كيف تعيد إيران صياغة استراتيجيتها تجاه الحوثيين؟
يرى الباحث أفشون أوستوفار، مؤلف كتاب "حروب الطموح: الولايات المتحدة وإيران والصراع على الشرق الأوسط"، أن طهران باتت تواجه ضغطاً غير مسبوق على مختلف الجبهات، إذ أدى انهيار شبكة وكلائها في سوريا، إلى جانب الضربات الإسرائيلية العنيفة على حزب الله وحماس، والحملة القصوى التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى تقويض منظومة الردع الإيرانية بشكل واسع.
هذا الضغط الشامل أجبر إيران بالفعل على البحث عن سبل لتهدئة واشنطن
ضمن هذا السياق، يبدو أن إيران بدأت بمراجعة علاقاتها مع https://24.ae/tags/3640/الحوثيين، خاصة في ظل الضربات الجوية المتواصلة ضد الجماعة في اليمن. ونقلت صحيفة ذا تلغراف البريطانية، استناداً إلى مسؤول إيراني كبير، أن طهران بدأت بسحب قواتها من اليمن.
أفادت تقارير أن إيران أمرت عسكرييها بمغادرة اليمن، وتخطط لسحب دعمها للميليشيات الحوثية، وسط غارات جوية أمريكية مكثفة على الجماعة المتمردة.
وكتب أوستوفار في موقع "أنهيرد" أن هذا الانسحاب الظاهري قد لا يعكس التوجه الاستراتيجي الحقيقي لإيران، بل ربما يكون مجرد إشارة سياسية موجهة للولايات المتحدة، في محاولة لخفض التوتر.
ويؤكد الكاتب أن طهران لن تتخلى عن الحوثيين بسهولة، بل قد تعتمد عليهم أكثر من أي وقت مضى.
قيمة الحوثيين لإيران
منذ تدخلهم في صراع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أثبت الحوثيون أنهم الوكيل الأكثر فاعلية لإيران.
ومن خلال استخدامهم بشكل جريء أسلحة متطورة زودتهم بها إيران، شن الحوثيون حملة ضد الملاحة المدنية في البحر الأحمر، واستهدفوا بانتظام سفناً حربية إسرائيلية وأمريكية بهجمات صاروخية وطائرات من دون طيار.
ولم ينجح الحوثيون في تقييد الملاحة العالمية عبر قناة السويس وحسب، بل فرضوا أيضاً تكاليف باهظة على القوات الأمريكية والإسرائيلية التي اضطرت لمواجهة أسلحة رخيصة نسبياً بأسلحة ومنصات أكثر تكلفة بكثير.
وعلى عكس وكلاء إيران في العراق، والذين لم تكن لديهم قدرة تذكر على تعطيل عمليات الأمريكيين في المنطقة، يشكل الحوثيون مشكلة مستعصية لا تجد حلاً سهلاً لها.
وتتجاوز قيمة الميليشيا الشيعية لإيران بشكل كبير الملايين التي ينفقها المرشد الأعلى علي خامنئي على تسليح الجماعة.
ومع انهيار شبكة وكلاء إيران في بلاد المشرق، لم يعد الحوثيون الشريك الأكثر قدرة لإيران وحسب، بل هم أيضاً الميليشيا الوحيدة المتبقية التي تسيطر على جزء مهم استراتيجياً من العالم. وكي تستمر إيران قوة إقليمية، وتواصل تحدي إسرائيل والقوة الأمريكية، عليها أن تحافظ على موطئ قدم لها في اليمن.
بات واضحاً أن إدارة دونالد ترامب تمتلك خطة عسكرية محددة تستهدف الانتهاء من جماعة "أنصارالله"، أي من جماعة الحوثيين التي حولت شمال اليمن إلى قاعدة عسكرية إيرانية في شبه الجزيرة العربية.
مع ذلك، يعرض الارتباط بالحوثيين النظام الإيراني للخطر. وقد سبق أن هدد ترامب بمحاسبة طهران على العدوان الحوثي، وبأن الولايات المتحدة قد تضرب إيران إذا لم يوافق النظام على اتفاق ينهي برنامجه النووي.
كيف ينبغي قراءة خطوة إيران؟
وأضاف الكاتب أن هذا الضغط الشامل أجبر إيران بالفعل على البحث عن سبل لتهدئة واشنطن. وبالرغم من أنه حافظ على معارضته الشديدة للمحادثات المباشرة في ظل المناخ الحالي، منح المرشد الأعلى الضوء الأخضر للمفاوضات غير المباشرة.
قالت جماعة الحوثي، اليوم الأربعاء، إن قصفاً أمريكياً لخزان مياه في محافظة الحديدة، غرب اليمن، قطع الخدمة عن 50 ألف يمني.
وينبغي النظر إلى الانسحاب المزعوم للمستشارين العسكريين الإيرانيين من اليمن على أنه خطوة أخرى نحو الاسترضاء، فمن خلال تقليل دعمها لوكلائها، تبعد إيران أيضاً عملاء الحرس الثوري الإيراني عن دائرة الاستهداف، مما يقلل من احتمالية التصعيد غير المقصود.
وختم الكاتب أن إيران مع علاقاتها بوكلائها، خصوصاً الحوثيين، من منطلق براغماتي خالص، في وقت تواجه فيه تحديات كبرى على أكثر من صعيد، وما يطرح من انسحابات أو خفض للدعم ليس بالضرورة تغييراً استراتيجياً، بل تعديل تكتيكي لحسابات اللحظة، دون التفريط بالأدوات التي مكّنتها من لعب دور مؤثر في المنطقة.