نتنياهو يخلق أزمة مع مصر من أجل حثها للضغط على حماس

وكالة أنباء حضرموت

تعاملت القاهرة بهدوء مع مصادقة مجلس الوزراء الأمني في إسرائيل على خرائط تحدد بقاء الجيش في محور فيلادلفيا على الحدود بين قطاع غزة مع مصر، مؤكدة تمسكها بموقفها السابق الرافض للقبول بوجود هذه القوات، والتي تنطوي على عدم استعداد لإيجاد حل مناسب وسريع لوقف إطلاق النار في غزة.

وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ قرار سياسي رسمي من مجلس الوزراء الإسرائيلي للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) بشأن وضع خطوط عريضة لشروط الاتفاق المتعثر حول إطلاق سراح الرهائن وعودة الهدوء إلى القطاع.

وأكدت صحيفة “جيروزاليم بوست” الجمعة، الموافقة على الخطوة بعد تأييد أغلبية من ثمانية وزراء، وصوّت ضدها فقط وزير الدفاع يوآف غالانت، بينما كان من المثير امتناع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عن التصويت.

وتم رسم خرائط من جانب الجيش الإسرائيلي، وتبنتها الولايات المتحدة كجزء من مقترح صفقة رهائن، لكن مصر وحركة حماس أعلنتا التمسك برفض بقاء أيّ قوات إسرائيلية في محور فيلادلفيا، وكذلك معبر رفح.

وتمثل هذه الموافقة مطبا جديدا في سلسلة العراقيل التي يضعها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من أجل عدم الوصول إلى صفقة إلا بشروط يرتضيها، وتحقق له جزءا من أهدافه الحيوية التي أعلنها عند اندلاع الحرب في غزة.

ويعتقد فريق التفاوض الإسرائيلي المكون من قيادات كبيرة بالأجهزة الأمنية أن التمسك باستمرار الوجود على الحدود المصرية قد يمنع التوصل إلى اتفاق مع حماس، ما يفتح الباب لغضب مصري، ويضاعف من تصعيد التوتر في العلاقات مع القاهرة.

وزعم وزراء في الحكومة الإسرائيلية خلال اجتماع عُقد مساء الخميس أن القرار يجعل إمكانية التوصل إلى اتفاق أكثر جدوى وفائدة لأمن إسرائيل، وأن حماس ستضطر للتنازل عن المحور، على غرار تنازلها في مطلبها بإنهاء الحرب.

وشددت حماس على ضرورة أن تشمل صفقة الأسرى مع إسرائيل وقفا تاما لإطلاق النار في غزة، غير أن الجولة الأخيرة التي عقدت في القاهرة رشحت معلومات عنها أفادت بعدم تمسك الحركة بهذا الشرط، ما عزز رهانات نتنياهو على أن القوة العسكرية والتمسك بالمطالب المعلنة يفرضان على حماس تقديم تنازلات كبيرة.

ويهدف نتنياهو من وراء البقاء والتمركز في محور فيلادلفيا إثبات أن هناك أسلحة تدخل من الأراضي المصرية عبر أنفاق لم يتم إحكام السيطرة عليها جيدا، على الرغم من أن القاهرة أكدت أن الأنفاق التي أعلنت إسرائيل تدميرها من جهة المحور لا توجد لها فتحات على الناحية الأخرى في سيناء، ويريد إثبات أن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وقعت لأن إسرائيل لم تسيطر على فيلادلفيا.

ويدعم التمسك بوجود قوات إسرائيلية في المحور حجج نتنياهو في هذا المضمار، ويخلق منغصا ويصدر مشكلة لمصر تحولها من وسيط إلى طرف في أزمة معقدة، بالتالي دفعها لممارسة ضغوط على حماس للقبول بتقديم تنازلات في ملفات أخرى.

وقال المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية التابعة للجيش المصري اللواء عادل العمدة إن القاهرة مصرة على موقفها الرافض لوجود القوات الإسرائيلية بمحور فيلادلفيا، وهو موقف لن يتم التراجع عنه، وإن هذا الموقف ينطلق من توافق مع حلفاء مصر والوسيطين الآخرين، وهما قطر والولايات المتحدة، وهو شرط لإنجاز أيّ تفاهمات تتعلق بوقف إطلاق النار في القطاع.

وأوضح في تصريح لـ"العرب" أن نتنياهو يمضي في التعنت لإطالة أمد الحرب لأطول فترة ويعمل على اتخاذ قرارات تضمن استمرارها، بدءاً من إصراره على البقاء في فيلادلفيا مروراً بالتصعيد في الضفة الغربية، وقبل ذلك محاولاته القوية لتوسيع نطاق الحرب مع إيران وحزب الله اللبناني لتحقيق مصالحه الشخصية، وسط دعم أميركي يظهر في عدم القدرة للضغط عليه لوقف الحرب.

وأشار إلى أن مصر ترفض التصعيد الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتُصر على أن يكون الحل من خلال المفاوضات المكثفة وإقناع المجتمع الدولي بالضغط على نتنياهو لتغيير مواقفه، وقطع الطريق على مساعيه لانتظار وصول إدارة أميركية تأتي بالرئيس دونالد ترامب للتهرب من حل الدولتين.

◙ مصر ترفض التصعيد الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي وتُصر على أن يكون الحل يكون بإقناع المجتمع الدولي للضغط على نتنياهو لتغيير مواقفه

ولفت اللواء عادل العمدة في حديثه لـ"العرب" إلى أن الدخول في صراعات عسكرية مباشرة ليس في صالح أحد حاليا، ما يمنح أولوية لتكثيف المفاوضات في اتجاهات مختلفة، أملا في التوصل إلى وقف لإطلاق النار يوقف سيناريوهات نتنياهو البغيضة. ولم تحقق الجولة الأخيرة من المحادثات في القاهرة بين المسؤولين الكبار الذين مثلوا الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل وقطر، وبصورة غير مباشرة حماس، اختراقا في أيّ من الملفات المطروحة عليها، وأبرزها محور فيلادلفيا.

وطرحت الولايات المتحدة في جولة القاهرة بدائل لوجود القوات الإسرائيلية على فيلادلفيا وممر نتساريم الذي يمر عبر وسط غزة، لكن إسرائيل وحماس لم تقبلاه. وقال مراقبون إن الولايات المتحدة تنحاز إلى إسرائيل في الموقف من وجود قوات في فيلادلفيا، وهو ما طرحته على القاهرة في المحادثات الأخيرة، غير أنها تلقت ردا رافضا لهذا الاتجاه، والذي قد يكون مقدمة لمطالب جديدة لنتنياهو تبعده عن الصفقة.

وأضاف هؤلاء المراقبون أن مصر قد تقبل بوجود قوات رمزية في نقاط محددة على المحور ولمدة قصيرة، شريطة أن يقدم نتنياهو تنازلات تسهّل التوقيع على الصفقة ووقف دائم لإطلاق النار، لكن مع قرار "الكابينت" الأخير اختلقت الحكومة أزمة قد يحتاج تفكيكها إلى المزيد من الوقت، والدخول في مناوشات مع أطراف عديدة.

وهاجمت عائلات الأسرى الإسرائيليين، الجمعة، قرار المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) بشأن بقاء الجيش في فيلادلفيا، متهمة نتنياهو بأنه "لا يفوّت فرصة للتأكد من عدم التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع حماس". ومحور أو ممر فيلادلفيا يسمى أيضا في الأدبيات الفلسطينية صلاح الدين، وهو شريط على الحدود بين جنوب قطاع غزة وشمال سيناء يبلغ طوله 14.5 كيلومتر.