ماذا يخبئ المستقبل لروسيا في أفريقيا

وكالة أنباء حضرموت

يرى محللون أن انخراط روسيا مع الدول الأفريقية سيساعد موسكو على دعم اقتصادها الحربي وتعزيز نفوذها السياسي والعسكري في مواجهة الغرب. لكن توسّع النشاط الجهادي في منطقة الساحل يخاطر بتقويض مساعي الكرملين في أفريقيا خلال السنوات المقبلة.

وقتل متمردو الطوارق من الإطار الإستراتيجي الدائم للدفاع عن شعب أزواد في مالي بين الخامس والعشرين والسابع والعشرين من يوليو، ما لا يقل عن 84 عضوا من مجموعة فاغنر شبه العسكرية الروسية، وأكثر من 47 من قوات الأمن المالية بالقرب من بلدة تينزاواتين الشمالية، حيث شكّل هذا واحدة من أكبر هزائم فاغنر في القارة.
ونُشرت المجموعة الروسية لأول مرة سنة 2018 في جمهورية أفريقيا الوسطى. ووسعت منذ ذلك الحين وجودها العسكري في القارة السمراء حيث شمل ليبيا والسودان ومالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وأشرف قائد فاغنر الراحل يفغيني بريغوجين لأول مرة على عمليات النشر المذكورة، ثم تولت وزارة الدفاع الروسية إلى حد كبير عمليات المجموعة في القارة إثر تمرد بريغوجين الفاشل على موسكو في يونيو 2023.

انخراط روسيا مع أفريقيا سيساعدها على دعم اقتصادها الحربي وتعزيز نفوذها السياسي في مواجهة الغرب

وخدمت عمليات نشر مجموعة فاغنر في أفريقيا مصلحة الكرملين حتى قبل وفاة بريغوجين، عبر مساعدة الأنظمة المعادية للغرب على توطيد سلطتها.

ووسعت روسيا في الأثناء نشاطها الدبلوماسي في القارة، ووقّعت مجموعة واسعة من اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتقني التي تركز على الطاقة والموارد الطبيعية والبنية التحتية. كما بث الكرملين سلسلة من حملات المعلومات والتضليل في القارة بهدف تأجيج تصاعد المشاعر المعادية للغرب وتعزيز صورة روسيا بين السكان الأفارقة.

ونشرت روسيا ما يتراوح بين 5 و7 آلاف مقاتل من الأفراد شبه العسكريين في أفريقيا. ويوجد 1800 جندي في ليبيا، و1500 – 2000 في جمهورية أفريقيا الوسطى، و1600 في مالي، و100 – 200 في بوركينا فاسو، و100 مدرب عسكري في النيجر.

ويبقى عدد قوات فاغنر في السودان غير واضح. لكن التقديرات الأخيرة تشير إلى أن للمجموعة حوالي 100 جندي في البلاد.

وجاء في تقرير نشره موقع ستراتفور أن أحد أهداف الكرملين المركزية في أفريقيا يكمن في دعم الاقتصاد الروسي في زمن الحرب عبر تطوير مصادر دخل مقاومة للعقوبات ومعالجة النقص في العمالة المحلية. ومن شأن هذا أن يضع موسكو في وضع أفضل لمواجهة مطولة مع أوكرانيا والغرب.

وواجهت روسيا موجة من العقوبات الاقتصادية الغربية التي حرمتها من الوصول إلى تدفقات الإيرادات الرئيسية بعد غزوها لأوكرانيا سنة 2022. وقوض هذا قدرة موسكو على شن حرب ضد أوكرانيا.

ورحب العديد من القادة الأفارقة بجهود روسيا لتوسيع التعاون الاقتصادي رغم الانتقادات الغربية. وسيساهم توسع التجارة بين روسيا وأفريقيا الإضافي في تنفير جل دول القارة عن فرض عقوبات اقتصادية على روسيا.

وسيسمح هذا للكرملين بالتخفيف من تأثير العقوبات الغربية عبر فتح أسواق جديدة للشركات الروسية، وبناء سلاسل توريد واقية من العقوبات، وتسهيل وصول الشركات الروسية إلى ولايات قضائية إضافية للتهرب من العقوبات. كما تشمل جهود روسيا لخلق مصادر دخل جديدة في أفريقيا دفعة أكبر لتوسيع حصتها في قطاع التعدين في القارة، مع تركيز أشد على المعادن الثمينة. كما تواصل وكالات التوظيف الروسية جذب الآلاف من العمال الأفارقة المهرة وغير المهرة في محاولة لسد النقص في العمالة المحلية المرتبط بجهود تعبئة الحرب الروسية ومشكلة هجرة الأدمغة المتزايدة.

ومن المرجح أن يضاعف ارتفاع الهجرة الأفريقية التوترات الاجتماعية في روسيا. لكنه سيساعد الكرملين على خفض الضغط التضخمي في القطاعات الرئيسية مثل الزراعة والتصنيع والبناء.

وبينما لن تمحو العلاقات الاقتصادية بين روسيا وأفريقيا كل الآثار الاقتصادية التي تخلقها الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية، يبقى من المرجح أن تساعد موسكو في دعم اقتصاد الحرب بما سيضع الكرملين في وضع أفضل لمواجهة طويلة الأمد مع الغرب.

وأبرمت روسيا العديد من الصفقات لتطوير الطاقة النووية المدنية في البلدان الأفريقية، وتقود شركة الطاقة النووية الروسية الحكومية “روس آتوم” بناء محطة الضبعة النووية بمصر بالفعل.

كما أن أسطول الظل الروسي الكبير، الذي تعتمده موسكو للتهرب من سقف أسعار النفط في مجموعة السبع، فاعل في البلدان الأفريقية، بما في ذلك الغابون والكاميرون وجزر القمر وموزمبيق.

وتُبرز بيانات منصة التوظيف الروسية هيد هانتر غروب أن عدد الوظائف الشاغرة للعمال الأفارقة ارتفع عشرة أضعاف على أساس سنوي بين النصف الأول من 2023 و2024، مع ارتفاع عدد الوظائف الشاغرة للعمال الكينيين من 161 إلى حوالي 6400 خلال الفترة نفسها.

أحد أهداف الكرملين المركزية في أفريقيا يكمن في دعم الاقتصاد الروسي في زمن الحرب عبر تطوير مصادر دخل مقاومة للعقوبات ومعالجة النقص في العمالة المحلية

ولا تزال هجرة العمل تُقدّر بالمئات في جل البلدان الأفريقية الأخرى. ويشير الاتجاه الحالي إلى أن لروسيا القدرة على جذب عشرات الآلاف من العمال الأفارقة خلال السنوات القليلة المقبلة.

ويعد تواجد روسيا في أفريقيا محوريا لمنافسة الكرملين مع الغرب في الجنوب العالمي. وقد يمكّن هذا موسكو من تعزيز قدراتها على استعراض القوة في المحيطين الهندي والأطلسي على المدى المتوسط والطويل.

ويستفيد الكرملين من الروايات المناهضة للإمبريالية لتقويض المصالح الغربية في أفريقيا وعبر الجنوب العالمي، حيث يندرج هذا ضمن طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتحدي النظام العالمي الذي يزعم أن الغرب يقوده.

ومكنت هذه الدفعة الأيديولوجية روسيا من إحباط الجهود الغربية لعزلها دبلوماسيا ردا على غزوها لأوكرانيا، خاصة مع مواجهة العديد من القادة الأفارقة ضغوطا سياسية داخلية للحفاظ على علاقات ودية مع موسكو والنأي بأنفسهم عن الغرب.

ومن المرجح أن يستفيد الكرملين من نفوذه في القارة للمضي قدما في محاولات التدخل السياسي في الدول الأفريقية الصديقة للغرب خلال السنوات القادمة. ويمكن أن تشمل الأهداف الرئيسية للتدخل السياسي الروسي في القارة سنة 2025 كوت ديفوار والكاميرون خاصة، حيث يبدو أن كلا البلدين سيواجهان انتخابات رئاسية مزعزعة من المتوقع أن يترشح فيها القادة المسنون الذين تجمعهم علاقات وثيقة بفرنسا.

وتشمل الأهداف البارزة الأخرى لحملات زعزعة الاستقرار الروسية الرئيس الكيني وليام روتو الذي صوّر نفسه حليفا رئيسيا للولايات المتحدة لكنه يواجه معارضة شعبية متزايدة. كما من المرجح أن يشمل نفوذ موسكو المتزايد في أفريقيا جهودا لتأمين نقاط وصول بحرية في القارة، كما حدث في السودان مؤخرا، لتعزيز قدرة روسيا على إبراز قوتها على مستوى العالم.

ومن المرجح أن تركز روسيا هذه الجهود على غرب أفريقيا الساحلية على المدى القصير إلى المتوسط. وسيمكّن هذا الكرملين من تأمين الطرق اللوجستية من منطقة الساحل إلى المحيط الأطلسي وتخفيف القيود التشغيلية التي تواجه عمليات مجموعة فاغنر في منطقة الساحل.

وأثار رفض الرئيس الإيفواري الحسن واتارا التعليق على ما إذا كان سيخوض الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2025 وغياب خلف واضح له تكهنات بأن الرئيس البالغ من العمر 82 عاما سيترشح لولاية رابعة وهو ما قد يشعل اضطرابات سياسية كبيرة.

وعزز الرئيس الكاميروني بول بيا البالغ من العمر 91 عاما علاقاته مع روسيا على مدى العقد الماضي، مع الحفاظ على علاقاته الوثيقة مع فرنسا. لكن غياب الاستقرار السياسي المرتبط بالانتخابات الرئاسية في الكاميرون المقررة سنة 2025 قد يمكّن موسكو من توسيع نفوذها في البلاد التي تلعب دورا لوجستيا مهمّا في عمليات مجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى.

وأكدت القوات المسلحة السودانية في أواخر مايو أنها ستسمح لموسكو بإنشاء نقطة إمداد بحرية بالقرب من بورتسودان مقابل الدعم العسكري.

ومن المرجح أن تحاول روسيا توظيف الهجرة من أفريقيا لتكون سلاحا ضد الاتحاد الأوروبي.

ويخاطر هذا بتسريع صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وقد يدفع الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف إلى خفض الدعم لأوكرانيا.

وتعد البيئة الأمنية المتدهورة في منطقة الساحل عاملا رئيسيا في النزوح الداخلي والهجرة من المنطقة.

ولروسيا وحليفتها بيلاروسيا تاريخ في استخدام الهجرة غير الشرعية سلاحا ضد الاتحاد الأوروبي.

ويشير هذا إلى أن الكرملين سيستفيد على الأرجح من نفوذه في منطقة الساحل لتغذية تدفقات الهجرة المتزايدة إلى أوروبا.

وبينما كانت موسكو حريصة على مساعدة الأنظمة الصديقة في المنطقة على توطيد سلطتها، تشير نية روسيا الواضحة لتغذية الهجرة إلى أوروبا إلى أن الكرملين لا يتمتع بأي مصلحة في تخصيص المزيد من الموارد لتحقيق الاستقرار في المنطقة، لأن ذلك قد يقلل من عوامل دفع الهجرة في أفريقيا.

ومن المرجح كذلك أن يشجع الكرملين دول الساحل على اعتماد نهج أقل تعاونا مع الاتحاد الأوروبي بشأن قضايا الهجرة، كما شهدنا مع إلغاء النيجر قانونا يجرّم نقل المهاجرين إلى حدود البلاد الشمالية مع الجزائر وليبيا في ديسمبر 2023. كما يمكن أن تستغل روسيا وجودها العسكري في منطقة الساحل وليبيا لدعم أنشطة شبكات تهريب المهاجرين.

ويشير كل هذا إلى أن لروسيا القدرة على تغذية تدفقات الهجرة المتزايدة نحو أوروبا، بما قد يرفع التكاليف التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في تأمين تعاون دول شمال أفريقيا بشأن قضايا الهجرة. كما قد يساهم صعود ضغط الهجرة على حدود الاتحاد الأوروبي الجنوبية في تأجيج المشاعر المتزايدة المناهضة للهجرة في التكتل.

وقد يرفع هذا المزيد من الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة في أوروبا. وإذا اكتسب المزيد من الأحزاب اليمينية المتطرفة نفوذا على المستوى الوطني، فقد يزيد الاتحاد الأوروبي تدريجيا من ضغطه على أوكرانيا للدخول في محادثات سلام مع روسيا، وقد يخفف الدعم المالي والعسكري لكييف، مما قد يضع موسكو في وضع يمكنها من تأمين نتيجة إيجابية للحرب.

ويقال إن مجموعة فاغنر تحافظ على اتصال وثيق مع عصابات التهريب في ليبيا. كما ساعد الجيش الوطني الليبي (الذي تربطه علاقات قوية بالكرملين) مهربي المهاجرين بمنحهم تصريحا أمنيا.

لكن المزيد من التقدم الذي حققته الجماعات الجهادية في منطقة الساحل سيجبر الكرملين على الاختيار بين المضي قدما في حشد كبير للقوات في المنطقة أو المخاطرة بانهيار أبرز حلفائه في أفريقيا، رغم المكاسب الدبلوماسية التي حققتها روسيا مؤخرا في القارة.

وبينما تتماشى إستراتيجية روسيا منخفضة التكلفة في منطقة الساحل مع مصالح الكرملين الإستراتيجية تجاه أوروبا، لم يعوض تقديمها الحالي للدعم العسكري لمالي والنيجر وبوركينا فاسو عن خروج فرنسا والولايات المتحدة من المنطقة.

وخلّف ذلك فراغا أمنيا كبيرا في منطقة الساحل استغلته جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة وولاية الساحل التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية من خلال توسيع النطاق الجغرافي لهجماتهما بشكل كان ملحوظا في 2023. كما يبدو من المرجح أن تحافظ كلتا الجماعتين على زخمهما في السنوات القليلة المقبلة.

ويهدد أي تقدم إقليمي تحرزه الجماعتان بزعزعة استقرار المجالس العسكرية الصديقة لروسيا من خلال إثارة محاولات انقلاب جديدة.

ويمكن أن يؤدي هذا الوضع في النهاية إلى إطاحة المسلحين الجهاديين بالحكام العسكريين على المدى المتوسط إلى الطويل.