معضلة التمويل تلقي بظلالها على كوب 29

وكالة أنباء حضرموت

 لا تزال البلدان بعيدة عن أيّ توافق على آلية لتمويل جهود مكافحة التغيرات المناخية، بحسب ما تبيّن من مشروع اتفاق نشر في اليوم الثالث لمؤتمر الأطراف التاسع والعشرين بشأن المناخ (كوب 29) المنعقد في باكو عاصمة أذربيجان. ومن بين المطالب المتعددة للبلدان النامية في هذا المستند، “1300 مليار دولار على الأقلّ من المساعدات” السنوية التي ينبغي للبلدان الغنية تقديمها.

ويشكل التمويل محورا أساسيا للمحادثات في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمناخ، ومن المرجّح أن يتوقف الحكم على نجاح القمة على مدى قدرة الدول على الاتفاق على هدف جديد للتمويل الذي يجب على الدول الأكثر ثراء ومقدمي قروض التنمية والقطاع الخاص تقديمه كل عام للدول النامية لسد كلفة العمل المناخي. وسيحلّ الهدف الجديد محلّ ذاك المحدّد في 2009 والذي كان ينبغي للبلدان الغنية بموجبه تقديم 100 مليار دولار في السنة للبلدان النامية.

وقد أعدّت نسخة أولى من مسوّدة الاتفاق قبل انطلاق المؤتمر بمبادرة من مصر وأستراليا اللتين كلّفتا بهذه المهمة. ويتضمّن المستند أفكارا جديدة وثلاثة خيارات. ولم تكشف بعد البلدان الغنية عن المبالغ التي تنوي طرحها للنقاش، بحسب ما أفاد مفاوضون ومراقبون.

ونبه مفاوضون الخميس إلى ضرورة جمع أموال الآن لمساعدة الدول الأكثر فقرا على التعامل مع تغير المناخ لتفادي دفع المزيد لاحقا، إذ قال الخبراء إن الدول الفقيرة تحتاج إلى تريليون دولار على الأقل سنويا بحلول نهاية العقد للانتقال إلى مصادر الطاقة الصديقة للبيئة بشكل أكبر والحماية من أحوال الطقس القاسية.

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في وقت سابق من هذا العام إن الهدف المحدد سابقا بتقديم 100 مليار دولار سنويا والذي ينتهي سريانه في عام 2025 تحقق في عام 2022 متأخرا بعامين، على الرغم من أن معظم هذا المبلغ كان في شكل قروض وليس منحًا، وهو ما تقول الدول المتلقية إنه يحتاج إلى تغيير. وتشدّد البلدان النامية من جهتها على ضرورة أن تقدّم هذه الأموال بغالبيتها على شكل هبات بدلا من قروض.

1.3 تريليون دولار

وفي بداية يوم الخميس هيأ تقرير صادر عن مجموعة الخبراء المستقلة رفيعة المستوى المعنية بتمويل الأنشطة المناخية الأجواء قائلا إن المبلغ السنوي المستهدف سوف يحتاج رفعه إلى 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول عام 2035 أو ربما أكثر إذا تباطأت البلدان الآن.

وذكر التقرير أن “أي عجز في الاستثمار قبل عام 2030 سيضع ضغوطا إضافية على الأعوام التالية، مما يجعل الطريق نحو الاستقرار المناخي أكثر صعوبة وأكثر كلفة”.

وخلف الكواليس يعمل مفاوضون على صياغة مسودات لاتفاق القمة، ولكن حتى الآن لا تعكس الوثائق الأولية التي نشرتها هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة إلا مجموعة ضخمة من وجهات النظر المختلفة المطروحة على الطاولة، مع عدم وجود تصور تقريبي للنتيجة التي قد تنتهي إليها المحادثات.

ومن المرجح أن يكون أي اتفاق صعبا نظرا إلى تردد الكثير من الحكومات الغربية، الملزمة بالمساهمة منذ إبرام اتفاق باريس في عام 2015، في تقديم المزيد ما لم توافق دول أخرى مثل الصين على الانضمام إليها.

كما ألقى الانسحاب المحتمل للولايات المتحدة من أي اتفاق تمويل مستقبلي من قبل الرئيس القادم دونالد ترمب بظلاله على المحادثات، مما زاد من الضغوط على المفاوضين لإيجاد طرق أخرى لتأمين الأموال اللازمة.

مذل جدا
النصوص المطروحة بشأن التمويل تسعى في هذه المرحلة إلى تقديم مروحة من الخيارات أكثر من رسم اتجاه معين

رأى رئيس السلطة الانتقالية في بنغلادش محمد يونس أن طلب المال في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين للمناخ (كوب 29) “مذّل جدّا” بالنسبة إلى البلدان الأكثر هشاشة التي تتكبّد تداعيات تغيرات مناخية ليست مسؤولة عنها.

وقال يونس الحائز جائزة نوبل للسلام من باكو حيث يشارك في المؤتمر المناخي للأمم المتحدة في تصريحات “من المذلّ جدّا للدول طلب المال بغرض إصلاح… مشكلة تسبّب بها لها آخرون”.

وتساءل “لماذا نكون مجبرين على المجيء إلى هنا للتفاوض؟ فنحن نعرف حقّ المعرفة جوهر المشكلة”.

وأشار يونس الرائد في مجال تمويل المشاريع بالغة الصغر والذي يتولّى إدارة المرحلة الانتقالية في بنغلادش منذ أغسطس إثر الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة، “لسنا سوقا للسمك.” مؤكدا أن على الدول الثرية أن تضع رقما على طاولة المباحثات. “فالمسألة لا تقضي بالمفاوضة بل بإيجاد حلّ.”

وتعدّ بنغلادش من البلدان الأكثر تأثّرا بالتغيّر المناحي والأكثر عرضة للفيضانات والأعاصير التي قد تشتدّ وتيرتها في ظلّ احترار الكوكب.

تمويل من البنوك
أعلن عشرة من أكبر البنوك بالفعل خطة لزيادة تمويلها للمناخ بنحو 60 في المئة، إلى 120 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، مع 65 مليار دولار إضافية على الأقل من القطاع الخاص. وقد تلقى الدفع لجمع أموال جديدة من خلال فرض ضرائب على القطاعات الملوثة مثل الطيران والوقود الأحفوري والشحن، أو المعاملات المالية، دفعة؛ حيث قالت مجموعة من البلدان إنها ستنظر في الأمر، لكن من غير المرجح التوصل إلى أيّ اتفاق هذه المرة.

وأكد رئيس جمعية بنوك أذربيجان ذاكر نورييف، الخميس، التزام 22 مصرفاً في البلاد بتخصيص نحو 1.2 مليار دولار لتمويل المشروعات التي تساعد أذربيجان على الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.

وقالت نينا سيغا مديرة معهد التمويل المستدام في كامبريدج إن النصوص المطروحة حاليا “تسعى في هذه المرحلة إلى تقديم مروحة من الخيارات أكثر من رسم اتجاه معيّن”.

توترات جيوسياسية

هذه المفاوضات التي غالبا ما تكون حامية، ليست بمنأى عن التوتّرات الجيوسياسية التي لا علاقة لها بالاحترار المناخي.

فقد أعلنت وزيرة التحوّل البيئي في فرنسا أنها لن تشارك في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في باكو بسبب انتقادات “غير مقبولة” وجّهها رئيس أذربيجان إلهام علييف.

وكان علييف قد ندّد بـ”جرائم نظام الرئيس (إيمانويل) ماكرون” في أقاليم ما وراء البحار الفرنسية. ولم يحضر ماكرون الجلسة الافتتاحية للمؤتمر.

ولطالما شهدت العلاقات بين فرنسا وأذربيجان توترا؛ بسبب دعم باريس لأرمينيا منافِسة أذربيجان، وهذا العام، اتهمت باريس باكو بالتدخل والتحريض على الاضطرابات العنيفة في كاليدونيا الجديدة.

وقال مفوِّض المناخ بالاتحاد الأوروبي فوبكي هوكسترا رداً على ذلك في منشور على منصة إكس “بغض النظر عن أيّ خلافات ثنائية، يجب أن يكون مؤتمر الأطراف مكاناً يشعر فيه جميع الأطراف بالحرية في الحضور والتفاوض بشأن العمل المناخي.” وأضاف “تتحمل رئاسة مؤتمر الأطراف مسؤولية خاصة لتمكين ذلك وتعزيزه.”

جاء ذلك بعد أن استخدم علييف خطابه الافتتاحي في المؤتمر، يوم الاثنين، لاتهام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالنفاق لإلقاء محاضرات على البلدان بشأن تغير المناخ، بينما يظلان مستهلكَين ومنتجَين رئيسيَّين للوقود الأحفوري.

وكانت حكومة الأرجنتين سحبت مفاوضيها من محادثات كوب 29، حسبما قال دبلوماسيان حضرا الحدث لـرويترز، على الرغم من أن أياً منهما لم يعرف سبب القرار. ورفضت سفارة الأرجنتين في باكو التعليق. وكان الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي وصف في السابق الاحتباس الحراري العالمي بأنه “خدعة”، في موقف يتقاطع وموقف الرئيس الأميركي العائد دونالد ترامب.