مبادرة بهجلي تجاه عبدالله أوجلان تعكس تحولا تركيا في التعاطي مع حزب العمال
فاجأ دولت بهجلي، زعيم الحركة القومية اليميني، وحليف الرئيس رجب طيب أردوغان، الأوساط السياسية والشعبية في تركيا، بطرحه مبادرة على عبدالله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، تقضي بإطلاق سراحه مقابل إعلانه عن حل الحزب. ويقضي أوجلان عقوبة بالسجن المؤبد في سجن بجزيرة جنوبي إسطنبول منذ عام 1999، ويقول الحزب الديمقراطي المؤيد للأكراد في البرلمان التركي إن أوجلان لم يُسمح له بمقابلة محاميه أو عائلته منذ 43 شهرا.
وقال زعيم الحركة القومية في كلمة ألقاها أمام البرلمان “إذا سُمح له بالخروج من (السجن)، فليأت ويتحدث.. ودعوه يعلن أن الإرهاب قد انتهى تماما وأن الجماعة تفككت”. وأضاف إنه إذا أقدم أوجلان على ذلك، فيجب منحه “حق الأمل”، مشيرا إلى إمكانية إطلاق سراحه. وكانت تصريحات بهجلي استثنائية، حيث عادة ما تتضمن خطاباته انتقادات حادة لأوجلان وحزب العمال الكردستاني والسياسيين المقربين من الحزب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذين يراهم متحالفين مع حزب العمال الكردستاني.
وجاءت تصريحات بهجلي في أعقاب تكهنات أثارتها وسائل إعلام في الأسابيع القليلة الماضية حول جهود جديدة لإنهاء الصراع المستعر بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني منذ 40 عاما. واستندت تلك التكهنات على خطوة لافتة أقدم عليها بهجلي في بداية شهر أكتوبر عندما توجه نحو أعضاء الحزب الديمقراطي الكردي (ديم) داخل البرلمان، وأجرى معهم محادثة قصيرة، ليتدرج لاحقا في إطلاق تصريحات تتعلق بعملية السلام في البلاد.
◙ من السابق لأوانه الحديث عن كيف سيتعاطى حزب العمال الكردستاني مع شروط الإفراج عن زعيمه أوجلان
وقال زعيم الحركة القومية في مناسبتين منفصلتين إن تحركه “كان متعمدا”، وإنه يهدف إلى البحث عن السلام في تركيا. وبدا واضحا أن تحركات بهجلي كانت منسقة بينه وحزب العدالة والتنمية وزعيمه أردوغان. وكان الرئيس التركي رحب بخطوة المصافحة بين زعيم الحركة القومية وأعضاء الحزب الديمقراطي قائلا إن تركيا يجب أن تكون قادرة على حل “المشاكل” دون أن يلجأ شعبها إلى الإرهاب.
وعلّق أردوغان على المبادرة التي اقترحها حليفه القومي داعيا إلى "عدم التضحية بنافذة الفرصة التاريخية التي فتحها تحالف الشعب"، مضيفا "نريد أن نبني تركيا دون إرهاب معا". وكان الصحافي المقيم في أنقرة راغب صويلو نقل قبل نحو أسبوع عن مصدر تركي مطلع على تفكير الحكومة أن السلطة السياسية أجرت مناقشات داخلية حول ما ينبغي القيام به بشأن حزب العمال الكردستاني على مدى العامين الماضيين.
وشن حزب العمال الكردستاني تمردا داخل تركيا عام 1984، وقُتل ما يربو على 40 ألف شخص في الصراع. وتصنف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال على أنه جماعة إرهابية. وأجرت تركيا محادثات سلام مع أوجلان وحزب العمال الكردستاني منذ عام 2012 لكن هذه العملية وجهود التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار انهارت في يوليو 2015، وهو ما أشعل فتيل أكثر حقبة دموية في الصراع.
وقال بهجلي في معرض طرحه للمبادرة المثيرة للجدل إنه لا توجد حاجة لعملية سلام جديدة، مشيرا إلى أن أعضاء حزب العمال الكردستاني يجب أن يسلّموا أنفسهم للعدالة التركية دون أيّ شروط وقضاء فترة عقوبتهم في السجن. واقترح بهجلي أيضا تنفيذ إصلاحات ديمقراطية لم يحددها.
ويرى محللون أن الخطوات الأخيرة تعكس أن السلطة السياسية في تركيا بصدد استدارة في مقاربتها للتعاطي مع حزب العمال الكردستاني، ويعود ذلك إلى المتغيرات الإقليمية، وفشل جهود أنقرة حتى الآن في استئصال التنظيم والقضاء عليه رغم الضربات المتواترة التي تشنها ضده في شمال العراق وشمال شرق سوريا في السنوات الأخيرة. ويلفت المحللون إلى أن أكثر ما يقلق أنقرة هو الإدارة الذاتية القائمة في شمال شرق سوريا، والتي تحظى بدعم غربي، فيما تقول أنقرة إنها الحديقة الخلفية لحزب العمال الكردستاني.
وفشلت تركيا على مدار السنوات الماضية في إقناع القوى الغربية ولاسيما الولايات المتحدة برفع الغطاء عن الإدارة الذاتية الكردية، وقد حاولت أنقرة في الأشهر الماضية مغازلة دمشق من بوابة تطبيع العلاقات على أمل تعاون بينهما لإنهاء التهديد المفترض في شمال شرق سوريا، لكن حتى الآن لم يتحقق لها ذلك، حيث أن الرئيس السوري بشار الأسد كان واضحا لجهة أن أي تطبيع يجب أن يقوم على احترام سيادة سوريا، وهو أمر يقتضي خروج القوات التركية من البلاد وكف يد التنظيمات الجهادية التي تدعمها.
◙ تركيا فشلت على مدار السنوات الماضية في إقناع القوى الغربية ولاسيما الولايات المتحدة برفع الغطاء عن الإدارة الذاتية الكردية
ويشير المحللون إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن كيف سيتعاطى حزب العمال الكردستاني مع شروط الإفراج عن زعيمه أوجلان، لكن الأقرب أن الأخير لن يقبل بتلك الشروط. وفي أعقاب تصريحات زعيم الحركة القومية قالت تولاي حاتم أجولاري الزعيمة المشاركة للحزب الديمقراطي في خطاب ألقته أمام نواب الحزب إن “حل المشكلة الكردية واضح. وإن محاور السلام في الشرق الأوسط وتركيا هو عبدالله أوجلان الذي يعيش عزلة شديدة في آمرلي".
وأوضحت أن “الطريق إلى الحل هو مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان)”، مشيرة إلى استعدادهم لأخذ زمام المبادرة "وكبداية يجب رفع العزلة عن أوجلان"، بحسب قولها. وشددت أجولاي على ضرورة “رفع العزلة الجسدية عن أوجلان”، وتابعت حديثها “بعد اليوم، نعد بالقيام بدورنا من أجل السلام المشرف، بغض النظر عن الثمن الذي يجب دفعه".
من جانبه أبدى أوزغور أوزيل رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض تحفظات على مبادرة بهجلي، لكنه قال إن البرلمان يجب أن يكون المكان الرئيسي لحل ما يسمّى بالقضية الكردية ويجب مناقشة كل شيء بشفافية. وأضاف أوزيل أنه "لا يمكن حل هذه المشكلة بحل مناسب لشخص واحد دون حل مشاكل الأكراد وفقا للدستور. نحن نعلّق أهمية على كل خطوة يجب اتخاذها لتحقيق المصالحة بين 86 مليون شخص".