خالد يوسف: لا أشاهد أفلامي على الشاشة بعد عرضها إطلاقا
المخرج المصري خالد يوسف يمتلك أفقاً واسعاً ونظرة فنية فاحصة، بدأ مشواره الفني ممثلاً في فيلم روائي قصير إلا أنه لم يلبث طويلاً حتى ولج مجال الإخراج السينمائي من أوسع أبوابه، ليعمل مساعد مخرج ومخرجاً منفذاً للكثير من الأعمال السينمائية برفقة المخرج الكبير الراحل يوسف شاهين، الذي نهل من ثقافته السينمائية كثيرا، ليصل إلى مرحلة النضج الفني السينمائي ويكون مخرجا مهما واسما صعبا بين سائر المخرجين العرب.
تمتاز أفلام يوسف بالجرأة والطرح العميق للكثير من المواضيع الاجتماعية والسياسية في المنطقة العربية، لذلك تطارده الشائعات والأقاويل ليدخل في خانة المخرج “المثير للجدل” بين الأوساط الفنية، وهو مشاهد نهم للأعمال السينمائية العربية والعالمية، تشغله كثيراً نهايات الأفلام في العملية الإخراجية كونه يعتقد أن النهايات هي من تثبت فكرة الفيلم بعد المشاهدة.
حول زيارته الأخيرة إلى بغداد يقول يوسف “أنا زرت العراق مرتين، المرة الأولى كانت أثناء الحصار، ولم يكن العراق في حالة جيدة حيث يسوده الفقر والدمار من آثار الحروب، زيارتي الثانية هذه كانت مختلفة عما شاهدته وما تبقى من ذاكرتي عن أحوال العراق، العراق اليوم متعاف ويمر بمرحلة مهمة من النهوض والإعمار والتطور، يمثل العراق مكانة خاصة في قلب كل عربي وهذا كلام ليس للاستهلاك الإعلامي بل حقيقة.”
ويلفت إلى أن المكان الذي جذبه في بغداد هو شارع المتنبي، لأن “له خصوصية ثقافية كبيرة المسمى على اسم شاعر مهم في تاريخنا العربي،” مشيرا إلى أنه ذهب إلى المتنبي وتجول فيه وبين أروقته والتقط الصور مع تمثال الشاعر المتنبي.
◙ علينا الآن التطرق إلى موضوعات النقد المجتمعي في السينما والدراما فهناك سلبيات كثيرة في المجتمع يجب تناولها فنيا
نسأل المخرج هل تحمل أجندة أعماله ولادة فيلم سينمائي عراقي – عربي مشترك؟ ليجيبنا “أول فيلم في مسيرتي السينمائية قمت بإخراجه كان يتحدث عن العراق بعنوان ‘العاصفة’ عام 1999، الفيلم يتحدث عن احتلال العراق للكويت وما حصل من مآسٍ وخراب وجرح للأمة العربية.”
ويضيف “الفيلم جاء بعد أن أخذت بنصيحة المخرج الراحل يوسف شاهين، عندما قال لي: أنت الآن جاهز لتخرج فيلما، فقلت: عن أي فكرة أعمل الفيلم؟ قال: ابحث عن شيء يجرحك ويتعبك واعمل على أساسه الفيلم. فعلاً أخذت بنصيحة شاهين وكان أكثر شيء يؤلمني آنذاك هو موضوع دخول العراق إلى الكويت وما مرت به المنطقة العربية من صراعات، لذلك ولد فيلم ‘العاصفة’ من إخراجي وتأليفي وحصل على جوائز عديدة، أما الآن فليس لدي عمل عراقي، لكن أتمنى أن أنجز فيلما عراقيا – عربيا مشتركا إذا توفرت كل المتطلبات الفنية اللازمة لذلك.”
وصفت أغلب أفلام خالد يوسف بـ”الجريئة”، ويعلق على ذلك قائلا “نعم أفلامي جريئة ولكن ليست بالمطلق، بعضهم يعد المشاهد العاطفية في أفلامي جرأة، وهذا غير صحيح كون مفهوم الجرأة لدي هو أن تقتحم إشكاليات مسكوتا عنها في المجتمع أو في مجال السياسة، لذلك الجرأة ليست بالمشهد بل بالقضية التي أقدمها في الفيلم وأضعها على الطاولة أمام الجمهور.”
وعن الفيلم الذي يعده هويته السينمائية يقول “فيلم ‘حين ميسرة’ من أكثر الأفلام التي ارتبطت بها عاطفيا، كونه يتحدث عن قضية تهمني من قبل أن أدخل مجال الفن، وهي حقوق البسطاء من عامة الناس في عالمنا العربي.”
وعقب سؤال المخرج المصري عن الفنان العربي الأمهر الذي يجيد جميع الأدوار بحرفية كبيرة في رأيه قال “أغلب الفنانين الماهرين الذين يجيدون جميع الأدوار للأسف توفوا، كأحمد زكي ومحمود المليجي وسعاد حسني ونجيب الريحاني، هؤلاء الأمهر والأكثر موهبة في التاريخ.
ويقودنا هذا إلى سؤاله عن الفنانين الأحياء؛ ألا يوجد فنان متمكن من وجهة نظره؟ فيجيب “سألتني عن الفنان الأمهر وأنا أرى أن الفنانين الماهرين توفوا، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد فنانون متمكنون ويجيدون الأدوار ما زالوا على قيد الحياة.”
حول الفيلم الذي تمنى لو أنه قام بإخراجه يقول يوسف “أنا تعلمت الإخراج من المخرج الراحل يوسف شاهين وأحد تلامذته المباشرين وهو مكتشف موهبتي ولولاه لما كنت مخرجاً، شاهين عمل 40 فيلماً تمنيت لو أنني أخرجت أربعة أفلام منها وهي أفلام: الأرض، إسكندرية ليه، باب الحديد، الناصر صلاح الدين. وهناك أفلام للمخرج عاطف الطيب أيضا تمنيت أن أقوم بإخراجها.”
◙ مفهوم الجرأة لدى المخرج هو اقتحام إشكاليات مسكوت عنها في المجتمع أو في مجال السياسة وليست في المشهد
ماذا أخذت من الفن وبالمقابل ماذا أعطاك؟ نسأل يوسف ليجيبنا “الفن أعطاني الوصول إلى جماهير كبيرة لم أكن أستطيع أن أصل إليها عبر تجسيد رؤيتي وأفكاري ومواقفي ومنظومة القيم التي أؤمن بها في السينما، وبالمقابل الفن أخذ مني حريتي الشخصية فأصبحت أي تفصيلة من حياتي قد تظهر للعلن.”
إن كان يمارس دور الناقد على أعماله السينمائية بعد عرضها، يقول “كلا، لا أمارس دور الناقد ولا أشاهد أفلامي على الشاشة بعد عرضها إطلاقاً، أرى من الغباء أن يحكم الشخص على أعماله الفنية بعد العرض، وكأنه غير متأكد من جودتها بعد سنوات، لذلك أفلامي هي بنت اللحظة التي جاءت فيها، ولا أفكر في ما سيحدث بعد دقائق أو ساعات أو سنوات.”
خالد يوسف من أكثر المخرجين العرب عرضة لأقلام النقاد، ويعلق حول ذلك قائلا “لو مر كلامك مرور الكرام من دون أن يشيد بك أحد أو ينتقص منك أحد، فأنت لا أثر لك. لذلك من يتوقف عندك سواء كان نقدا بناءً أو هجوما صريحا فأنت عملت أثرا، فأنا أعد أن النقد وسيلة للنجاح ولست ضد النقد إطلاقا.”
أما عن المواضيع التي نحتاج أن نسوقها اليوم سينمائيا ودراميا فيقول “في الآونة الأخيرة رأيت أن هناك تركيزا على المواضيع التي تتناول الهجوم على السلطات ونقد السلطة الحاكمة من دون أن نعطي أهمية لنقد المجتمعات، أنا أتصور أنه حان الأوان للتطرق إلى موضوعات النقد المجتمعي في السينما والدراما فهناك سلبيات كثيرة في المجتمع يجب أن نتناولها فنيا والابتعاد عن التكرار في طرح أفكار معينة.”
وبخصوص ما سيشغله فنياً في الأيام القادمة يقول خالد يوسف “لدي مشروع أعمل عليه حاليا؛ فيلم تأريخي كبير يتحدث عن سقوط الأندلس، إنتاج ضخم سيظهر للنور مستقبلاً.”