إسرائيل وإيران..
نهاية للتصعيد أم دفعة نحو القنبلة النووية؟
ضربات إسرائيلية استهدفت طهران مؤخرًا، قوبلت بـ«وعيد» إيراني بـ«رد مناسب» عليها، في تصعيد طرح تساؤلا، حول الخطوة القادمة ومآلات وانعكاسات تلك التطورات على المنطقة.
وهذه هي المرة الثانية هذا العام الذي يتبادل فيها الطرفان الهجمات الصاروخية بعد الهجوم الذي شنته إيران في أبريل/نيسان الماضي ردا على استهداف قنصليتها في سوريا.
وجاءت الضربات الإسرائيلية الأخيرة على إيران كـ«تنفيذ للتهديدات التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو» بالرد على الهجوم الذي نفذته طهران مطلع الشهر الجاري.
فماذا يعني التصعيد الأخير؟
قالت سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس: «لقد تجاوزت إسرائيل وإيران خطوطاً حمراء خطيرة»، مضيفة: «في الوقت نفسه، كانت ضربات إسرائيل محسوبة نسبيا، تجنبت خلالها تل أبيب مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية أو قطاع الطاقة لديها».
وبحسب مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، فإن هذا الرد المحسوب يوفر مجالاً لخفض التصعيد في الأمد القريب، حيث يشير الخطاب الخافت لإيران حتى الآن إلى أنه من غير المرجح أن ترد بالمثل.
وكيل أضافت: أعتقد أنه في هذه اللحظة، لا تملك إيران المصلحة أو القدرة على الانخراط في حرب إقليمية أوسع نطاقاً»، متوقعة أن تلجأ طهران «إلى خفض التصعيد.. حتى يتمكن الجانبان من العودة إلى زواياهما بشكل فعال في الوقت الحالي».
مزيد من الهجمات؟
ومع هذا فإن استمرار الأعمال العدائية بين الجانبين ليس مستبعدا. وحذر بعض الخبراء من أن الهجوم الإسرائيلي قد يكون مقدمة لمزيد من الهجمات من قبل تل أبيب، حتى لو اختارت إيران عدم الرد.
وقال عزرائيل بيرمانت، الباحث الكبير في معهد العلاقات الدولية في براغ إن «حقيقة أن إسرائيل هاجمت عددًا من أنظمة الدفاع الجوي في هذه المناسبة تشير إلى أنهم ربما يحاولون تمهيد الطريق لهجوم لاحق».
وأضاف: «من وجهة نظر إسرائيل، حققت هذه الضربة أهدافها حاليا.. لكن هذا لن يمنعها من تنفيذ المزيد من الهجمات»، معربًا عن اعتقاده بأن «الإدارة الأمريكية ستفعل كل ما في وسعها لمنع المزيد من الضربات الإسرائيلية».
ووفقا لوكيل، فإن إسرائيل «كانت أمامها فرصة ضيقة للعمل.. وكان هناك الكثير من التوقعات بأنها ستنفذ هذه الضربة قبل الانتخابات الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني».
وسيحدد الفائز في الانتخابات سواء كان الرئيس السابق دونالد ترامب أو نائبة الرئيس كامالا هاريس الكثير بالنسبة لإسرائيل، بحسب بيرمانت، الذي أضاف: «حلم نتنياهو هو أن يصبح ترامب رئيسًا (..) سيشعر بثقة أكبر في قدرة إسرائيل على تنفيذ هجوم أكثر طموحًا مع وجود ترامب في البيت الأبيض».
ويظل السؤال عما إذا كانت إدارة هاريس ستكون على استعداد للذهاب إلى أبعد مما فعلته إدارة بايدن بشأن محاولة الحد من تصرفات إسرائيل في إيران وغزة ولبنان.
وقالت وكيل: «فيما يتعلق بقضية إيران، لا أستطيع أن أقول إن المرشحين متفقان من حيث اللهجة، لكن من حيث الجوهر، هناك موقف أكثر تشددًا من كليهما.. وهذا يقيد مساحة المناورة لإيران».
وقال بيرمانت: «أعتقد أن الإيرانيين سيمتنعون عن الرد، لكنني أعتقد أنه سيكون هناك المزيد من التصعيد في وقت لاحق. السؤال هو متى سيحدث ذلك؟».
ورغم أن بايدن أعرب عن أمله في أن «تكون هذه هي النهاية»، إلا أن هذا يبدو غير مرجح حيث يشتبه المسؤولون الأمريكيون في أن إيران لن تتسامح مع الهجوم، لذا أمر الرئيس الأمريكي قواته في المنطقة بأن تكون في حالة تأهب قصوى خاصة في سوريا والعراق.
وتردد أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي اجتمع مع كبار قادة الحرس الثوري لتحديد خطواته التالية، بعدما قال بنبرة مدروسة إنه لا ينبغي «تضخيم الهجوم أو التقليل منه».
وبغض النظر عن التحذيرات الغامضة من المسؤولين الإيرانيين، كان هناك القليل من الأدلة على اتخاذ أي قرار بشأن الرد.
وقالت دانا سترول، المسؤولة السابقة عن سياسة الشرق الأوسط في البنتاغون والزميلة البارزة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «من خلال استهداف المنشآت العسكرية فقط والضرب في توقيت يهدف إلى تجنب الخسائر الكبيرة، فقد تم منح الإيرانيين مسارًا لخفض التصعيد».
وأضافت: «إذا اختارت إيران التصعيد، فإن منشآتها العسكرية والقيادية والنووية الحيوية أصبحت أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى».
قنبلة نووية؟
ويخشى الخبراء داخل وخارج إدارة بايدن أن تستنتج إيران أنها لم يتبق لها سوى وسيلة دفاع واحدة: السباق للحصول على سلاح نووي.
وفي الوقت الذي استهدفت فيه الضربات الإسرائيلية الدفاعات الجوية الإيرانية وخلاطات الوقود العملاقة التي تساهم في إنتاج الصواريخ الباليستية، يخشى الخبراء من أن إيران قد ترى أنه لم يتبق لها سوى وسيلة دفاع واحدة هي الحصول على سلاح نووي، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية.
وبعد تنفيذ الهجوم، زعم المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون تحقيق نجاح كبير، لكن وراء الرضا عن المكاسب التكتيكية يكمن قلق طويل الأجل من سعي إيران لامتلاك سلاح نووي، الأمر الذي حاول الاستراتيجيون الأمريكيون تجنبه لمدة ربع قرن، من خلال التخريب والهجمات الإلكترونية والدبلوماسية لمنع طهران من عبور العتبة لتصبح قوة مسلحة نوويا بالكامل.
وللمرة الأولى منذ نحو عام، بدا الرئيس الأمريكي جو بايدن راضيا لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي استمع إلى تحذيراته بضرورة تجنب ضرب المواقع النووية ومواقع الطاقة الإيرانية، خوفًا من تصاعد الصراع إلى حرب إقليمية.
وحتى إذا قررت إيران عدم شن ضربة صاروخية أخرى على إسرائيل، فإن قادتها لديهم خيار آخر من خلال عكس الحظر المفروض على بناء سلاح نووي.
ولم تكن إيران أقرب من اليوم إلى العتبة النووية، حيث تمتلك مخزونات أكبر من اليورانيوم متوسط التخصيب بما يكفي إنتاج 3 أو 4 أسلحة، استنادًا إلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبدأت هذه الزيادة في إنتاج اليورانيوم بعد وقت قصير من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في 2018.
والآن أصبحت إيران على عتبة تخصيب اليورانيوم المستخدم في صنع القنابل في غضون أيام أو أسابيع وقد يستغرق الأمر وقتا أطول يصل إلى 18 شهرا، لتحويل هذا الوقود إلى رأس حربي، بافتراض أن طهران لن تحصل على مساعدة من قوة نووية مثل روسيا أو كوريا الشمالية.
وقال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين، إن الدول تبني الأسلحة النووية عندما تشعر بالضعف واليوم، هذا هو بالضبط الشعور الوطني لإيران.