هل تكرر مصر تجربة استثمار السوريين مع السودانيين

وكالة أنباء حضرموت

 تحركت الحكومة المصرية في اتجاهات مختلفة لضمان عدم تحول اللاجئين على أراضيها إلى عبء ثقيل، ما دفعها نحو تحقيق الاستفادة المثلى من تواجدهم بدلا من الوقوف عند نقطة استقبالهم وانتظار رحيلهم، في ظل تعقيدات الصراعات المسلحة في المنطقة.

وظهر القياس على تجربة استقبال السوريين عقب اشتعال الصراع في بلدهم، حيث تحولوا إلى عامل قوة اقتصادية تستفيد منها البلاد، وهو ما تسعى مصر لتكراره مع السودانيين الذين توافدوا بأعداد كبيرة على أراضيها عقب اندلاع الحرب في بلدهم.

وتزامنا مع إقرار أول قانون للجوء يتيح لمن يحصل على صفة “لاجئ” الحق في التقاضي والعمل والتعليم والاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة لهم، عقدت الحكومة المصرية قبل أيام “الملتقى المصري – السوداني الأول لرجال الأعمال” في القاهرة، وشارك فيه عدد من الوزراء، بينهم نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، الفريق كامل الوزير، وبعض رجال الأعمال المصريين، وحولي 700 رجل أعمال سوداني.

وأوصى الملتقى بتخصيص محفظة تمويلية في البلدين لأغراض الشراكة وإيجاد آلية لضمان تمويل المشروعات المشتركة من مؤسسات إقليمية ودولية، والشروع في إنشاء مناطق حرة، وتسهيل وتطوير أنظمة التحويل المالية بين البلدين.

الملتقى أوصى بتخصيص محفظة تمويلية في البلدين لأغراض الشراكة وإيجاد آلية لضمان تمويل المشروعات المشتركة من مؤسسات إقليمية ودولية

وطالب الملتقى بحوكمة القطاعين الزراعي والحيواني وتسهيل وزيادة تمويل القطاع الزراعي وتشجيع الشراكات بين الطرفين، مع منح المزيد من الدعم وإنشاء ملحقية تجارية تشجع وتنظم حركة السلع والخدمات والعمل على معالجة مشاكل المدارس السودانية وطلاب الجامعات في مصر معالجة جذرية تنظر للمستقبل وإيجاد تمويلات وصناديق لإعادة إعمار قطاع التعليم في السودان والاستفادة من الشركات المصرية.

وتهدف القاهرة من وراء زيادة التعاون الاقتصادي وجذب الاستثمارات السودانية إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد، لأن جزءا كبيرا ممن قدموا إلى مصر من رجال أعمال دشنوا مشروعاتهم التي تقوم على استيراد المواد الخام من السودان وتصنيعها وتصديرها للخارج مع عدم القدرة على العمل لظروف الحرب الحالية داخل بلدهم، وتدرك أن تقديم تسهيلات يجذب استثمارات أخرى يستفيد منها الاقتصاد المصري.

وتدرك خطورة بقاء مئات الآلاف من الشباب السودانيين الذين فروا إلى مصر دون فرص عمل، حيث هناك إمكانية لتحولهم إلى أزمات، ما جعلها تسعى لتوظيفهم في أنشطة مشروعة، مع غياب قاعدة البيانات حول هوية من دخلوا مصر، نتيجة اتساع نطاق عمليات التهريب، ومحاولة دمجهم في المجتمع بتشغيلهم في شركات تحمل رؤوس أموال سودانية، بما يخفف من الضغط على سوق العمل المصري الذي يعاني جراء زيادة معدل البطالة والفجوة بين خريجي الجامعات واحتياجات السوق.

تجربة رائدة

تستفيد الحكومة المصرية من تجربة اللاجئين السوريين على أراضيهم والذين وفدوا إليها منذ بدء الصراع المسلح هناك عام 2012، لأن الحجم الضخم من المشروعات الصناعية المتوسطة والصغيرة وكثيفة العمالة مثل مصانع المنسوجات ترتب عليه تخفيف التأثيرات السلبية لاحتمال توظيفهم سياسيا، وانغمس هؤلاء في أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وقدمت مصر نموذجا تسعى للاقتداء به مع مواطني بعض الدول العربية الذين يلجأون إليها هربا من الحروب والصراعات.

ولم تظهر عوامل توتر سياسي للسوريين الذين يقدر عددهم بأكثر من مليون ونصف شخص، منذ أن حاولت جماعة الإخوان الاستفادة من بعضهم بعد الإطاحة بها من السلطة عام 2013، وأظهرت الحكومة تعاملا خشنا وصل إلى ترحيل أعداد كبيرة منهم، لكنها قدمت تسهيلات لرجال الأعمال السوريين ممن وجدوا في مصر سوقا جيدة، بعيدا عن الاستهدافات التركية والتوتر المستمر في لبنان، وتعمل القاهرة على إعادة إنتاج التجربة مع السودانيين بما لا يجعلها أمام متاعب في التعامل معهم.

وحسب تصريحات إعلامية أطلقها رئيس تجمع رجال الأعمال السوري في مصر خلدون المُوقع، فإن حجم استثمارات السوريين في مصر يبلغ 73 مليار دولار، وتبلغ الاستثمارات السورية في لبنان والأردن 26 و25 مليار دولار، بالترتيب.

وارتبطت صورة المواطن السوري عند المصري بالعمل في أنشطة المطاعم، كونه النشاط الأبرز والظاهر للسوريين، ولدى المقيمين منهم في مصر نحو 7 آلاف مصنع وورشة بأحجام مختلفة، تقوم بتوريد 120 مليون قطعة مختلفة للسوق المصري، وأن السوريين يشكلون 17 في المئة من الجالية الأجنبية الموجودة في مصر.

وحسب منظمة الهجرة الدولية، فإن التمويل الاستثماري من جانب 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار عام 2022، بالرغم من أن السوريين يشكلون ثاني أكبر جالية في مصر بعد السودانيين وعددهم حوالي 5 ملايين شخص، بينهم حوالي مليون و200 ألف نزحوا بعد الحرب الأخيرة بين قوات الجيش والدعم لسريع في أبريل من العام الماضي، إلى مصر وفقا لإحصائيات دولية.

فرصة ثمينة
القاهرة أمام فرصة ثمينة لإعادة تكرار النموذج السوري مع السودانيين على أراضيها

قال رئيس قسم العلاقات الدولية في المركز السوداني للفكر والدراسات الإستراتيجية مكي مغربي إن القاهرة أمام فرصة ثمينة لإعادة تكرار النموذج السوري مع السودانيين على أراضيها، مع الضربات التي استهدفت غالبية المصانع الموجودة في المنطقة الصناعية بولاية الخرطوم بحري، وتعد أكبر منطقة صناعية بالسودان ودول جنوب الصحراء وكانت منتجاتها تغذي كلا من السودان وإريتريا وجنوب السودان.

وأشار لـ”العرب” إلى وجود مقترحات بإعادة توطين هذه المصانع في ولايات لم تصلها الحرب في البلاد، لكن لم يتم تنفيذ ذلك جراء حالة الارتباك السائدة في البلاد، وبالتالي توجهت العديد من رؤوس الأموال السودانية إلى مصر.

وأضاف أن رجال الأعمال يشرفون على تصدير المواد الخام إلى مصر ثم إعادة تصنيعها بمصانع بدأت في العمل منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب وتصديرها مرة أخرى إلى السودان وبعض دول المنطقة.

التمويل الاستثماري من جانب 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار عام 2022

وأكد أن الفترة الماضية كانت عبارة عن تقييم للبيئة الصناعية التي يمكن من خلالها التوسع في حجم هذه المشروعات، وأن ردود الفعل الإيجابية مع وجود بنية تحتية تساعد على نجاح الصناعة أسهما بدور كبير في تشجيع رجال الأعمال، كما أن تكلفة عمل المصانع في مصر أرخص كثيرا من السودان بسبب انخفاض قيمة الأيدي العاملة وأسعار الأراضي التي تقام عليها المشروعات.

وتسعى مصر لتطوير التجربة السورية كي لا يكون التعويل فقط على إتاحة فرص استثمارية، لكن أيضا فتح مجالات للاستثمارات المصرية في السودان والاستفادة من العامل الجغرافي، وهناك ثلاثة أشكال من التعاون عبر مسار إعادة الإعمار، يبدأ أولها بتعاون ضئيل مع الحكومة السودانية، والثاني يتعلق بالتعاون مع الولايات السودانية المختلفة التي بحاجة إلى شركات مصرية تتعاون مع القطاع الخاص لإعادة البناء، والثالث عبر الصندوق الدولي للإعمار المتوقع أن يمارس مهامه بعد الحرب.

وأوضح مكي في حديثه لـ”العرب” أن هناك فروقا جوهرية بين التجربة السورية ونظيرتها السودانية المنتظرة، فالأولى تركز على مجالات الاستهلاك عبر المطاعم، لكن المستثمرين السودانيين ليست لديهم رغبة في مزاحمة السوق المصري، وليست لدى السودانيين مهارات في السياحة وإدارة المطاعم وتتركز خبرتهم في الصناعات الغذائية ومجالات التصدير والاستيراد للمواد الخام، مع إتاحة المزج بين رؤوس الأموال المصرية والسودانية امتدادا للشراكة في بعض مجالات التنمية.

وبلغ حجم الاستثمارات السودانية في مصر نحو 97 مليون دولار خلال العام المالي 2019 – 2020، وتتوزع على حوالي 229 مشروعا، وتتركز في القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية.

انتعاشة في المستقبل
حجم الاستثمارات السودانية في مصر بلغ نحو 97 مليون دولار خلال العام المالي 2019 – 2020

تشكل الاستثمارات السودانية في مصر نسبة ضئيلة من إجمالي تدفقات الاستثمارات العربية داخل مصر، وتواجه بعض التحديات مثل التهديدات الأمنية الحدودية وصعوبة حرية التنقل والتملك، وأقام بعض اللاجئين السودانيين مؤخرا مشاريع صغيرة في مجالات مثل التجارة والخدمات والصناعة، بفضل مساعدة بعض المبادرات والجمعيات التي تدعم روح المبادرة وريادة الأعمال لدى اللاجئين.

ويشارك بعض اللاجئين في أنشطة تطوعية وتثقيفية وترفيهية تهدف إلى تحسين حالتهم المزاجية وزيادة ثقتهم بأنفسهم، وانتشر المطبخ السوداني، وهو مطعم يقدم الأطباق التقليدية ويوفر فرص عمل للنساء اللاجئات، إلى جانب مشروع التراث، وهو متجر يبيع المنتجات الحرفية ويهدف إلى إبراز تنوع وثراء الهوية السودانية.

وتنتشر مشروعات التعليم المجتمعي، وهي مراكز تقدم دورات في اللغة الإنجليزية والكمبيوتر والمهارات الحياتية للأطفال والشباب اللاجئين، وتواجه بين الحين والآخر بحملات أمنية لغلقها لعدم حصولها على التراخيص اللازمة للعمل.

كما بدأت مشروعات التضامن الإبداعي في الانتشار، وتعد فضاء فنيا ينظم ورش عمل وفعاليات تعزز التعبير الإبداعي والتواصل بين اللاجئين والمجتمع المضيف.

وذكر مدير مركز الجنوب لحقوق الإنسان (حقوقي) وجدي عبدالعزيز أن مصر يمكن أن تكون أمام فرصة لتكرار نجاحات الاستثمارات السورية عبر السودانيين، لكن المشكلة تكمن في أن حجم استثماراتهم من الصعب أن يضاهي السوريين، وأن رؤوس الأموال المتوفرة معهم في مصر يمكن توظيفها على نحو أكبر في المشروعات الصغيرة، مثل الأفران والمطاعم والمراكز التعليمية، وأن مصر لها رغبة في التوسع في هذه المشروعات بما يساهم في توفير فرص عمل للسودانيين أنفسهم.

مصر تمضي في طريقها نحو تذليل العقبات أمام السودانيين لحل مشكلات التعليم التي تواجههم

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن معظم اللاجئين السودانيين يعتمدون على التحويلات من أقاربهم في الخارج، وهناك وقت قد يصبح هؤلاء بحاجة إلى فرص عمل تجعلهم قادرين على العيش، ودفع ذلك بعضهم إلى العمل بأجور محدودة في مشروعات مصرية، لكن تنامي المشكلات بين أصحاب رؤوس الأموال المصرية والسودانيين، يحد من التفاؤل بإمكانية حدوث توسعات.

وأشار إلى أن مصر تتجه لمنح المزيد من المزايا لرؤس الأموال السودانية ومثلما حصل الكثير من السوريين على الجنسية المصرية عندما دشنوا مشروعات لهم بفعل المنح المصرية التي فتحت المجال للحصول على الجنسية من خلال شراء الأراضي أو العقارات، فإن الأمر قد يكون قابلا للتكرار مع السودانيين، وأن الزواج من المصريين أو المصريات ظاهرة بدأت في الانتشار وهي بوابة أخرى تساعد على نمو الاستثمارات السودانية بما يساعد على استمرار واستدامة هذه الاستثمارات.

وشدد في حديثه لـ”العرب” على أن مصر تمضي في طريقها نحو تذليل العقبات أمام السودانيين لحل مشكلات التعليم التي تواجههم وأن عدم توسعها في منح تراخيص عمل للمدارس التي تقوم بتدريس المنهج السوداني على أراضيها يرجع إلى عدم إشرافها على تلك المناهج التي قد تحمل أفكارا سلبية وتشكل خطرا عليها، كما أنها تفتح المجال لهؤلاء للتعليم وفقا للمنهج المصري.

ويتفق البعض من المراقبين على أن مصر أمام علاقات اقتصادية محدودة مع السودان، رغم الجوار والعلاقات التاريخية بين البلدين، ويقلل هؤلاء من إمكانية أن يضيف اللاجئون السودانيون الكثير للاقتصاد المصري، وثمة جانب منهم يعبر إلى مصر كبلد ترانزيت وبوابته نحو الانتقال إلى أوروبا.

ويرتبط نجاح التجرية السورية بعامل مهم يتعلق بكونه حظي بقبول المصريين، واستطاع السوريون النجاح عبر تنوع مشروعاتهم المختلفة، وأن طبيعة السودانيين مختلفة عنهم ويمكن قياس الفارق منذ اليوم الأول لقدوم السوريين إلى مصر بعد أن استطاعوا فتح مشاريع تجارية باتت من العلامات المهمة فيما بعد، ولم يحدث ذلك حتى الآن مع السودانيين.