الإخوان في اليمن يعرضون حزبهم كمتزعم للصف الجمهوري ومحاور للمجتمع الدولي باسم اليمن الموحّد
كثّفت جماعة الإخوان في اليمن ممثلة بفرعها المحلّي حزب التجمع اليمني للإصلاح من دعايتها بشأن تزعمها للصف الجمهوري في البلاد، وتحوّلت عن مسار المصالحة مع جماعة الحوثي الذي كانت قد دشنته أواخر العام الماضي، إلى مغازلة المجتمع الدولي وعرض نفسها على قواه الفاعلة كطرف معتدل قادر على قيادة المعسكر المضاد للحوثيين.
وحَمَل محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا لحزب الإصلاح خلال لقاء جمعه مؤخرا بسفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاجن، على الحوثيين وحمّلهم مسؤولية عرقلة جهود السلام وإطالة أمد الحرب. وقالت وسائل إعلام محلية إنّه جرى خلال اللقاء “استعراض جهود القوى السياسية اليمنية لإعادة تجميع إمكانياتها وتوحيد صفوفها وتشكيل تكتل وطني واسع يدفع بعملية استعادة الدولة وإنعاش الحياة السياسية”.
ويرى الحزب الإخواني نفسه مؤهّلا لقيادة التكتّل المذكور في ظلّ حالة الفراغ التي خلّفها تراجع مكانة حزب المؤتمر الشعبي العام بسبب خلافاته الداخلية وانقساماته الحادّة. وفي نطاق جهود تسويق حزب الإصلاح إلى المجتمع الدولي كانت قيادات في الحزب قد دشنت اتصالات مع قيادة الحزب الشيوعي الصيني.
وترأس أمين عام حزب الإصلاح عبدالوهاب الآنسي في يوليو الماضي وفد الحزب الذي زار بيكين حيث أجرى مباحثات مع مسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني تحدّث الآنسي خلالها بلسان الجمهورية اليمنية مشيدا “بالعلاقات التاريخية بين الجمهورية اليمنية وجمهورية الصين الشعبية، وكذلك بالعلاقات المتميزة بين الحزبين”، مؤكدا “حرص الإصلاح على تطوير العلاقات وتقويتها بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الصديقين”.
ويحمل حرص حزب الإصلاح على إقامة علاقات مع الصين، بل مع الحزب الشيوعي نفسه، جرعة عالية من الدعاية السياسية للحزب الإخواني تروّج لاعتداله وتسامحه حتى مع القوى التي تتناقض أيديولوجيتها جذريا مع مرجعيته الدينية، كما تروّج لقيادته باعتبارهم رجالات دولة يتصرّفون بمسؤولية ويحرصون على العلاقات الدولية لليمن.
وطفحت رسالة وجهها الآنسي في وقت سابق هذا الأسبوع إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ لتهنئته بالذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية بالمجاملة، جنبا إلى جنب الدعاية لحزبه باعتباره طرفا مؤهلا للشراكة مع الصين.
وأثنى الآنسي في رسالته على “الدور الكبير الذي يلعبه الحزب الشيوعي الصيني، في قيادة البلاد نحو التطور والتنمية المستدامة، وفي الحفاظ على وحدة الشعب وتوجيه البلاد نحو آفاق جديدة من التقدم والرقي”، وأعرب عن تطلعه “إلى تعزيز العلاقات بين الحزبين التجمع اليمني للإصلاح والحزب الشيوعي الصيني، والبلدين والعمل معا لمواجهة التحديات المشتركة، بما يسهم في تحقيق المصالح المتبادلة ويعزز السلم والاستقرار في المنطقة والعالم”.
وبشأن اللقاء بين اليدومي وفاجن قالت وسائل إعلام تابعة لحزب الإصلاح إنّ السفير الأميركي “أشاد بدور حزب الإصلاح في الحياة السياسية وتعاطيه الإيجابي مع جهود إحلال السلام في اليمن”. وتحاول القيادات الإخوانية اليمنية الاستثمار في التركيز الأميركي والأممي الذي برز مؤخّرا على دور الأحزاب في اليمن، وذلك على الرغم من التراجع الشديد في دور تلك الأجسام السياسية سواء في مناطق سيطرة الحوثيين أو في مناطق الشرعية.
ودعا السفير فاجن مؤخرا الأحزاب والمجموعات السياسية في اليمن إلى نبذ خلافاتها وإيجاد إطار لتطوير التنسيق والتعاون فيما بينها. وجاء ذلك بعد أن كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد أعلن عن شروع مكتبه في التحضير لإجراء مشاورات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتعزيز رؤية لعملية سلام شاملة في البلاد.
وعكست تلك الالتفاتة الأميركية – الأممية لدور الأحزاب اليمنية مدى الصعوبة التي يواجهها المجتمع الدولي في التعاطي مع المشهد اليمني شديد التشتت والعصي عن التأطير. لكنّ الأمل في اتّخاذ الأحزاب اليمنية طرفا محاوِرا يصطدم بالقدرات الفعلية لتلك الأحزاب ومدى شعبيتها وحضورها الحقيقي بين فئات المجتمع.
وباستثناء حزب التجمّع اليمني للإصلاح الذي ساعده انتماؤه إلى تنظيم أكبر منه هو جماعة الإخوان المسلمين على التماسك وتجسيد ذلك إلى سيطرة فعلية على الأرض بسيطرته على محافظة مأرب شرقي العاصمة صنعاء والتصرّف بمقدّراتها، فقد عانت باقي الأحزاب بمختلف توجهاتها السياسية والإيديولوجية من قومية ويسارية وغيرها حالة من التراجع الشديد والانكماش في شعبيتها حتى تحوّلت إلى مجرّد تشكيلات نخبوية يكاد يتلخّص جمهورها في قادتها وبعض المقربين منهم.
وكانت العاصمة المؤقتة عدن قد احتضنت في مايو الماضي لقاء جمع القوى والمكونات السياسية اليمنية الداعمة للحكومة المعترف بها دوليا واتفقت على إنشاء تكتل عريض داعم للحكومة اليمنية. ومن الجانب الأممي أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أن مكتبه يستعد لإجراء مشاورات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. وقال في إحاطة له خلال جلسة أمام مجلس الأمن الدولي بنيويورك “يستعد مكتبي لإجراء المزيد من المشاورات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتعزيز رؤية لعملية سلام شاملة في اليمن. وحتى الآن ضمت هذه المشاورات مئات اليمنيين”.
ويأتي توجّه المبعوث الأممي نحو الأحزاب في إطار بحثه عن مدخل إضافي للسلام بعد أن تعطلت القنوات التي جرّبها إلى حدّ الآن، تاركة جهوده تدور في حلقة مفرغة حول المدخل الإنساني والاقتصادي للعملية السلمية المنشودة. وتحمّل قوى إقليمية ودولية جماعة الحوثي مسؤولية عرقلة جهود السلام بإصرارها على التصعيد من خلال هجماتها على خطوط الملاحة التجارية في البحر الأحمر.
ويبدو أنّ قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح تحاول الاستثمار في المزاج الدولي السلبي إزاء الحوثيين بتقديم الحزب قائدا للمعسكر المضادّ لهم، بعد أن كان الحزب نفسه قد بدأ مسار تواصل معهم داعيا بقية الأطراف اليمنية إلى التصالح معهم. وكان المنظور إلى الحرب في قطاع غزّة قد مثل نقطة التقاء بين الحوثيين والإخوان في اليمن، حيث حاول حزب الإصلاح مشاركة جماعة الحوثي الدعاية التي تجنيها من وراء ادعائها مساندة الفلسطينيين بالتعرّض للسفن التجارية في البحر الأحمر.
وزار وفد مشترك من قيادات الحوثي وقيادات الإصلاح بعد اندلاع حرب غزة بأسابيع مكتب حركة حماس في صنعاء العاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، وأعقبت ذلك دعاية من إعلام الطرفين قامت على أساس أن القضية الفلسطينية بصدد توحيد صفوف الفرقاء اليمنيين.
لكن تلك الزيارة لم تكن المظهر الوحيد لتواصل الإخوان في اليمن مع جماعة الحوثي، حيث ظهر قبل العضوان البارزان في حزب الإصلاح منصور الزنداني وفتحي العزب في صورة إلى جانب عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي علي القحوم في صنعاء، نشرها الأخير في حسابه بمنصة إكس وعلّق عليها بالقول “مع قيادات الإصلاح الوطنية لأجل بناء العلاقات والتنسيق المستمر والحوارات الداخلية”.
وصدرت عن الإخوان في اليمن مواقف داعمة للحوثيين في استهدافهم لخطوط الملاحة، رغم أنّ هؤلاء يفترض أنّهم من ألد أعدائهم، حيث قاموا بالاستيلاء على السلطة التي كانوا يشاركون فيها وطردوا القوات التابعة لهم من معظم مناطق سيطرتها في شمال اليمن، ومازالوا يحاولون انتزاع محافظة مأرب الغنية بالنفط من أيديهم.
وكانت القيادات الإخوانية تريد من ذلك الدعم مشاركة الحوثيين "شرف" الدفاع عن سكان قطاع غزة والوقوف إلى جانب حركة حماس في الحرب ضدّ إسرائيل، وكذلك استرضاء دول المحور الذي ينتمي إليه الإخوان. لكن نيل هذا "الشرف" لم يعد مجانيا مع المنزلق التصعيدي الذي وصلت إليه الأحداث في اليمن مع تكثيف الولايات المتحدة وبريطانيا لضرباتهما ضدّ الحوثيين، ما يفسر استدارة الإخوان في اليمن والتحول نحو تركيز الجهود على مغازلة المجتمع الدولي ومخاطبته بلسان الاعتدال والمسؤولية.