إعادة التدوير تسيطر على تغييرات هيئات الإعلام في مصر
صادق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الاثنين، على تغييرات في الهيئات الثلاث التي تتولى الإشراف على الإعلام الحكومي، ولم تحمل التعيينات جديدا يوحي بأن هناك تحولا كبيرا سوف يطرأ على المشهد الإعلامي، أو نقلة نوعية تشير إلى تطوير لافت في المضمون، بما يجعل وسائل الإعلام في مصر تستعيد بريقها، فغالبية من جرى اختيارهم جاءوا من الدائرة المحيطة بالسلطة أو التي تدور في فلكها، وتوجهاتهم منسجمة مع تصوراتها إلى حد بعيد.
وتم تعيين خالدعبدالعزيز في منصب رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في مقام وزير الإعلام وأحمد المسلماني رئيسا للهيئة الوطنية للإعلام، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة التلفزيون والراديو في الدولة، بينما بقي عبدالصادق الشوربجي في منصبه رئيسا لهيئة الصحافة التي تشرف على إدارات الصحف القومية.
وانتظرت شريحة من الإعلاميين في مصر حدوث تغيير واسع في الهيئات الثلاث يتضمن ما هو أبعد من تغيير في الوجوه، يأتي بقيادات من خارج الدائرة المتعارف عليها خلال السنوات العشر الماضية، ومعها أجندة جديدة تتمكن من التغلب على طبيعة الأزمات الحادة التي يواجهها الإعلام.
غير أن هامش التغيير الذي يتواءم مع هذا التقدير جاء ضيقا، فكل أو معظم من تم اختيارهم على رأس الهيئات أو ضمن الأعضاء الثمانية في كل منها لهم علاقات متفاوتة مع أجهزة الدولة المنوط بها الاختيار، فرئيس المجلس الأعلى خالد عبدالعزيز شغل من قبل منصب وزير الشباب، ورئيس هيئة الصحافة عبدالصادق الشوربجي كان وفيا في دورته السابقة ولم يحدث تغييرا في مضمون الصحافة القومية، لكنه حافظ على استقرارها الداخلي نسبيا، وهو توجه مطلوب عند الجهات التي رشحته، إذ لا تريد إزعاجا يأتي من الصحف القومية التي تعاني ترهلا مهنيا كبيرا منذ سنوات.
كما أن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد المسلماني يقدم برنامجا على قناة الحياة، وعمل مستشارا إعلاميا للرئيس الأسبق عدلي منصور، وله علاقات واسعة مع مسؤولين وإعلاميين، ومعروف عنه مجاملاته الرقيقة عامة، ولا يدخل في مشاحنات مع أحد، وليست له عداوات معلنة في حقل الإعلام، وهي صفات يحتاجها التلفزيون الذي يعج بالمشكلات الداخلية المتراكمة، ويحتاج من يفوق رئيس الهيئة السابق حسين زين قدرة على معالجة الأزمات، وشخصية مرنة تستطيع احتواءها ومنع تفاقمها.
ويقول خبراء إن التغييرات جاءت بهدف رئيسي يتعلق بطريقة الإدارة التي تقوم على محاولة الحفاظ على الاستقرار الممكن داخل الهيئات الثلاث، وعدم فتح الباب لإزعاجات سياسية للدولة في هذه المرحلة، ولم تكن الرغبة في تطوير مضمون الإعلام ظاهرة في الأسماء التي تولت مناصبها أو دخلت في عضوية الهيئات، لكن بدا الحرص كبيرا على استبدال عدد كبير من الشخصيات، على أن يكون من حلوا مكانهم من نفس الخندق السياسي والإعلامي والثقافي.
ويشير هؤلاء الخبراء إلى مواصلة سياسة تدوير الأسماء، فقد تتم إراحة البعض لفترة، ثم تتم الاستعانة بهم في فترة أخرى، وفي النهاية يتم الاختيار من المطبخ نفسه، والذي يضم عددا كبيرا من الشخصيات التي على استعداد لخدمة أهداف السلطة، قبل أهداف المهنة، ولم يتوصل الطرفان إلى صيغة منتجة وتوليفة تحقق أهداف السلطة وتسمح بتطوير أداء الإعلام، الذي كان يملك إمكانيات مهنية كبيرة، ساعدته على أن يتبوأ مكانة جيدة في سنوات سابقة، خسرها لاحقا.
وقال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم إن المشهد الإعلامي كان في حاجة إلى ضخ دماء جديدة على مستوى الصف الأول، ومن المهم أن تكون هناك سياسة إعلامية واضحة تطبقها المؤسسات المختلفة، لأن التحديّات الراهنة تستدعي وجود إعلام قوي ومؤثر وقادر على تقريب المسافات مع الرأي العام.
وأضاف لـ”العرب” أن وجود كفاءات جديدة خطوة إيجابية، وبعيدا عن الأسماء المعينة من الضروري وجود رؤية وإرادة لتغيير الواقع إلى الأفضل، والتدوير ليس سلبيا في كل الأوقات فقد تكون هناك خبرات يمكن الاستفادة منها في مواقع جديدة، ويظل التحدي يرتبط بعودة الثقة في الإعلام، وعمل كل الهيئات للوصول إلى هدف واحد.
التحديّات الراهنة تستدعي وجود إعلام قوي ومؤثر وقادر على تقريب المسافات مع الرأي العام
وأشار إلى أهمية استعانة الهيئات الإعلامية بأصحاب الخبرة والكفاءة في المؤسسات الصحفية والقنوات التلفزيونية لوضع خطة عمل خلال الفترة المقبلة تناقش وضع حلول واقعية وقريبة من تطلعات الجمهور، وهذا يحتاج إلى إرادة بعيدا عن الأشخاص.
وأُجّلت تعيينات الهيئات الثلاث أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، حيث كان موعدها في منتصف العام الجاري، مع تغييرات رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف القومية، وضمت بورصة الترشيحات أسماء عديدة، خلت منها التعيينات الجديدة، ما يعني أن الجهات التي اختارت وقررت حاولت تحاشي وجود شخصيات مثيرة للجدل، أو عليها علامات استفهام، وفضلت أن تكون قريبة من السلطة وبلا إشكاليات أو شبهات كبيرة مع الجماعة التي تقودها، ما يعزز القناعات بأن الفترة المقبلة سوف يغلب عليها الهدوء، مع محاولة توفير قدر من المهنية في وسائل الإعلام.
وتزامن تغيير قيادات هيئات الإعلام مع عملية مراجعة تجري في تكتم شديد داخل الشركة المتحدة للإعلام، المسؤول الفعلي عن إدارة المشهد الإعلامي الفترة الماضية، وأشارت بعض التسريبات إلى وجود عملية تغيير سوف تشهدها الشركة قريبا، بهدف تحسين الأداء العام، وتجنب الأخطاء التي وقعت فيها بعض القيادات وطواقم العاملين معها، بما قلل من التأثير الفعلي للإعلام المصري، داخليا وخارجيا.
وقد يكون التغيير الذي حدث في الهيئات الثلاث الاثنين، مقدمة لتغيير آخر في جسم الشركة المتحدة العملاقة، حيث تشمل أنشطتها الرياضة والدراما والسينما، فضلا عن الإعلام، على أمل ضبط الأداء العام، بما يخوّل لها تطوير المضمون، بالصورة التي تتماشى مع أهداف النظام المصري، فالرئيس السيسي يدرك أهمية الدور الذي يلعبه الإعلام في معركة التنوير والوعي، ومواجهة الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الدولة من خصومها في الخارج، وسط تحديات إقليمية بالغة الحساسية.
ويقول صحافيون إن الدولة المصرية تحتاج إلى إعلام قوي يتواءم مع طبيعة الصعوبات التي تواجهها على مستويات مختلفة، والتغيير في الأشخاص وتدوير بعض الأسماء لن يتمكن من تحقيق هذا الغرض، وقد يوفر التغيير هدوءا، لكنه لن يوفر مضمونا قويا أو قدرة على المنافسة التي يواجهها الإعلام المصري من وسائل إعلام عربية تتوافر لها إمكانيات كبيرة، وأدوات مهنية تساعدها على تطوير مضمونها، وهي الزاوية التي لا تزال غائبة عن ذهن من يديرون المشهد الإعلامي في مصر، حيث يغلب على جزء كبير من اختياراتهم اللجوء إلى أهل الثقة قبل الكفاءة.