احتجاجات الداخل وتنديد الخارج لا يردعان نتنياهو: الضربات في غزة مجرد بداية
لا يبدو أن لردود الفعل الغاضبة في الداخل الإسرائيلي والتنديدات في الخارج أي تأثير على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الماضي قدما في قرار استئناف الحرب على قطاع غزة، والتي قال “إنها مجرد بداية” مستندا في ذلك على ضوء أخضر أميركي.
وتندرج إعادة تعيين إيتمار بن غفير وزيرا للأمن الوطني، وعضو الكنيست عميحاي إلياهو وزيرا للتراث، وعضو الكنيست إسحاق فاسيرولاف وزيرا للنقب والجليل، في سياق تعزيز وضع حكومة نتنياهو في مواجهة الضغوط الداخلية الرافضة لاستئناف الحرب.
وكان الوزراء الثلاثة استقالوا عشية تصديق الحكومة على اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بغزة وتبادل الأسرى مع حركة حماس بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة في يناير الماضي.
ويرى مراقبون أن نتنياهو يريد بالواضح فرض واقع جديد في قطاع غزة، وسط مخاوف متزايدة من المدى الذي ستتخذه العملية العسكرية الجارية في القطاع.
ويلفت المراقبون إلى أن نتنياهو كان منذ البداية لا يريد السير في المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والذي يشمل بحث إنهاء الوجود الإسرائيلي في قطاع غزة.
ويشير المراقبون إلى أن عودة العمليات العسكرية في القطاع، ما كانت لتجري لولا دعم أميركي، سبق وأن أظهره الرئيس دونالد ترامب في تصريحاته، لافتين إلى أن نتنياهو يريد استغلال الوضعين الدولي والإقليمي لاسيما بعد تفكيك جبهة إسناد غزة التي تقودها إيران، من أجل تنفيذ مشروعه في القطاع.
وأكد مسؤول في حماس الأربعاء أن الحركة لم تغلق باب التفاوض رغم الغارات العنيفة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة منذ الثلاثاء، مطالبا الوسطاء بإلزام الدولة العبرية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال المستشار الإعلامي لرئيس المكتب السياسي للحركة الفلسطينية طاهر النونو إن “حماس لم تغلق باب التفاوض ولا حاجة إلى اتفاقات جديدة في ظل وجود اتفاق موقع من كل الأطراف.”
وأضاف “لا شروط لدينا ولكننا نطالب بإلزام الاحتلال وقف العدوان وحرب الإبادة فورا، وبدء مفاوضات المرحلة الثانية وهذا جزء من الاتفاق الموقع،” في موقف يعكس إصرار حماس على موقفها لجهة الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، وهو ما يحاول التملص منه نتنياهو.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي صرح مساء الثلاثاء أنه أمر بشن الضربات لأن حماس رفضت مقترحات لتمديد المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.
وقال نتنياهو، متحدثا من قاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب “ستتحرك إسرائيل، من الآن فصاعدا، لمواجهة حماس بقوة عسكرية متزايدة. واعتبارا من الآن، لن تُجرى مفاوضات إلا تحت النيران.”
وأضاف “شعرت حماس بضربة من ذراعنا في الأربع والعشرين ساعة الماضية. وأود أن أؤكد لكم أن هذه مجرد البداية.”
من جهته قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، إن إسرائيل سوف تبدأ في حث الفلسطينيين على مغادرة مناطق القتال في غزة قريبا، محذرا من أن إسرائيل بصدد الإعداد لتصعيد هجومها الجديد.
وأضاف كاتس في بيان، أنه في حال لم يتم إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة، فإن “إسرائيل سوف تتصرف بقوة لم تشهدوها من قبل.”
وأدى موقف نتنياهو باستئناف الحرب وقصف القطاع الفلسطيني رغم وجود 59 رهينة، يعتقد أن نحو 24 منهم لا يزالون على قيد الحياة، إلى تأجيج غضب المعارضين لسياسات نتنياهو في الداخل الذين يتهمون الحكومة بمواصلة الحرب لأسباب سياسية.
وعاد تحالف من عائلات الرهائن والمحتجين على تحركات رئيس الوزراء الإسرائيلي ضد السلطة القضائية وأعضاء من المؤسسة الأمنية للتحرك مجددا.
وتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين مساء الثلاثاء كما خرجت المزيد من الاحتجاجات الأربعاء بعد أن أعلن نتنياهو مطلع هذا الأسبوع إنه فقد الثقة في رونين بار رئيس جهاز الأمن الداخلي (شين بيت) وقرر إقالته.
وقال كورين عوفر وهو متظاهر في القدس “هذه لم تعد حربا من أجل شيء مهم، بل إنها تتعلق ببقاء هذه الحكومة وبقاء بنيامين نتنياهو.”
وتنوعت مجموعات المحتجين إذ ينتمي بعضهم إلى منتدى الدرع الواقي، وهي مجموعة تمثل مسؤولي الدفاع والأمن السابقين، والحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل، وهي مجموعة مناهضة للفساد نشطت في معركة مريرة في 2023 حول الحد من سلطات المحكمة العليا، إضافة إلى عائلات رهائن محتجزين في قطاع غزة.
ويشبه الحراك الحالي الاحتجاجات الضخمة التي خرجت في 2023، قبل هجمات حماس في السابع من أكتوبر، عندما حاول نتنياهو إقالة وزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت بسبب معارضته لتعديلات قضائية سعى إليها رئيس الوزراء.
ويعكس هذا اعتقادا بين منتقدي نتنياهو، الذي تولى الحكومة لست مرات، بأنه يمثل خطرا على الديمقراطية الإسرائيلية.
وكتب يائير لابيد رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب (يش عتيد) أو “هناك مستقبل” المعارض المنتمي لتيار الوسط على منصة إكس “هذه الحكومة لا تتوقف عند الإشارات الحمراء… كفى! أناشدكم جميعا، هذه لحظتنا، هذا مستقبلنا. انزلوا إلى الشوارع.”
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسر الانتخابات لو أجريت الآن بسبب استمرار الغضب الشعبي من إخفاقات سمحت لحماس بمهاجمة تجمعات سكنية في جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 في أسوأ كارثة أمنية تشهدها إسرائيل.
ويرى منتقدون لنتنياهو أن قراره إقالة رئيس شين بيت هو ضربة لمؤسسة رئيسية وجاء لأسباب سياسية مرتبطة بمشاركة هذا الجهاز في التحقيقات في مزاعم الفساد بحق مساعدين ومستشارين في مكتب نتنياهو.
ووصف نتنياهو هذه الاتهامات بأنها هجوم سياسي عليه. وقال إن قرار إقالة بار سببه أنه فقد ثقته برئيس جهاز الأمن منذ وقت طويل.
المعاملة الوحشية تجاه الفلسطينيين تنتهك القيم الأخلاقية اليهودية وتهدد بقاء إسرائيل
وقال بيني غانتس، رئيس أكبر حزب معارض من تيار الوسط، إن قرار إقالة بار يمثل “انتهاكا مباشرا لأمن الدولة وتفكيكا للوحدة السياسية في إسرائيل لأسباب سياسية وشخصية.”
ويواجه نتنياهو محاكمة منذ فترة طويلة بتهم فساد ينفي ارتكابها. ويتهمه باستمرار منتقدوه وخصومه السياسيون باستغلال الوضع الأمني ذريعة للهرب من مشكلاته القانونية.
وأدى القصف الإسرائيلي الذي تجدد على قطاع غزة إلى مقتل المئات من الفلسطينيين وأثار تنديدا من دول عربية وأوروبا والأمم المتحدة.
وتشير استطلاعات الرأي في إسرائيل إلى أن أغلبية تريد إنهاء الحرب واستعادة الرهائن.
ولكن مع عودة بن غفير، لا توجد مؤشرات تذكر على وجود أي تهديد مباشر لحكومة نتنياهو من الاحتجاجات التي لا يرجح أن تعادل حجم تلك التي خرجت وأجبرته على التراجع عن قراره بإقالة غالانت في 2023.
وعلى الرغم من تأخره في استطلاعات الرأي، إلا أن مكانته تعززت تدريجيا مع استمرار الحرب. ويبدو أنه يحظى في الوقت الحالي على الأقل بدعم إدارة ترامب التي تشاور معها قبل شن الضربات.
وأيدت بعض عائلات الرهائن العودة إلى الحرب. وأعلنت جماعة تيفكا المتشددة الثلاثاء أن السبيل الوحيد لإعادة جميع الرهائن هو فرض حصار شامل على قطاع غزة بقطع الكهرباء والماء واحتلال الأراضي الفلسطينية لإسقاط حماس.
لكن بالنسبة لأسر رهائن آخرين وأنصارهم، زاد استئناف القتال من مخاوفهم بشأن المستقبل.
وقالت إفتاش بريل (45 عاما) من تل أبيب وهي من بين المحتجين “لا فكرة لدي ماذا سيحدث للرهائن المتبقين إذا استمر القتال في الأسابيع المقبلة… إنها كارثة حقيقية بالنسبة لنا.”