زيارة استثنائية للسلطان هيثم بن طارق إلى تركيا تكرس مبدأ التوازن في العلاقات الإقليمية لسلطنة عمان
تكرّس زيارة بدأها سلطان عمان هيثم بن طارق، الخميس، إلى تركيا في حدث هو الأول الذي يجري على هذا المستوى منذ إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين قبل حوالي أربعين سنة، توّجه السلطنة نحو إضفاء المزيد من التوازن على علاقاتها الإقليمية وتوسيع تعاونها مع مختلف القوى الفاعلة في المنطقة وتجاوز نمطية الصورة الشائعة بشأن قوّة العلاقة التي تربط عمان بإيران.
وعلى الطرف المقابل يلائم هذا التوجّه العماني السياسة المتّبعة من قبل حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال السنوات الأخيرة والتي نحت بشكل واضح نحو إنهاء الخلافات التي نشبت خلال سنوات سابقة بين تركيا وعدد من الدول العربية وبناء علاقات تعاون جديدة مع مختلف تلك البلدان بما فيها بلدان مجلس التعاون الخليجي على قاعدة المنافع المتبادلة.
واستُقبل السلطان هيثم بحفاوة واضحة في أنقرة حيث كان في استقباله بمطار إيسنبوغا الدولي الرئيس أردوغان مرفوقا بكل من وزير الخارجية هاكان فيدان والخزانة والمالية محمد شيمشك ومحافظ العاصمة واصب شاهين وعدد آخر من كبار المسؤولين.
وعقد الجانبان جلسة مباحثات رسميّة في المجمع الرئاسي بأنقرة، قالت وكالة الأنباء العمانية الرسمية إنّه جرى خلالها “بحث تعزيز علاقات الصّداقة التاريخيّة ومختلف جوانب التّعاون والاستثمار بما يلبّي مصالح البلدين ويحقّق تطلّعاتهما المشتركة.”
وتمّ أيضا بحسب الوكالة “تبادل وجهات النّظر تجاه القضايا الرّاهنة ذات الاهتمام المشترك في ضوء المستجدّات السياسيّة على السّاحتين الإقليميّة والدوليّة.”
وعكست تركيبة الوفد الرسمي المرافق للسلطان هيثم بن طارق إلى تركيا الطموح إلى تنمية التعاون في الكثير من المجالات حيث ضمّ الوفد كلا من شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع وخالد بن هلال البوسعيدي وزير ديوان البلاط السُّلطاني، وبدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية وحمد بن سعيد العوفي رئيس المكتب الخاص وعبدالسلام بن محمد المرشدي رئيس جهاز الاستثمار العُماني وقيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار إضافة إلى السفير العماني لدى تركيا سيف بن راشد الجهوري.
وعلّق سفير تركيا لدى سلطنة عمان محمد حكيم أوغلو على زيارة سلطان عمان إلى بلده مشيرا في حديث لوكالة الأناضول إلى تطور العلاقات التركية – العمانية خلال العامين الماضيين، ملفتا إلى الاتصالات الهاتفية المتبادلة التي جرت بين السلطان هيثم والرئيس أردوغان.
وقال في تصريحات لوكالة الأناضول “لم تكن هناك أي زيارة لتركيا من عمان على مستوى رئيس الدولة في التاريخ، ولهذا السبب يولي الرئيس أردوغان أهمية كبيرة لزيارة سلطان عمان إلى تركيا.”
ورأى أنّ للزيارة أهمية كبيرة اقتصاديا وعسكريا وتجاريا وسياسيا. وذكر أن قرابة 100 ألف عماني يزورون بورصة وإسطنبول ومنطقة البحر الأسود كل عام، مؤكدا أن هذا العدد كبير بالنظر إلى أن إجمالي عدد سكان عمان يبلغ خمسة ملايين نسمة.
ولفت إلى أن التقدم الذي حققته تركيا خلال العشرين عاما الماضية لاسيما في مجالات الصناعة الدفاعية والتجارة والتعليم يجتذب انتباه الجانب العماني.
وقال السفير الجهوري من جهته إنّ الزيارة “تأتي في سياق الزيارات التاريخيّة بكل المقاييس”، وإنها تشكّل “بداية لمرحلة جديدة ومميزة للعلاقات الثنائية وستضع الأسس القوية لبناء علاقات إستراتيجية بين البلدين بما يخدم مصالحهما المشتركة ويعود بالنفع على الشعبين العُماني والتركي، ويعزز دور البلدين في الساحتين الإقليمية والدولية.”
واعتبر السفير العماني أن اللجنة المشتركة هي المحرك الرئيس للعلاقات الاقتصادية والتجارية والفنية بين البلدين، مشيرا إلى أنّها ستعقد اجتماعها القادم في مسقط خلال شهر ديسمبر حيث ستقوم بمتابعة تعزيز جوانب العلاقات الاقتصادية والتجارية والفنية والاستثمارية بين البلدين.
وأوضح أن هناك العديد من القطاعات التجارية والاقتصادية التي تتوافر فيها فرص للتعاون المشترك بين شركات القطاعين العام والخاص في سلطنة عُمان وجمهورية تركيا ومنها على سبيل المثال القطاع اللوجستي، نظرا لموقع سلطنة عُمان الإستراتيجي بصفتها بوابة على الخليج العربي والأسواق الآسيوية والأفريقية.
وأضاف أن هناك إمكانات كبيرة لتطوير قطاع السياحة بين البلدين، فيمكن للقطاع الخاص التعاون في إنشاء وتشغيل الفنادق والمنتجعات والمرافق السياحية. أما في قطاع الصناعة، فيمكن تعزيز التعاون الثنائي في مجالات التصنيع خاصة الصناعات التحويلية مثل تصنيع المنتجات الغذائية والمنتجات البلاستيكية وغيرها من الصناعات. وفي قطاع الطاقة توجد إمكانات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، ويمكن للشركات التركية المتخصصة فيها البدء في تطوير مشروعات طاقة نظيفة في سلطنة عُمان.
الجانبان بحثا تعزيز علاقات الصّداقة التاريخيّة ومختلف جوانب التّعاون والاستثمار بما يلبّي مصالح البلدين ويحقّق تطلّعاتهما المشتركة
وبشأن الاستثمارات العُمانية في تركيا ذكر الجهوري أنّ جهاز الاستثمار العُماني يملك حصة أساسية في ميناء كمبورت ذي الموقع الإستراتيجي على الجانب الأوروبي من إسطنبول منذ عام 2011، ويمثل الميناء البوابة الرئيسة للبضائع الاستهلاكية لمدينة إسطنبول، كما يقدم مجموعة من الخدمات مثل مناولة الحاويات والبضائع العامة، وخدمات الدحرجة، بالإضافة إلى خدمات التخزين والتفريغ.
وأشار إلى أن الاتفاقية التي وقّعت عليها الشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال وشركة بوتاش التركية، تعد ذات أهمية خاصة للبلدين، فهي أول اتفاقية لتصدير الغاز العُماني إلى سوق جديدة هي السوق التركية ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لسوق الطاقة العالمي سواء لتلبية حاجة السوق الداخلي التركي أو التصدير للأسواق الأوروبية.