أهواء الأحلام الصباحية في عالم ترامب والنفط

وكالة أنباء حضرموت

 يرى محللون أنه ليس من المفاجئ أن نجد المستثمرين والمنقبين على الموارد حذرين بشأن الطموحات السياسية المرتبطة بسوق الهيدروكربونات في الولايات المتحدة وكندا وسط إشارات متضاربة من الإدارة الأميركية. لكن هذا قد يوفر راحة طفيفة لأوبك.

وفي رواية لويس كارول “عبر المرآة”، قالت الملكة البيضاء “لماذا في بعض الأوقات أصدّق ما يصل إلى ستة أشياء مستحيلة قبل وجبة الإفطار!”، مما يوحي بأنها تقبل بانتظام الأفكار التي تتحدى المنطق.

وقد تترك نظرة خاطفة على ما يشير إليه دونالد ترامب بـ”وسائل الإعلام السخيفة” لدى المرء انطباعا بأن الرئيس الأميركي يعاني مما يمكن أن نطلق عليه (مع الاعتذار للويس كارول) “متلازمة الملكة البيضاء” حيث يتجلى ميله إلى الإيمان بما يبدو مستحيلا بشكل خاص في عالم أسواق الطاقة.

ووجّه ترامب في الثالث والعشرين من يناير طلبا إلى أوبك+ بزيادة إنتاج النفط لخفض أسعار البرميل. لكن الطلبات لا تفعل الكثير لحل المعضلة الوشيكة التي يواجهها الكارتل مع اقتراب موعد إلغاء التخفيضات الطوعية المقرر في الأول من أبريل.

باعتبار مأزق أوبك+ وتأكيد ولي العهد السعودي على أهمية علاقته مع ترامب، لا يجب استبعاد احتمال اختيار السعودية "إغراق المنطقة" بزيادة إنتاجها النفطي بشكل كبير

وسبق أن قررت أوبك تبني هذه التخفيضات في البداية لتحديد الحد الأدنى لخام برنت عند 80 دولارا، وهو الهدف الذي لم تحققه إلا لفترة وجيزة مرتين خلال الأشهر الستة الماضية، حتى بعد تأجيل خطط زيادة الإنتاج مرة أخرى.

ويرى المحلل السياسي أليستر نيوتن، الذي أمضى عشرين عاما كدبلوماسي محترف في السلك الدبلوماسي البريطاني، في تحليل نشرته مؤسسة عرب دايجست الاستشارية، أنه باعتبار مأزق أوبك+ وتأكيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أهمية علاقته مع ترامب، لا يجب استبعاد احتمال اختيار المملكة العربية السعودية “إغراق المنطقة” بزيادة إنتاجها النفطي بشكل كبير.

وحاولت الرياض اعتماد هذه الإستراتيجية قبل عقد لخنق ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة، وفشلت وخلقت توترات داخلية كبيرة داخل أوبك. ونظرا إلى القيود المالية الحالية التي تواجهها المملكة، يبدو تكرار مثل هذا النهج غير محتمل.

ومن المفارقات أنه إذا امتثلت أوبك+ لمطالب ترامب، فسيقوض ذلك هدفا طموحا آخر، أي هدف وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت المتمثل في زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط والغاز بما يكافئ 3 ملايين برميل في اليوم بحلول 2028.

وليس هذا مستحيلا، خاصة في ضوء إمكانية توسيع صادرات الغاز الطبيعي المسال. ويُذكر هنا مثال صفقة ترامب الأخيرة (وإن كانت غير محددة) مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والتزام الاتحاد الأوروبي المبدئي بشراء المزيد من الغاز الأميركي لتجنب التعريفات التجارية.

ولكن بيسنت نفسه يعترف بأن الهدف الأساسي يكمن في خفض أسعار الطاقة. وكان تعهد ترامب قبل الانتخابات بخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى النصف أمرا بعيد المنال ويبدو تحقيق هذا الهدف اليوم أكثر صعوبة.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها إدارة ترامب للحد من العقبات التنظيمية، فإن وول ستريت والمنقبون لا يزالون مترددين في زيادة إنتاج النفط بشكل كبير.

وكشفت دراسة حديثة أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي أن خام غرب تكساس الوسيط الأميركي يجب أن يحافظ على حد أدنى لسعر البرميل يبلغ 84 دولارا لتحفيز الاستثمارات الكبرى.

ويحوم خام غرب تكساس الوسيط حول 72 دولارا للبرميل، ومن المتوقع على نطاق واسع أن ينخفض إلى ما دون 65 دولارا بحلول نهاية العام.

وقال الصحافي كين سيلفرشتاين في مقال نشرته مجلة فوربس في السادس عشر من فبراير إن سعي ترامب للحد من الإنفاق على مصادر الطاقة المتجددة بموجب قانون خفض التضخم قد يدفع أسعار النفط والغاز إلى الارتفاع على المدى المتوسط.

ويرجع هذا إلى أسباب تشمل الارتفاع المتوقع في الطلب على الكهرباء نتيجة لمبادرات مثل الأمر التنفيذي الصادر في الحادي عشر من فبراير بشأن “الذكاء الاصطناعي للشعب الأميركي” (تخلق التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي متطلبات إضافية على الكهرباء).

ولا يزال احتمال تعليق التعريفات الجمركية الأميركية الشاملة على الواردات من كندا والمكسيك قائما.

ويتواصل استيراد ما يصل إلى 40 في المئة من النفط الخام المكرر في الولايات المتحدة، ويأتي ما يقرب من 70 في المئة من كندا (4 ملايين برميل يوميا) والمكسيك (ما يزيد قليلا عن 0.5 مليون برميل يوميا).

ومن شأن فرض تعريفة أن يؤثر بشدة على مصافي التكرير التي تعتمد على الخام الثقيل من هذين البلدين، حتى وإن لم تتجاوز نسبة 10 في المئة. وهو مورد لا تستطيع الولايات المتحدة استبداله محليا.

احتمال تعليق التعريفات الجمركية الأميركية الشاملة على الواردات من كندا والمكسيك لا يزال قائما

وحدد مقال نشرته الرابطة الأميركية لمصنعي الوقود والبتروكيماويات في الرابع والعشرين من يناير أن إعادة تأهيل مصافي التكرير الأميركية لمعالجة النفط الخام الخفيف ستتطلب استثمارات بالمليارات وتستغرق سنوات.

وتبدو كندا (التي تمتلك ثالث أكبر احتياطيات نفطية في العالم) ظاهريا في وضع جيد حتى إذا اندلعت حرب تجارية محتملة مع الولايات المتحدة. لكن تكاملها الاقتصادي العميق مع جارتها يعني افتقرها إلى البنية التحتية اللازمة لإعادة توجيه صادرات النفط إلى سواحلها الشرقية أو الغربية لشحنها إلى أسواق بديلة.

وقال توم ويلسون من صحيفة فاينانشال تايمز في نشرة “إنرجيسورس” الإخبارية “تجري الآن إعادة النظر في خطوط الأنابيب المهجورة في السابق، مثل خط إنرجي إيست، الذي كان من شأنه أن ينقل النفط لمسافة 4600 كيلومتر من مقاطعة ألبرتا إلى ساحل المحيط الأطلسي في كندا، ومشروع البوابة الشمالية (نورثرنغيتواي) لتصدير النفط الثقيل إلى ساحل المحيط الهادئ، سعيا للعثور على شركاء تجاريين جدد أبعد.”

وتشهد المنطقة إصرار ترامب الإمبريالي الجديد على تحويل كندا إلى “الولاية رقم 51” في الولايات المتحدة، الذي أجج المشاعر القومية الكندية (وربما إلى مستويات غير مسبوقة منذ حرب 1812). لكن هذه التطلعات تظل مجرد حلم بعيد المنال.

وكتب ويلسون أن بناء خطوط الأنابيب يبقى مسعى معقدا، فهو مكلف، ويتطلب جهدا لوجستيا هائلا، وقدرا كبيرا من الوقت والجهد ورأس المال السياسي لبناء الإجماع مع الأمم الأولى، والمجتمعات المحلية، والجماعات البيئية. أضف إلى ذلك العمليات التنظيمية، والتحديات القانونية، والمفاوضات بين المقاطعات.

ويمكن أن تعتبر حالة عدم اليقين السياسي التي أعقبت استقالة رئيس الوزراء جاستن ترودو ثانوية. لكن الانتخابات العامة المقبلة بعد تولي خليفته منصبه قد تؤدي إلى اضطرار الحكومة المشكّلة إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن سياسة الطاقة وسط شكوك وول ستريت بشأن عودة ظهور الوقود الأحفوري والحذر المنتشر بين شركات خطوط الأنابيب.

ولا يخفف شيء من هذا من التحديات المباشرة التي تواجهها أوبك. لكنه يشير إلى أن دونالد ترامب ليس أكثر قدرة على تحدي قوى السوق من الكارتل. وقد يمنح هذا القيد المشترك أوبك شعورا بسيطا بالراحة.