عودة بن بريك إلى المكلا: رمزية الحضور في لحظة جنوبية فارقة
في توقيت لافت يحمل أبعادًا سياسية ورمزية، حطّت طائرة اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في مطار الريان الدولي بمدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، قادمًا من دولة الإمارات العربية المتحدة، إيذانًا ببدء زيارة رسمية تتزامن مع اقتراب الذكرى التاسعة لتحرير مدينة المكلا ومديريات الساحل من تنظيم القاعدة في أبريل 2016.
الزيارة التي أتت بعد غيابٍ نسبي لبن بريك عن المشهد الحضرمي الميداني، حظيت باستقبال شعبي ورسمي حاشد، عكس استمرار حضوره السياسي والاجتماعي في وجدان القوى المحلية والقاعدة الشعبية، لا سيما في لحظة تشهد فيها حضرموت حالة من الترقب السياسي بشأن مستقبلها في الخارطة الجنوبية.
دلالات التوقيت: بين استعادة الرمزية وتجديد الحضور
يحمل توقيت الزيارة بُعدًا يتجاوز الطابع الاحتفالي، إذ إنها تأتي في لحظة تستعد فيها حضرموت لإحياء واحدة من أهم محطاتها في مسار الحرب على الإرهاب، وهي معركة تحرير المكلا في 24 أبريل 2016، والتي كان للواء بن بريك دور محوري فيها، بصفته محافظًا لحضرموت آنذاك.
تأكيده في تصريحه المقتضب على حضوره آنذاك إلى جانب اللواء فرج سالمين البحسني واللواء عبدالرحيم عتيق، يندرج ضمن سياق استعادة شرعية الدور وإعادة تثبيت الذاكرة السياسية حول من قادوا عملية التحرير، في مواجهة روايات متداخلة تحاول إعادة توصيف أدوار تلك المرحلة.
الإشارة إلى التضحيات: توحيد الخطاب أم حشد للموقف؟
تصريحات بن بريك ركّزت على التضحيات الجسام التي بذلها أبناء حضرموت في مواجهة الإرهاب، معتبرًا المشاركة في الاحتفال أقل ما يمكن تقديمه لذكرى الشهداء. هذه اللغة التي تحمل في ظاهرها الوفاء، تشير من جهة أخرى إلى سعي القيادة الانتقالية إلى إعادة بناء وحدة الخطاب الجنوبي على قاعدة الانتصارات المشتركة، في وقت تتسع فيه هوة الخلافات بين القوى المحلية، خاصة بين أنصار الانتقالي وبعض الأصوات الحضرمية المستقلة.
فالمجلس الانتقالي بات أكثر حاجة اليوم إلى إعادة تفعيل حضوره في حضرموت، التي تمثل ثقلاً سكانيًا واقتصاديًا واستراتيجيًا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية قادمة، لا سيما مع ازدياد الحديث عن خيارات الفيدرالية والتمثيل الإقليمي المتوازن.
زيارة ما قبل الاستحقاق الرمزي
من المرتقب أن يشارك اللواء أحمد بن بريك في الفعاليات الرسمية والشعبية التي ستنظمها السلطات والمكونات الجنوبية في حضرموت في 24 أبريل، لإحياء الذكرى التاسعة لتحرير مدينة المكلا. وتأتي هذه المشاركة بعد سلسلة من التحركات الميدانية واللقاءات التي سيعقدها مع مختلف مكونات المجتمع الحضرمي، وهو ما يشير إلى أن الزيارة تتعدى الطابع البروتوكولي نحو إعادة التموضع السياسي استعدادًا للمرحلة القادمة.
وفي ظل استمرار التوتر بين بعض القيادات المحلية والانتقالي، فإن زيارة بن بريك تمثل أيضًا محاولة لاحتواء تلك التباينات، وفتح قنوات تواصل مباشر مع القواعد المجتمعية والقيادات التقليدية في الوادي والساحل.
قراءة في موقع بن بريك داخل الانتقالي
يُعد اللواء أحمد بن بريك أحد أبرز الشخصيات المؤسسة في المجلس الانتقالي، كما أنه يشكل امتدادًا تاريخيًا لما يُعرف بـ"الخط الحضرمي" داخل الكيان الجنوبي، وهو خط يسعى لتثبيت خصوصية حضرموت ضمن المشروع الجنوبي دون أن يفقد الارتباط بالهدف الجامع للانتقالي.
وعلى الرغم من تراجع ظهوره الإعلامي خلال الأشهر الماضية بسبب ظروف صحية، فإن عودته في هذا التوقيت تعيد ترتيب بعض أوراق الحضور القيادي داخل المجلس، خصوصًا مع وجود تحولات لوجستية وتنظيمية في بنية الانتقالي، ومحاولاته لإعادة صياغة علاقاته بالمحافظات ذات الثقل النوعي كحضرموت والمهرة.
زيارة بوزن سياسي ورسالة توازن داخلي
بناءً على حيثيات الزيارة ومضامين التصريح، يمكن فهم عودة اللواء أحمد بن بريك إلى المكلا بوصفها تحركًا متعدد الطبقات: فهو في جانب منها وفاء لذكرى تاريخية مفصلية، وفي جانب آخر تحضير سياسي لتجديد الحضور الانتقالي في ساحات حضرموت، التي تُعد حاسمة لأي تسوية قادمة تخص مستقبل الجنوب.
الزيارة تعبّر أيضًا عن محاولة لإعادة وصل ما انقطع بين بعض المكونات الحضرمية والانتقالي الجنوبي، في وقت تبرز فيه تساؤلات محورية حول من يملك شرعية التمثيل والتفاوض باسم حضرموت.
وفي نهاية المطاف، فإن مدى نجاح هذه الزيارة سيتوقف على طبيعة الرسائل التي سيوجهها بن بريك خلال لقاءاته، ومدى قدرته على تقديم خطاب جامع يراعي الخصوصية المحلية من جهة، ويعزز وحدة الصف الجنوبي من جهة أخرى، دون الوقوع في فخ الإقصاء أو المزايدة السياسية.