هذا أفضل وقت لنزع سلاح حزب الله
حربه الأخيرة مع إسرائيل أنهكته وأفقدته جميع قياداته من الصفين الأول والثاني، ما يمنح لبنان فرصة حقيقية لاستعادة سيادتها.
والأسبوع الماضي، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون أن بيروت لن تنزع سلاح حزب الله بالقوة في إطار المساعي لفرض احتكار الدولة للسلاح.
وحينها، قال إن الحوار والمفاوضات ستقنع الحزب بالتخلي عن سلاحه، كما اقترح دمج عناصره في القوات المسلحة اللبنانية.
لكن نهج عون الذي يهدف إلى تجنب مواجهة دامية محتملة، سيكون غير مقبول بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، وسيُقوّض في النهاية التقدم الذي أحرزه لبنان نحو إعادة تأكيد سيادته، وفقا لما ذكره معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وفي تقرير، قال المعهد إن عون في موقف صعب لأن الحكومة اللبنانية وافقت بموجب وقف إطلاق النار في ديسمبر/ كانون الأول 2024 الذي أنهى حرب حزب الله وإسرائيل، على تنفيذ قراري مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1701 و1559، واللذين ينصّان على نزع سلاح جميع المليشيات في البلاد.
وفي الوقت نفسه، وافق حزب الله على نقل معداته العسكرية وأفراده إلى شمال نهر الليطاني، لكنه رفض نزع السلاح في أي مكان آخر.
وبحسب التقرير، فإنه منذ توقيع وقف إطلاق النار، أوفى الجيش اللبناني إلى حد كبير بالتزاماته بمصادرة أسلحة حزب الله وتفكيك بنيته التحتية على طول الحدود مع إسرائيل.
لكن نقص القوات والقلق من عودة الحرب الأهلية الطائفية، أدى إلى تردد بيروت في استهداف ترسانة الحزب شمال الليطاني في حين تواصل إسرائيل استهداف أصوله وعناصره في جميع أنحاء البلاد.
ولتحقيق التوازن وتجنب مواجهة تبدو حتمية مع حزب الله، لجأ عون إلى الأسلوب المفضل في لبنان للتعامل مع المشكلات المزعجة والمستعصية وهو الحوار الوطني، حيث دعا إلى "حوار ثنائي" مع الحزب للتوصل إلى اتفاق بشأن نزع سلاحه.
«عقيمة»
منذ 2005، انخرط حزب الله بشكل دوري مع الحكومة اللبنانية والفصائل السياسية في حوارات تركز على وضع "استراتيجية دفاع وطني"، لكنها أثبتت أنها "عقيمة"، بحسب تعبير معهد واشنطن.
وأرجع المعهد ذلك إلى رفض حزب الله الدائم مناقشة التنازل عن سلاحه وقيامه بقتل منتقديه اللبنانيين الذين تجرأوا على اقتراح تسليم حزب الله لسلاحه.
وبناءً على ذلك، قبلت الحكومات اللبنانية المتعاقبة حتى 2025، في بياناتها الوزارية، بحيازة حزب الله للسلاح، وأقرت بشرعية "المقاومة".
فمثلا شارك حزب الله في 2010 في عدة جولات من المحادثات لكنه حافظ على موقفه، ولم تُحرز المفاوضات أي تقدم، وفي 2012، دعا الرئيس آنذاك ميشال سليمان إلى وضع سلاح حزب الله تحت سلطة الجيش اللبناني، لكن الحزب رفضت ذلك.
وفي 2016، أيد الرئيس آنذاك ميشال عون سلاح حزب الله باعتباره "مكملاً" للجيش اللبناني، وبعد سنوات من الجهود غير المجدية، انهارت المفاوضات في 2018 بعد انتشار عناصر الحزب في سوريا لدعم نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
والآن، أعلن حزب الله استعداده للمشاركة في الحوار الذي قال النائب عن الحزب إيهاب حمادة إنه سيركز على وضع "استراتيجية دفاعية" تُقنع اللبنانيين بقدرة الدولة على الدفاع عن بلادهم ضد إسرائيل.
وقال مسؤولو حزب الله إنهم قد يوافقون على نزع سلاحهم إذا أنهت إسرئيل استهدافها للحزب وانسحبت من لبنان، في إشارة إلى 5 مواقع على قمم التلال لا تزال إسرائيل باقية فيها.
لكن الأمين العام الحالي للحزب نعيم قاسم تبنى موقفا مناقضا، فقال في 19 أبريل/نيسان الجاري، إنه "لن يُسمح لأحد بنزع سلاح المقاومة"، بينما يقول مسؤولو الحزب يقولون إن الحوار لن يُعقد إلا بعد الانتخابات النيابية عام 2026.
تكتيك مماطلة
وفق التقرير نفسه، فإنه مثلما فعل في الحوارات الوطنية الفاشلة السابقة، يتبنى حزب الله مجددا المحادثات كتكتيك للمماطلة، وتدرك الولايات المتحدة وإسرائيل، وعدد من منتقدي الحزب داخل لبنان، أنه بعد تكبده كل هذه الخسائر يسعى الحزب إلى كسب الوقت لإعادة تنظيم صفوفه.
من جانبه، يسعى الرئيس عون إلى تجنب المواجهة المباشرة مع حزب الله، لكنه يتعرض لضغوط خاصة من نائبة المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، والتي تضغط على الرئيس والحكومة اللبنانية للوفاء بالتزاماتهما بما "يشمل نزع سلاح حزب الله وجميع المليشيات".
وكانت دعوة عون للحوار واقتراحه بدمج مقاتلي حزب الله في الجيش اللبناني بادرة حسن نية لإقناع حزب الله بتقديم تنازلات يرفضها، لكن تجنيد عناصر الحزب لن يلقى قبولا لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفور طرح الفكرة، أوضح عون أن دمج حزب الله في الجيش اللبناني لن يُشبه هيكل قوات الحشد الشعبي العراقية، المدعومة من إيران والتي تعمل بشكل منفصل وخارج سيطرة الحكومة العراقية.
وأكد الرئيس اللبناني أنه سيتم تجنيد عناصر الحزب في الجيش كأفراد، ورغم تأكيدات عون فإنه من غير المرجح أن يُساهم هذا الاقتراح في تحقيق هدف نزع السلاح.
متوقعة
كانت مبادرة عون متوقعة، ففي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي قبل شهرين من وقف إطلاق النار و3 أشهر من انتخابه، توقعت ورقة بحثية نشرها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى هذه النتيجة "لتجنب استعداء حزب الله واسترضاء الغرب في الوقت نفسه". لكن الورقة أكدت أن هذا الأمر "سيكون غير مقبول".
ولا تزال الفكرة إشكالية، فالتزام لبنان بنزع سلاح جميع المليشيات وفرض احتكار الدولة للسلاح هو شرط أساسي إذا أراد أن يصبح دولة ذات سيادة وناجحة، بحسب التقرير.
لكن دمج حزب الله في الجيش اللبناني سيحافظ على قدراته الكامنة ويُضعف الجيش، كما أن تأجيل جهود نزع سلاح الجماعة عبر حوار لا ينتهي سيوفر لها استراحة من الضغط الشديد.
والأكيد أن حزب الله سيحاول تأجيل نزع سلاحه أملًا في الحفاظ على ما تبقى من قدراته، وإذا أصرت الحكومة على توسيع نطاق جهودها ضده فقد تحدث اشتباكات عنيفة.
لكن على الرغم من هذه المخاطر، فلن يكون هناك وقت أكثر ملاءمة لنزع سلاح الحزب بموافقته أو بدونها.