الديون السوداء تلاحق بريطانيا.. القصة الكاملة لعائلات تجار الرقيق في عهد الاستعمار

وكالة أنباء حضرموت

تواجه المملكة المتحدة، منذ فترة طويلة، دعوات لتقديم تعويضات عن دورها في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي خلال القرون الماضية.

ويطلق الخبراء على هذه التعويضات مسمى "الديون السوداء" أو "تعويضات العبودية"، حيث شهدت الإمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس قديماً استعباد الملايين من الأفارقة وإجبارهم على العمل في ظروف غير إنسانية في المزارع بمنطقة البحر الكاريبي والأمريكتين.

ويواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر مطالبات متزايدة بدفع هذه التعويضات، والتي تقول بعض التقديرات إنها قد تتجاوز 200 مليار جنيه إسترليني.

اجتماع الكومنولث
وفي اجتماع رؤساء حكومات الكومنولث في ساموا، وافقت مجموعة من البلدان المعروفة باسم المجموعة الكاريبية ـ أو الكاريكوم ـ على وضع التعويضات على جدول الأعمال. وفي إشارة إلى "الدعوات لإجراء مناقشات حول العدالة التعويضية"، تعتقد الدول الـ15 التي تتكون منها المجموعة الكاريبية أن "الوقت قد حان لإجراء محادثة هادفة وصادقة ومحترمة من أجل صياغة مستقبل مشترك قائم على العدالة"، وفقًا لمسودة بيان للقمة.

وتشمل المجموعة الكاريبية التي تطالب بالتعويضات عن الإرث الاستعماري كلا من "إنتيغوا وباربودا – الباهاما – باربادوس – بليز – دومينيكا – غرينادا – غيانا - هايتي".

من جانبها، قالت مجلة الإيكونوميست في عام 2020 إن "الحجج الفلسفية" المؤيدة والمعارضة لدفع التعويضات تميل إلى إلقاء ظلالها على الإجراءات العملية "الصعبة"، والتي تتلخص في مجموعة من الأسئلة: من سيكون مؤهلاً للحصول على التعويضات؟ كم ينبغي أن يكون الدفع؟ وهل يجب دفعها للحكومات أم للأفراد؟

عقلية استعمارية
بعض أعضاء البرلمان البريطاني من حزب العمال، اليوم الأحد، اتهموا رئيس الوزراء كير ستارمر بأن لديه "عقلية استعمارية"، وأنه حاول إسكات الدول التي طلبت مناقشة دفع تعويضات عن تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي خلال قمة الكومنولث التي عُقدت هذا الشهر في ساموا.

وترفض بريطانيا حتى الآن الدعوات المطالبة بدفع تعويضات عن دورها في تجارة الرقيق، لكن بعض النشطاء يأملون في أن تكون حكومة ستارمر أكثر انفتاحا عليه

وقال ستارمر قبل القمة إن القضية ليست على جدول الأعمال وإنه يرغب في "النظر إلى الأمام" بدلاً من إجراء "مناقشات طويلة للغاية ولا نهاية لها عن دفع تعويضات عن الماضي".

«يو بي إس» السويسري: اقتصاد الإمارات سينمو بأكثر من 5% العام المقبل
الاقتصاد السعودي.. قفزة في حجم السيولة النقدية بنهاية أغسطس 2024

وقالت النائبة العمالية "بيل ريبيرو أدي" في مؤتمر‭ ‬عن التعويضات في لندن "من المهين للغاية أن نقول للأشخاص ذوي الأصول الأفريقية أن ينسوا وينظروا إلى الأمام".

وفي ختام قمة ساموا، اتفق القادة برئاسة الملك تشارلز ملك بريطانيا على أن ينص البيان الختامي على أن الوقت قد حان لمناقشة ملف التعويضات.

وقالت ريبيرو أدي "أنا فخورة للغاية لأن تلك الدول رفضت الصمت".

وعبر النائب العمالي كلايف لويس عن دهشته من اعتقاد ستارمر بأنه يستطيع أن يفرض "عقلية استعمارية" على القمة وأن "يملي ما يمكن وما لا يمكن مناقشته".

ولم يعلق متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء البريطاني على التصريحات التي أدلى بها نواب حزب العمال اليوم الأحد.

وقالت ديان أبوت، أول امرأة سوداء في البرلمان البريطاني، إن حزب العمال كان لديه في السابق خطط لإنشاء لجنة تعويضات وطنية، لكن ستارمر "يبدو أنه نسي ذلك".

وأضافت "التعويضات لا تتعلق بالماضي، بل تتعلق بالحاضر".

أصل القصة التاريخية
أثارت قضية الديون السوداء لبريطانيا العديد من الدراسات المحاسبية والاكتوارية. وقد تم استخدام العديد من المنهجيات لتحديد حجم الديون، مما أدى إلى إطلاق أرقام تشمل الألم والمعاناة الناجمة عن التجريد من الإنسانية والتعذيب والإرهاب وممارسات إدارة الإبادة الجماعية.

ويرجع أصل القصة إلى أن البريطانيين جلبوا حوالي 3 ملايين أفريقي إلى دول منطقة البحر الكاريبي، وعند التحرر في عام 1833، بقي حوالي 700000 فقط على قيد الحياة، ولكن على مدى 200 عام من العبودية والرق نجا فقط 83000 شخص فقط.

ومنذ القرن التاسع عشر، ظلت المجتمعات الكاريبية تطالب بالعدالة التعويضية كجزء من تحررها الاجتماعي والاقتصادي. ولا يوجد شيء جديد أو مفاجئ في الأمر.

وحتى وقت قريب، كانت معظمها مستعمرات ولم يكن بإمكانها رفع دعوى ضد "الأمة الإمبراطورية".

لكن في ستينيات القرن العشرين، عندما انضمت دول منطقة الكاريبي إلى أجندة التنمية العالمية، حاول الجيل الأول من القادة السياسيين بها، بقيادة إريك ويليامز من ترينيداد وتوباجو وألكسندر بوستامانتي من جامايكا، فتح حوار حول التعويضات لتعزيز التحول الاقتصادي.

لكنهما تعرضا للإذلال والرفض وقيل لهما إنهما بمطالبتهما بالاستقلال الوطني كانا بمفردهما، وأن بريطانيا لا تدين لهم بأي شيء.

ومع ذلك، فإن شرعية وعلو صوت مطالبتهما بدعم التنمية قد تزايدت مع مرور الوقت.

واقترحت لجنة التعويضات الكاريبية خطة من 10 نقاط لتأطير الحوار حول التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

ماذا تقول الوثائق؟
كشفت وثائق تاريخية تم الاطلاع عليها لأول مرة عام 2013 عن مدى ضلوع بريطانيا في تجارة الرقيق، وعن العائلات البريطانية التي أثرت بحصولها على تعويضات تقدر بمليارات الدولارات بأسعار اليوم من تلك التجارة بعد إلغائها في القرن التاسع عشر.

وتتضمن تلك السجلات التي لم يسبق الاطلاع عليها من قبل، أسماء الذين حصلوا على تعويضات من الحكومة البريطانية آنذاك عقب إلغاء تلك التجارة، الأمر الذي من شأنه أن يسبب إحراجاً لأسلافهم.

ونقلت صحيفة "ذي إندبندنت أون صنداي" عن الدكتور نيك درابر من جامعة كوليج لندن -الذي اطلع على مستندات التعويضات- قوله، إن خُمس الأثرياء البريطانيين في عصر الملكة فيكتوريا التي حكمت بريطانيا بين عامي 1837 و1901، جمعوا ثرواتهم كلها أو جزءا منها من تجارة الرقيق.

تجارة الرقيق- صورة تعبيرية

ومن بين الشخصيات التي أُميط اللثام عن استفادتها من تجارة الرقيق، عائلات وأجداد رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، ووزير الزراعة الأسبق دوغلاس هوغ، والروائيين غراهام غرين وجورج أورويل والشاعرة إليزابيث براونينغ، والرئيس الحالي لمجلس الفنون البريطاني بيتر بازالغيت.

ومن الشخصيات البارزة الأخرى التي ضمت السجلات أسماءهم، أحفاد آل بارينغ وهي أقدم العائلات المصرفية في بريطانيا، وهنري لاسيليز أحد نبلاء منطقة هاروود بإنجلترا وأحد أسلاف أبناء عمومة الملكة.

الديون السوداء
في عام 1939، حددها آرثر لويس، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، بوضوح. وقال إن بريطانيا لديها 200 عام من العمل المجاني لما يقدر بنحو 20 مليون رجل وامرأة وطفل أسود. لقد كان هذا هو الدين الأسود لبريطانيا، والذي يجب الاعتراف به وإصلاحه.

وبينما ارتقت بريطانيا الإمبراطورية نحو التنمية الاقتصادية المستدامة ومكانة القوة العسكرية العالمية العظمى، ظل المستعبدون وأحفادهم حتى يومنا هذا يعانون من الألم الدائم والفقر المستمر والمعاناة الممنهجة.

ولا يزال هناك بقايا استعمار بريطاني في منطقة البحر الكاريبي، وهو تذكير يومي بثقافة التفوق العنصري الأبيض التي حكمت المنطقة لعدة قرون. لكن الدعوة إلى العدالة التعويضية بدأت مع المستعبدين أنفسهم.

إن ما يسمى بقانون إلغاء العبودية، وهو التشريع الأكثر عنصرية على الإطلاق الذي تم إقراره في البرلمان البريطاني، حدد حوالي 700 ألف من السود المستعبدين بأنهم "ملكية خاصة" وليسوا بشرا، وكان هذا القانون شرطًا مسبقًا للحصول على تعويض قدره 20 مليون جنيه إسترليني نقدًا تُدفع كتعويضات إلى العبيد المستعبدين.

وقدرت قيمة المستعبدين بمبلغ 47 مليون جنيه إسترليني، وتم سداد المبلغ المتبقي من خلال العمل العيني لمدة أربع سنوات إضافية من الاستعباد بعد تحريرهم. ولم يتلقوا أي تعويض عن سرقة عملهم أو إنكار هويتهم الإنسانية.

دعوات رحيمة
مرة أخرى، تدعو الحكومات والمجتمع المدني في منطقة البحر الكاريبي الحكومة البريطانية والمؤسسات الوطنية مثل بنك إنجلترا وكنيسة إنجلترا - فضلاً عن البنوك الكبرى وشركات التأمين التي أنتجت ووزعت الثروة من العبودية - إلى الانخراط في استراتيجية رحيمة ومشتركة بين الأجيال لدعم إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الاستعمار. فقد تلقت بريطانيا خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها رفضت التعامل مع منطقة البحر الكاريبي.

وقد تقدمت بالفعل العديد من العائلات البريطانية التي تستمد ثروتها من العبودية لمناقشة مشروع التعويضات وقد لقيت استحسانًا. ويظل البحث عن حل مربح للجانبين هو النهج السائد.