"الغرفة المجاورة".. استكشاف تأملي مذهل للفناء والصداقة

وكالة أنباء حضرموت

فيلم المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار “الغرفة المجاورة” أول فيلم له باللغة الإنجليزية، فيه الموت بطل القصة، وهو موضوع متكرر سبق وأن تناوله المخرج الإسباني في العديد من قصص أفلامه. عرض الفيلم في مهرجان البندقية السينمائي الأخير، وبعد طول انتظار أنصفه المهرجان حين فاز فيلمه بجائزة الأسد الذهبي.

في فيلم “الغرفة المجاورة” تلتقي صديقتان قديمتان مرة أخرى وكلاهما كاتبتان. تكتشف إنغريد (جوليان مور) أن صديقتها مارثا (الممثلة البريطانية تيلدا سوينتون) التي كانت تعمل صحافية معها في نيويورك في سنوات شبابهما، مريضة جدا، والسرطان يهدد حياتها على المدى القصير. ويصبح القرب من نهاية الحياة سببا لإعادة صداقتهما ويقودهما إلى القيام برحلة لن تكون لها عودة ولكن ستكون مفتاحا لكل منها.

صديقتان أمام الموت
يستخدم الفيلم بعض الاستعارات الموجودة، الألم والمجد، تدهور صحة الجسم، وخيارات الطب التقليدي، قرارات البشر بشأن الموت. يمكن أن تكون نهاية الحياة مرعبة ومؤلمة – كما تتصورها شخصية جوليان مور – أو يمكن أن تكون إعلانا للحرية كما تقول شخصية سوينتون.

يعد فيلم بيدرو ألمودوفار الرائع المقتبس عن رواية “ما تمر به” للكاتبة الأميركية سيغريد نونيز، الصادرة عام 2020، احتفالا بمعجزة الحياة ومواجهة مع الموت. يقدم الثنائي جوليان مور وتيلدا سوينتون جمالا داخليا وخارجيا يرفع قصة الموت إلى عالم غير متوقع، حيث تسود الصداقة والرعاية وتقدير قيمة العطاء في الحياة.

“الغرفة المجاورة” مثل العديد من أفلام ألمودوفار الأخرى، يفتتح بلقاء صدفة، إنغريد، كاتبة ناجحة في نيويورك، تلتقي ستيلا في حفل توقيع روايتها الجديدة زميلة لها منذ سنوات، تخبرها أن مارثا المراسلة الحربية، صديقة الاثنين طريحة الفراش في سرير المستشفى ضحية لسرطان عنق الرحم. تعيش الكاتبة إنغريد دون روابط أسرية، وبهذا المعنى، فهي على استعداد لترك كل شيء لمرافقة صديقتها مارثا في اللحظات الأخيرة من حياتها.

في البداية تبدو إنغريد وكأنها تشعر بالذنب لأنها لم تكن تعلم أن صديقتها مريضة أكثر من شعورها بالحزن لعدم اتصالها بها لسنوات. عندما لا يعطي العلاج التجريبي الذي تخضع له مارثا النتائج المتوقعة، تقرر المرأة التي سئمت بالفعل من الألم والمعاناة شراء حبة من السوق السوداء تساعدها على القتل الرحيم، وتطلب من صديقتها إنغريد مرافقتها، وتخبرها أنها في حاجة إلى شخص ما ليكون موجودا عندما يحين الوقت حتى لو كان في غرفة مجاورة.

سرعان ما يترابط الاثنان وكأن الوقت الذي مر منذ أن التقتا آخر مرة لم يكن موجودا. يملأ وجهاهما الرائعان الشاشة بفرح طفولي (تصوير سينمائي من إدوارد جراو) وكما هو الحال دائما في أفلام المخرج الإسباني ألمودوفار في إظهار الملابس ذات الألوان النابضة بالحياة (تصميم الأزياء من بينا دايجلر) والديكورات الجذابة (من تصميم إنبال وينبرج بإدارة فنية من غابرييل ليست) ترسم مزاجا يبدو وكأنه انطلاقة لحياة أكثر من كونه خاتمة الحياة.

إن المزهرية ذات الزهور الجميلة والمنظر الرائع لأفق مانهاتن من نافذة غرفة المستشفى الرائعة هذه تجعلك تنسى أن الموت حاضر. إنغريد روائية في حين كرست الكاتبة مارثا (رشحت تيلدا سوينتون لجائزة جولدن جلوب لأفضل أداء) جزءا كبيرا من حياتها للعمل كمراسلة حربية، كلاهما في الستينات من العمر وتتمتعان بحياة مريحة، ولكن حالة مارثا، توقفت فيها الحياة بشكل قاتل بسبب تشخيص كارثي.

طلبت مارثا المساعدة في سياق الانتحار المذكور بوضوح في الفيلم، رغم أن “القتل الرحيم” ضد القانون في هذه البلدة الأميركية. لكنه موضوع على الطاولة للنقاش، بما في ذلك العديد من المعايير القانونية والأخلاقية. إذن أصبحت إنغريد هي الشخص الذي يرافق مارثا في لحظاتها الأخيرة، لأن أقرب أصدقائها يرفضون القيام بهذا الدور وحتى ابنتها الوحيدة، تروي مارثا قصتها وتحلل أخطاءها وخيباتها، تتحدث عن ابنتها المنفصلة عنها، وعدم قدرتها على أن تكون أما لابنتها، والتي جعلت الأم تتساءل منذ البداية عما إذا كانت قد تم تبديلها عند الولادة. لقد أنجبتها عندما كانت مراهقة، وتتذكر مدينة نيويورك في الثمانينات، ولم تشعر أبدا أنها كانت الأم، المفترض أن تكون أما على قدر قيمة الأمومة.

يضم الفيلم لمحة سريعة من الماضي ولقاء مارثا الشابة بحبيبها فريد، الأب الغائب الذي سيعود من فيتنام مثل “روح مكسورة”. يرسم المخرج حياة ضائعة في لحظات وجيزة وصارخة ومهمة توضح استياء ابنة من إهمال والدتها لها، كما ترويها والدتها المحتضرة لصديقتها إنغريد. وتثير ذكريات أخرى عن تجارب مارثا المراسلة الحربية في العاصمة العراقية بغداد أثناء حرب العراق، تبادلتا الحديث عن الحرب وصدمتها. وتستمر المحادثة بين المرأتين في حديقة جيفرسون الصغيرة، حيث تتذكران “حبيبهما المشترك” داميان (جون تورتورو).

تكشف مارثا أيضا لقاءاتها طوال حياتها كمراسلة حرب في الميدان. في حين لا نعرف سوى القليل عن الروائية إنغريد التي يضعها السيناريو بالكامل في خدمة صديقتها، لا نعرف عنها سوى الحبيب المشترك للمرأتين، تحافظ إنغريد على اتصالها السري به.

هناك جانب جمالي آخر يجب تسليط الضوء عليه هو الموسيقى التصويرية لألبرتو إغليسياس، المتعاون الدائم مع ألمودوفار، كما هو الحال في الكثير من أفلام المخرج الإسباني، لا تكاد تكون هناك لقطة أو مشهد لا توجد فيه الأصوات الحزينة الجميلة والحنين إلى الملحن الباسكي العظيم في كل مكان.

استكشاف تأملي

الموت أمر لا مفر منه وهو قضاء الله وقدره. لكن البعض يصبح مهووسا به إلى درجة أنهم ينسون العيش، بينما يحاول البعض الآخر التفكير في الأمر بأقل قدر ممكن. لا يهم، سيكون المصير هو نفسه للجميع، سواء كنت أغنى شخص في العالم أو ليس لديك حتى ما يكفي من المال لإطعام نفسك. وبالطبع، لا يعني ذلك أن الموت كان موضوعا غائبا تماما في سينما ألمودوفار، لكن في فيلم “الغرفة المجاورة” يكون الأكثر تميزا به.

في الفيلم، تتجول الكاتبتان في حارة الذكريات، حيث ينجرف فيلم “الغرفة المجاورة” في خياله إلى استرجاع الذكريات، وتشمل المشاهد تأملات المريضة مارثا مع حبها الأول في سبعينات القرن الماضي، وهو محارب قديم في حرب فيتنام سقط بطريقة مأساوية بسبب هلوسة اضطراب ما بعد الصدمة التي قادته إلى مبنى محترق لكن العلاقة أنتجت ابنة. أصبحت مارثا الآن أكثر انفصالا عنها، وبرز دورها في خاتمة الفيلم.

بإصرار لا يلين، اختارت الكاتبة والمراسلة الحربية لصحيفة “نيويورك تايمز” أن تنهي أوجاعها وتدفن هذا الألم، وبالنسبة إليها أرحم من الموت والعلاج الكيميائي. وتفعل ذلك بأناقة وكرامة بواسطة حبة مميتة. ولكن ليس في سويسرا، حيث يعتبر توفير الوسائل اللازمة للموت الرحيم قانونيا، بل في منتجع على ضفاف بحيرة في شمال ولاية نيويورك وصديقتها بجانبها في الغرفة المجاورة. يختم هوس مارثا الذي يقترب من نهايته بروح تغمض عينيها مع تساقط الثلوج.

من بين نجاحات بيدرو ألمودوفار لمساته الجمالية المعتادة، مع تلك الجملة الغنائية الوجودية كخاتمة والتي سيكون لها ارتباط بصري واضح مع مشهد الذروة عند اكتشاف جسد مارثا الميت “الثلج يسقط على الأحياء والأموات”، وهي عبارة ينتهي بها الأمر إلى أن تصبح “الفكرة المهيمنة” عل الفيلم.

من الواضح أن ألمودوفار، الذي يبلغ من العمر الآن 74 عاما كان يفكر كثيرا في الموت. لا يعد فيلمه “الغرفة المجاورة” عملا فلسفيا ثقيلا، ولكنه يتطور إلى تأمل لطيف وصادق في الشيخوخة والموت وما إذا كان من المناسب العثور على الفرح في أكثر الظروف يأسا أم لا. فيلم “الغرفة المجاورة” هو استكشاف تأملي ومذهل بصريا للفناء والصداقة وتقرير المصير.

لقد نقل المخرج الإسباني الأسطوري أسلوبه المميز إلى الولايات المتحدة من أجل هذا “التأمل الصادق واللطيف في الشيخوخة والموت والذي يتميز بأداءين رائعين. لقد وجدت مارثا حبة القتل الرحيم على شبكة الإنترنت المظلمة، لكنها لا تريد أن تكون بمفردها عندما تتناولها، بل تريد أن تكون صديقتها الكاتبة إنغريد في الغرفة المجاورة. هناك الموت، الذي ترمز إليه مارثا التي تعاني من مرض عضال، والحياة التي تجسدها إنغريد التي تحاول التوثيق باهتمام شديد عذاب صديقتها المقربة (مارتا) ضمن أحداث لروايتها القادمة. الصديقتان انطلقتا في رحلة إلى الريف لاستئجار ملاذ لطيف يصلح للأيام الأخيرة في حياة على شفا الزوال، وما إن تصلا إلى هناك تكتشف المريضة أنها نسيت الحبة القاتلة، فتسلكان طريق العودة، وتصطدمان بحكايات عن الآخرين المهمومة بالمال والأطفال والعشاق والأزواج والسكن، التي بقدر ما تثير الحزن تفجر الضحك.

تتجول الكاتبتان في حارة الذكريات حيث ينجرف الفيلم في خياله إلى استرجاع الماضي وبناء رؤى أخرى

تصبح الصداقة علاجا للشفقة وللروح. ينتهي الأمر بالمرأتين بإبرام اتفاق، إذا وجدت باب غرفتها موصدا عليها أن تفهم أنها أغمضت عينيها وفارقت الحياة.

“الغرفة المجاورة” فيلم بيدرو ألمودوفار الثالث والعشرين، يتعامل مع موضوع مثير للجدل إلى حد ما، موضوع الانتحار ولتمييزه يطلق عليه القتل الرحيم، تعيش إنغريد في مانهاتن وتكسب لقمة العيش من خلال نشر رواياتها، إنها خائفة جدا من الموت لدرجة أنها كتبت للتو كتابا حول “الموت المفاجئ”. من الناحية الموضوعية، يعد الفيلم تأكيدا على جمال الحياة سريعة الزوال ونقدا للمحرمات المجتمعية المحيطة بالموت والاستقلالية، ولم يطرحه على أساس نقاش أخلاقي ولكن كفعل شخصي عميق. يستكشف ألمودوفار بحساسية وعمق المعضلة الأخلاقية المحيطة بكل فرد في اختيار نهاية حياته. يغمر المخرج المشاهد في جو حميمي ومؤثر، ويتساءل عن حدود الحرية الفردية في مواجهة معاناة لا تطاق.

بالإضافة إلى الجانب السردي، تبرز حكاية “الغرفة المجاورة” لنطاقها الفلسفي، حيث تدعو الجمهور للتفكير في الموضوعات المحظورة ولكن الحاسمة في عصرنا. يجمع ألمودوفار لسرد حكاية فيلمه بين ممثلتين من نفس الجيل، تيلدا سوينتون (التي تعاونت معه بالفعل في أول تجربة له في اللغة الإنجليزية في اقتباس جان كوكتو في فيلم “الصوت البشري”)، تلعب دور مارثا مراسلة حربية في المرحلة النهائية من حياتها، وجوليان مور تلعب دور الكاتبة إنغريد، التي تخاف من الموت والتي تعيد اكتشاف صداقتها مع مارثا.

يعمل هذا الترادف بشكل مثالي، حيث يعطي الحياة لقصة مشوبة بالكآبة والفروق الدقيقة الأخلاقية والعاطفية التي تحيط برغبتها في نهاية حياتها بشكل كريم. تبرز هذه التفاصيل رؤية ألمودوفار الفريدة وأسلوبه المميز بجمالية مع وجود ألوان زاهية مثل الأحمر والأخضر والأرجواني في الفساتين والأثاث والمناظر الطبيعية، يضفي الفروق الدقيقة على البيئة بسلام بصري يتناقض مع جدية الموضوع. يبدو أن الاتجاه الفني المليء بهذه النغمات النابضة بالحياة يشير إلى أنه حتى الموت يمكن أن يكون له بعض الجمال والكرامة والابتعاد عن أيّ رؤية قاتمة.

الفيلم يعطي الحياة لقصة مشوبة بالكآبة

يجد ألمودوفار أيضا التوازن المثالي بين الدراما والكوميديا والإنسانية، معتمدا على الإخراج وعمل الكاميرا اللذين يعملان في وئام لالتقاط كل إيماءة وكل كلمة متبادلة بين مارثا وإنغريد. تدعوك حركات الكاميرا البطيئة والتأطير المغلق إلى الانغماس في كل لحظة، والحفاظ على توتر هادئ وتأملي تقريبا طوال الفيلم.

الجمع بين كل هذه العناصر (اللوحة اللونية واللغة المرئية والتواطؤ في الحوارات) يجعل “الغرفة المجاورة” عملا مؤثر بصريا. أراد المخرج الاحتواء لإضفاء الطابع الإنساني على الموت الكريم، إن التقاط هذه الدقة بمثل هذه الرقة واللباقة هو شيء يعتبر ألمودوفار خبيرا مطلقا فيه. لقد صنع ألمودوفار فيلما عن الموت، ولكن هناك فيه الكثير من الحب للحياة. ومن المستحيل التغاضي عن الموسيقى التصويرية البارعة والجذابة التي ألفها ألبرتو إغليسياس.

يتجه السرد في “الغرفة المجاورة” بشكل حاسم نحو هاوية وجودية، ويذكرنا الفيلم بكلمات كامو “المعنى الحرفي للحياة هو كل ما تفعله لتجنب قتل نفسك”. والمشروع جريء للغاية لدرجة أنه ليس من المستغرب أن يواجه ألمودوفار بعض النكسات على طول الطريق.

في بداية الفيلم، تظهر ذكريات الماضي إلى ماضي شخصية مارثا مثل الأغصان التي تطمس جذع القصة، والتي تتجذر شيئا فشيئا في العلاقة التي أقيمت بين مارثا وصديقتها إنغريد، لأنهما ربما تشتركان في الحياة الواقعية في الموضوعات التي تطورانها في حواراتهما وتبادلاتهما المكثفة، ولكن مثل هذه القضايا لا تتعلق بالموت مباشرة، بل بالمشاكل الشخصية والاجتماعية وحتى السياسية التي يتركها الإنسان خلفه عندما يغادر الحياة، على أي حال، فإن ماضي مارثا بصفتها مراسلة حربية يسمح لألمودوفار بنسج مجموعة من المعارك غير المرئية بخيط غير مرئي تقريبا، تلك التي تؤثر على الأمم وتحمل اسم الحروب (فيتنام والعراق)، وتلك التي تحدث داخل العائلات وتولد الصدمات، وتلك التي لا يمكن لأحد تجنبها والتي تكون وجهتها الموت، يبدو أن المخرج ألمودوفار مهووس بالطبيعة الدورية الحتمية للموت.

الموت لا يوجع الموتى

في واحدة من أكثر المقاطع إثارة للصدمة في رواية “ما تمر به”، يشرح سيناريو الكاتبة الروائية إنغريد في الفيلم، كيف أن القرب من الموت يوقظ فيها “وعيا حادا بكل شيء، الضوء القادم من النافذة، ورائحة وطعم القهوة، طعم الذكريات والماضي الذي يطاردها. تظهر هذه الحساسية الشديدة، التي تكاد تكون حقيقة معززة، في الامتداد الأخير المثير لفيلم ‘الغرفة المجاورة‘، عندما يتم شحذ عاطفة مصطنعة في سينما المخرج ألمودوفار لرفع غناء الطيور، وجعل أسطح الأشياء ملموسة وتسامي القيمة العاطفية لقبلة على الخد”.

في ظل هذا التوهج الحسي أيضا، الخلاص الوحيد الممكن “أن نتعلم كيف نطلب المغفرة وكيف نصلح بقدر ضئيل الضرر المدمر الذي ألحقناه بعائلتنا البشرية والمخلوقات الأخرى والأرض الجميلة. أن نحب ونسامح بعضنا البعض بأفضل ما نستطيع. ونتعلم أن نقول وداعا.”

يتحدث ألمودوفار عن فكرته قائلا “إذا كان هناك شيء نهائي، فهو الموت ومتعة الحواس، وهو عكس الموت على المستوى السردي، بما في ذلك الموت الذي ينشط القصة بأكملها، ويجعل الشخصيات تتفاعل لأنه شيء متطرف.”

ولا ينسى المخرج الإسباني الإشارة إلى قسوة الحروب اللامحدودة، والطرق المختلفة جدا التي تتعامل بها الكاتبتان، وكيف تكتبان عن الواقع، ويتحدث عن المحبة والصداقة كأفضل حلفاء لمحاربة الخوف والرعب. ويتحدث أيضا عن الاستيقاظ الجميل مع زقزقة الطيور، في منزل تم بناؤه وسط محمية طبيعية في نيو إنكلاند.

طوال الفيلم، يقدم ألمودوفار انعكاسا للوحدة والرغبة، بإحساسه المعتاد بالملاحظة العميقة لسيكولوجية الشخصيات. على الرغم من أن الحبكة بسيطة وتدور في مساحة محدودة، إلا أن ثراء الحوارات والتعامل مع مشاعر الشخصيات يسمح للقصة بالبقاء مكثفة ومؤثرة عاطفيا. يكتسب المنزل الذي تدور فيه معظم الحبكة ازدواجية ملحوظة وملجأ يوفر الخصوصية، ولكنه أيضا مساحة تزيد من عزلة الشخصيات.

يصبح هذا الهيكل المليء بالتفاصيل والرمزية المرئية، امتدادا للعواطف والصراعات الداخلية للشخصيات. النوافذ الكبيرة، التي تشكل في البداية دعوة إلى الحرية، ينتهي بها الأمر إلى إحاطة المشاعر المكبوتة والقلق غير المعبر عنه. تساهم الألوان النابضة بالحياة، التي تميز أسلوب المخرج، في خلق “بنية عاطفية” تعزز طبقات الضعف والألم لدى الأبطال، وبناء مساحة بصرية يتكشف فيها السرد دون كلمات، مما يسمح باستكشاف سيكولوجية الشخصيات.

في الختام “الغرفة المجاورة ” تمرين مثير للاهتمام في التفكير في موتنا، ولكن دائما بعدسة الحب والتعاطف، والابتعاد عن منظور عاطفي مفرط. من المدهش كيف يمكن للفيلم أن يكون مريحا، حتى مع الصراع الذي يطرحه. إنه إنجاز عظيم لألمودوفار في التمكن من التعامل مع هذا الموضوع بمنظور فريد وخاص. هذا ليس فيلما يمكن للمرء أن يتصالح معه بسهولة بالغة. ربما كان هذا هو الغرض.

يبدو أن ألمودوفار على استعداد لتأليف نسخته الخاصة من مرثية لبطلته، ولا يبدو أنه يجد طريقة أفضل لوضعها على الشاشة. وهو نوع من الأفلام المناهضة للكراهية وتدافع عن الحب غير المشروط في عالم تحدده الكراهية، والحق في الموت في مجتمع السيطرة الجسدية وقمع الرغبات. إذا لم تكن السينما بمثابة عزاء في هذه الأوقات، فماذا سيتبقى لنا.