسون لإصلاح النظام الفيدرالي.
وفي 1787، ترأس المؤتمر الدستوري الذي أنتج دستورًا عزز من سلطات الحكومة الفيدرالية، وأسس منصب الرئيس.
عُرف واشنطن بحياده واستقلاله عن الأحزاب، مما جعله الخيار الطبيعي لرئاسة الجمهورية، فانتُخب بالإجماع عام 1789 كأول رئيس للولايات المتحدة، وأدى اليمين في نيويورك، فيما أصبح جون آدامز نائبًا له.
حفل تنصيب جورج واشنطن
نصّ الدستور الأمريكي على أن يتولى الرئيس قيادة الجيش، وتعيين المسؤولين، وإبرام المعاهدات بموافقة مجلس الشيوخ، لكنه لم يكن يتضمن سوى القليل عن سير العمل اليومي للحكومة التنفيذية. وكان على واشنطن من جهة، والكونغرس من جهة أخرى، تحديد كيفية تطبيق الدستور الجديد عمليًا.
شكّل واشنطن أول "حكومة اتحادية" بضم أبرز العقول المتنافسة: ألكسندر هاملتون المالي العبقري، وتوماس جيفرسون المفكر الثوري، وأدخل مفهوم "مجلس الوزراء" عبر اجتماعات أسبوعية يجمع فيها آراء مستشاريه المتناقضة. كما أسس تقليد "خطاب التنصيب الرئاسي"، الذي تحوّل لاحقاً إلى "خطاب حالة الاتحاد".
وعكست حكومة جورج واشنطن التوتر بين رؤيتين: هاملتون المدافع عن حكومة مركزية واقتصاد صناعي وتحالف مع بريطانيا، وجيفرسون المؤيد لحكومة ضعيفة واقتصاد زراعي وتحالف مع فرنسا. ورغم استفادته من هذا التوازن، أدت الخلافات إلى استقالة الطرفين لاحقًا.
إرساء نظام مالي وطني
قاد هاملتون الجهود الاقتصادية، فاقترح تسديد الحكومة الفيدرالية لديون الولايات، لتعزيز سلطتها، ورغم اعتراض جيفرسون وماديسون، وافق الكونغرس بدعم واشنطن، كما أنشأ هاملتون بنكًا وطنيًا رغم جدل دستوري، وأقنع واشنطن بأن هذا الإجراء "ضروري ومناسب" لتنفيذ الصلاحيات الممنوحة.
وفي تسوية مع جيفرسون، وافق هاملتون على نقل العاصمة إلى نهر بوتوماك مقابل دعم برنامجه المالي، واختار واشنطن موقع العاصمة بنفسه، لتصبح "واشنطن، دي سي"، فيما نُقلت الحكومة مؤقتًا إلى فيلادلفيا.
حفل تنصيب جورج واشنطن
وفي فترة ولايته الثانية، اندلعت الحرب بين فرنسا وبريطانيا، وأصر واشنطن على الحياد رغم تعاطف البعض مع فرنسا الثورية. وأصدر "إعلان الحياد" عام 1793، مما أثار جدلًا سياسيًا حادًا.
ولاحقًا، توترت العلاقات مع بريطانيا بسبب اعتراضها السفن الأمريكية، فأرسل واشنطن القاضي جون جاي للتفاوض، وأُبرمت معاهدة عام 1794 التي حسّنت العلاقات بين البلدين، لكنها لم تُنهِ جميع الخلافات. ورغم المعارضة، دعمها واشنطن وتمت المصادقة عليها بصعوبة في مجلس الشيوخ.
الاعتزال ووصية سياسية
مع نهاية فترته الثانية، أرهق الانقسامات السياسية جورج واشنطن الذي رفض الترشح لولاية ثالثة رغم ضغوط المقربين. ونشر خطاب وداعه في سبتمبر/ أيلول 1796، داعيًا للوحدة، ومحذرًا من الانقسامات الحزبية والتدخلات الأجنبية.
وبتنحيه، أسس واشنطن تقليدًا بالتخلي عن السلطة بعد فترتين، وهو تقليد استمر حتى اليوم، وعاد إلى مونت فيرنون حيث توفي عام 1799، بعد أن وضع أسس الرئاسة والدولة الفيدرالية الحديثة في الولايات المتحدة.