سياقات اقتصادية وسياسية وشعبية تغلف تذكير السيسي بخسائر قناة السويس
أعاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التذكير بالخسائر التي تعرضت لها قناة السويس جراء الاعتداءات الحوثية المتكررة على حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، في خطوة تهدف إلى التأكيد على أن تطورات الصراع الدولي في المنطقة تُلقي بظلالها على الاقتصاد المصري الذي يعاني مشكلات متتالية منذ سنوات.
وقال السيسي خلال مشاركته في حفل لتخريج دفعة جديدة من طلاب أكاديمية الشرطة، الأحد، إن قناة السويس فقدت أكثر من 50 في المئة إلى 60 في المئة من دخلها خلال الأشهر الماضية منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وإن الخسائر قدرت بأكثر من 6 مليارات دولار، مشيرا إلى “أن التطورات التي تحدث في المنطقة خطيرة للغاية وقد تؤدي إلى اتساع رقعة الصراع بشكل يؤثر على الاستقرار في المنطقة”.
ومنذ أن اندلعت حرب غزة عدّد السيسي في أكثر من مناسبة الخسائر التي تعرضت لها قناة السويس جراء استهداف الملاحة البحرية، لكن دون أن تتدخل مصر بشكل مباشر لإثناء الحوثيين عن وقف الهجمات، وتعاملت القاهرة مع المشكلة بمنظور أوسع عبر الإلقاء بثقلها الدبلوماسي في الوساطة بين إسرائيل وحركة حماس للوصول إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، وهو أمر لم يتحقق على الأرض بل إن الواقع يتجه نحو المزيد من التصعيد في ظل انخراط محور إيران بشكل أكبر في الحرب الدائرة.
وتتعامل دوائر مصرية مع أزمات قناة السويس وفقًا لسياقات مختلفة، لأنها تضع الخسائر المالية التي تتعرض لها في إطار تقديم الأسباب التي تقود إلى أزمات سيولة العملة الصعبة، وبالتالي انعكاسها على أوضاع الاقتصاد بوجه عام. وعلى مستوى السياق الشعبي تهدف إلى تأكيد أن المنطقة تعاني أوضاعا مضطربة يجب التعامل معها بالمزيد من التحمل ووفقَا للإمكانيات المتاحة.
وهناك سياق سياسي يتمثل في إرسال إشارات مفادها أن مصر يصعب عليها التحكم في وتيرة الصراع المتمدد حاليّا بين إسرائيل والجماعات التابعة لإيران، ومن الصعب ثني الميليشيات الحوثية عن هجماتها. وكذلك الوضع بالنسبة إلى إسرائيل التي ترفض وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وتَظهر هذه السياقات في خطاب السيسي الذي شدد فيه على “ضرورة تمسّك الشعب المصري بالثوابت الخاصة بالدولة المصرية”، متابعا “حريصون على أن نمارس سياسة تتسم بالتوازن والموضوعية. ودي (وهذه) سياسة مصر منذ سنوات”.
ولم يقلل الرئيس المصري هذه المرة من الأخطار التي تحيط بالدولة، قائلاً “في ظل الظروف الموجودة على الحدود الغربية والجنوبية وبقالنا (منذ) سنة على الحدود الشرقية والتطورات اللى (التي) تحدث.. هل ده يخلي شعب مصر قلق (هل يجعل هذا شعب مصر قلقا)؟”. واستطرد “بدون شك لازم نكون قلقانين (من دون شك علينا أن نقلق) لأن التطورات خطيرة جدا ويمكن أن تؤدي إلى اتساع رقعة الصراع”.
وقال اللواء حمدي بخيت، الخبير الإستراتيجي والعسكري، إن رسائل الرئيس السيسي تعكس خطورة الأوضاع في منطقة باب المندب المطلة على قناة السويس، لافتا إلى أن تلك المخاطر تعطي مصر حق الدفاع عن مصالحها، ولكن دون أي تهور ودون أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراع.
وردا على ما إذا كانت مصر ستقدم على تلك الخطوة أم لا، أوضح اللواء بخيت لـ”العرب” ًأن “القاهرة يحق لها الدفاع عن مصالحها بالطريقة التي تراها صحيحة وتتفق مع ثوابتها وأمنها القومي، وهذا يُترك لصانع القرار”.
وأضاف أن السيسي أراد أن يُبلغ الدول المعنية بالصراع، بمخاطر ذلك على الأمن الاقتصادي لمصر، ويحاول دعوة كل الأطراف -بما فيها إسرائيل والحوثيون- إلى الجلوس على طاولة التفاوض لإقناع الجميع بأن القوة لا تحل أي شيء بقدر ما تجلب كوارث على كل الأطراف.
ولفت إلى أن الرئيس المصري حاول إشراك الشارع المحلي في أبعاد الأزمة بمصارحته بانخفاض دخل قناة السويس وعوائدها المالية بما أضر بالاقتصاد، وهذا جزء من المكاشفة السياسية مع الرأي العام، لكن السيسي لا يبحث عن شماعة لتبرير الأزمة الاقتصادية، لأنه يتحدث عن واقع الكل يراه ويعيشه عن قرب.
ودفعت الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على السفن الغربية شركات شحن عالمية إلى تجنب المرور عبر البحر الأحمر وتغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وبلغت عائدات قناة السويس 10 مليارات دولار العام الماضي، لكنها شهدت تراجعا حادا خلال العام الجاري.
وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية عمرو الشوبكي إن مصر مازالت تعاني أزمة اقتصادية، وإن أحاديث الرئيس المتكررة حول المأزق الاقتصادي تأتي عبر استخدام رسائل مختلفة، وإن الحديث عن خسائر قناة السويس لا ينفصل عن الحديث المتكرر أيضاً حول التأثيرات السلبية للوافدين على الأراضي المصرية وهو ما ساهم في فتح قنوات اتصال مع الاتحاد الأوروبي الذي قدم دعما اقتصاديا للدولة المصرية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن رسائل السيسي مزدوجة إلى المجتمع الدولي وإلى الداخل أيضا، وأنه يهدف للفت الأنظار إلى التأثيرات السلبية على الدولة المصرية جراء التطورات في البحر الأحمر، ويرمي إلى الحث على ضرورة التحرك لإيجاد تسوية واتفاق لوقف إطلاق النار والتأكيد على أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة لم يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء فقط في قطاع غزة، وإنما أيضا دولة مهمة في الإقليم بحجم مصر تأثرت بشكل كبير، وهو ما يقود إلى تزايد مشكلاتها الاقتصادية.
وشدد على أن الرأي العام الداخلي لا يقتنع بأن أساس المشكلات الاقتصادية يأتي نتيجة المتغيرات الخارجية وأن الحكومة المصرية سبق وأن استخدمت هذا الخطاب في خضم انتشار فايروس كورونا وكذلك مع اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وهناك اقتناع بأن ما يحدث ناتج عن سياسات بعينها وعدم السماح بتنفيذ آليات السوق بشكل سليم.