رسالة مكتوبة من دمشق إلى واشنطن ترسم خارطة طريق لعودة متكاملة لسوريا
ردت سوريا كتابيا وبشكل دقيق ومحسوب على رسالة أميركية بشأن عدة مواضيع مثيرة للتساؤل، في وقت تقول فيه أوساط سياسية متابعة لأداء حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع إن الردود السورية رسمت خارطة طريق لعودة سوريا بشكل متكامل إلى المشهد الدولي وخاصة في العلاقة مع الولايات المتحدة الدولة الأكثر تأثيرا في المشهد.
وهدفت الردود المحترفة، والتي جاءت مكتوبة حتى تكون ملزمة بمختلف تفاصيلها، إلى الإجابة الدقيقة عن الأسئلة والشكوك التي تساور الأميركيين بشأن طبيعة النظام الجديد في دمشق والتزاماته الخارجية. وتركزت الإجابات على نقطتين أساسيتين، تتعلق الأولى بوضع المقاتلين الأجانب ودورهم داخل النظام الجديد وحدود تأثيرهم، والثانية تتعلق بالموقف من إسرائيل وحدود العلاقة معها.
ويرى مراقبون أن نجاح دمشق في طمأنة الأميركيين، ومن ورائهم الإسرائيليون وقبلهم دول الإقليم، تعود إلى وقوف تركيا وراء كل خطوة تخطوها السلطة السورية وقد جهزوها بطاقم سياسي ودبلوماسي وقانوني يعرف ما يجب أن يعمل، وأن يقدم التطمينات اللازمة لمختلف الأطراف حتى يتم تأهيل النظام الجديد إقليميا ودوليا.
◄ الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسية أخرى مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب
وخلال الأسابيع الأخيرة بدأ المسؤولون السوريون في التحرك لإظهار موقفهم بشأن القضايا التي تنتظر الإجابات العاجلة، وكان أبرزها الموقف من إسرائيل. ورغم أن الجيش الإسرائيلي احتل في الفترة الأخيرة مواقع حساسة في سوريا وأحرج السلطات الجديدة أمام أنصارها، إلا أن الردود كانت دائما محسوبة بدقة، فليس هناك حديث مجاني عن مواجهة أو خطاب شعبوي مفرغ من الفعل كما كان يحصل في السابق بالهجوم الكلامي على إسرائيل.
وتركزت ردود دمشق على إظهار أن السلطات الجديدة ليس لها خطط لمواجهة إسرائيل أو تهديد أمنها سواء بشكل مباشر أو عبر تحريك أياد فلسطينية. وكان اعتقال قياديين من الجهاد الإسلامي رسالة واضحة عن موقف دمشق لإسرائيل أولا وللفصائل حتى لا تعتقد أن الأراضي السورية ملعب للمواجهة.
ويمكن أن تؤدي حملة العلاقات العامة التي تقوم بها دمشق إلى تغيير كبير في الموقف الغربي تجاهها خاصة في ناحية عدم تهديد المصالح الأميركية أو أمن إسرائيل.
وبالتوازي تقوم دمشق بمعالجة وضع المقاتلين الأجانب بشكل سلس بهدف طمأنة الغرب وإسرائيل من جانب وطمأنة المقاتلين الأجانب من ناحية ثانية، فهي لا تريد أن تتخلص منهم وتدفعهم إلى أن يعودوا إلى نشاطهم القديم أو أن ينفذوا عمليات انتقامية ضدها، وفي نفس الوقت تريد تقييد أنشطتها وتمكينهم من وظائف شرفية في النظام تحفظ قيمتهم وعمليا فهي لا تعطيهم أيّ دور.
ويعد مصير الآلاف من المقاتلين الأجانب والذين تم تعيين بعضهم في مناصب داخل الحكومة الجديدة، أحد أبرز العقبات في طريق رفع العقوبات الغربية. وقد طالبت الدول الغربية بإبعاد هؤلاء، كشرط للحصول على تخفيف إضافي للعقوبات. لكن الشرع بحسب مقابلة أخيرة مع “نيويورك تايمز” يواجه معضلة؛ إذ يجب أن يُرضي هؤلاء المقاتلين كي لا ينقلبوا ضده أو ينفذوا عمليات انتقامية داخل البلاد.
◄ الردود المحترفة، والتي جاءت مكتوبة حتى تكون ملزمة بمختلف تفاصيلها، هدفت إلى الإجابة الدقيقة عن الأسئلة والشكوك التي تساور الأميركيين بشأن طبيعة النظام الجديد
وضمن سياسة الطمأنة، ألمح الرئيس السوري إلى أن حكومته قد تمنح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب الذين عاشوا سنوات طويلة في سوريا و”ثبتوا إلى جانب الثورة.”
وسلّمت الولايات المتحدة سوريا الشهر الماضي قائمة بثمانية شروط تريد من دمشق الوفاء بها، منها تدمير أيّ مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم.
وسوريا في أمسّ الحاجة إلى تخفيف العقوبات حتى يتعافى اقتصادها الذي انهار تحت وطأة حرب امتدت 14 عاما فرضت خلالها الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا عقوبات صارمة في محاولة للضغط على الرئيس السابق بشار الأسد.
وأصدرت الولايات المتحدة في يناير إعفاء لمدة ستة أشهر من بعض العقوبات لتشجيع المساعدات لكن تأثير هذا الإجراء كان محدودا.
وأبلغت مصادر رويترز في مارس بأن واشنطن ستمدد هذا التعليق لمدة عامين إذا جرت تلبية جميع المطالب الأميركية وربما تصدر إعفاء آخر.
◄ ردود دمشق تركزت على إظهار أن السلطات الجديدة ليس لها خطط لمواجهة إسرائيل أو تهديد أمنها سواء بشكل مباشر أو عبر تحريك أياد فلسطينية
وكانت المسؤولة الأميركية الكبيرة ناتاشا فرانشيسكي، نائب مساعد وزير الخارجية المكلفة بالملف السوري، قد سلمت قائمة الشروط لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لقاء جمعهما على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 مارس.
وسعى الشيباني في أول كلمة له أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجمعة إلى إظهار أن سوريا تلبي بالفعل هذه المطالب، بما في ذلك ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية والبحث عن أميركيين مفقودين في سوريا.
وجاءت كلمته متوافقة مع محتوى الرسالة السورية الخاصة إلى الولايات المتحدة.
وفي الوثيقة المكونة من أربع صفحات، تتعهد سوريا بإنشاء مكتب اتصال في وزارة الخارجية مهمته البحث عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، كما تورد بالتفصيل إجراءاتها للتعامل مع مخزونات الأسلحة الكيميائية، ومنها تعزيز روابط الاتصال مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
لكن الرسالة لم تورد الكثير من التفاصيل عن مطالب رئيسية أخرى مثل إبعاد المقاتلين الأجانب ومنح الولايات المتحدة الإذن بشن ضربات لمكافحة الإرهاب.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن تلقت ردا من السلطات السورية على طلب أميركي باتخاذ “تدابير محددة ومفصلة لبناء الثقة“.
وأضاف “نقيّم الآن الرد، وليس لدينا ما نقوله (عن الأمر) في الوقت الحالي.” وأردف قائلا إن الولايات المتحدة “لا تعترف بأيّ كيان بوصفه الحكومة السورية وإن أيّ تطبيع للعلاقات في المستقبل سيحدَّد بناء على الإجراءات التي تتخذها السلطات المؤقتة.”