"ليّ العصا" يشتد بين وادي السيليكون والاتحاد الأوروبي

وكالة أنباء حضرموت

تتوقع شركات التكنولوجيا الأميركية أن ابتكارات الذكاء الاصطناعي التي تطورها ستغير حياة الناس حول العالم، لكن هذه الوعود تواجه عراقيل قانونية بالنسبة إلى سكان أوروبا بحسب وكالة بلومبيرغ.

ولن يحصل الأوروبيون، أقلّه راهناً، على أحدث الميزات التي يجلبها أيفون من شركة أبل كما استثنت “ميتا بلاتفورمز” القارة الأوروبية من طرح نموذجها الأقوى للذكاء الاصطناعي.

وتأتي الإجراءات بعد الجدل الذي أثاره الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي” سام ألتمان حين صرّح أن شركته قد تنظر في مغادرة أوروبا، إن تعذّر تعايشها مع القواعد التي تنظم الذكاء الاصطناعي هناك.

وتراجعت “أوبن إيه آي” عن تصريحات الرئيس التنفيذي لاحقاً، وهي مستمرة بالعمل بشكل طبيعي في الدول الأوروبية، حالها في ذلك حال معظم شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية، لكن قرار أبل وميتا تأجيل طرح بعض المنتجات الأساسية كان تصعيداً مقلقاً للنزاع القائم بين وادي السيليكون والاتحاد الأوروبي.

وتحرص الشركات الأميركية على تصوير انتقاداتها على أنها ليست اعتراضا على القوانين الناظمة ككل، بل على ما قالت ميتا إنه “تقلّبات في البيئة الناظمة في أوروبا”، وفي ما تحذّر الشركات من أن صانعي السياسات الأوروبيين يهددون بعرقلة تطور تقنيات تحمل منافع هائلة، يرى مسؤولون أوروبيون أن التهاون قد يفاقم أضراراً نجمت أصلاً عن هيمنة وادي السيليكون على قطاع التقنية العالمي.

الشركات الأميركية تحذر من أن صانعي السياسات الأوروبيين يهددون بعرقلة تطور تقنيات حديثة تحمل منافع هائلة

ويصعب التكهن ما إذا كانت المواجهة الحالية مع أوروبا ستنقضي كخلاف هامشي أو أنها ستكون بداية نهاية حالة وجود إنترنت يشمل أرجاء الغرب كله.

وينغّص قانون حماية الخصوصية الأوروبي الشامل، والمعروف باسم “اللائحة العامة لحماية البيانات” على شركات التقنية الأميركية منذ سنوات. وزادت التحديات هذا العام مع دخول ثلاثة قوانين جديدة حيز التنفيذ، فمنحت الاتحاد الأوروبي سلطة أكبر في التصدي لعمالقة التقنية.

ويستهدف “قانون الأسواق الرقمية” السلوكيات التي يعتبر الاتحاد الأوروبي أنها تقوّض المنافسة، مثل منح المنصات التقنية الأفضلية لخدماتها الخاصة، أو دمج البيانات الشخصية عبر خدمات متعددة، في ما يتضمن “قانون الخدمات الرقمية” مجموعة قواعد تهدف إلى حثّ المنصات التقنية على تعزيز دفاعاتها ضد المحتوى غير القانوني والضار.

أما “قانون الذكاء الاصطناعي”، فيحظر أو يقيّد استخدامات الذكاء الاصطناعي التي يصنّفها بأنها عالية الخطورة، ويفرض قواعد شفافية على نماذج الذكاء الاصطناعي القوية المخصصة للاستخدامات العامة.

وأعلنت أبل في يونيو أنها ستوقف طرح مجموعة برامجها  الجديدة “أبل إنتلجنس” في أوروبا، معلّلة قرارها بأن “قانون الأسواق الرقمية” يجبرها على تقديم تنازلات أمنية تراها غير مقبولة. ولم يستجب متحدث باسم الشركة لطلب للتعليق.

واتخذت ميتا خطوة مشابهة حين أجّلت إصدار النسخة الجديدة من نموذج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر “لاما”، الذي يمكن للمطورين والشركات تنزيله وتعديله بحرية. وأشارت الشركة إلى أن هذا القرار جاء بعد أخذ وردّ مع الهيئات الناظمة بشأن احتمال أن تخترق خططها لاستخدام بيانات تحصل عليها من الحسابات العامة على فيسبوك وإنستغرام في أوروبا لتدريب “لاما” قوانين الخصوصية في القارة.

وبعد شهر من إبلاغ ميتا المسؤولين عن خططها، طلبت منها الهيئات الناظمة التوقف، وأرسلت لها أكثر من 270 سؤالاً حول كيفية التزام هذه الخطة بقانون حماية البيانات الأوروبي. وقررت ميتا ببساطة التخلي عن المنتج بدل أن تجيب على تلك الأسئلة.

كما خاض إيلون ماسك هو الآخر مواجهات مع الاتحاد الأوروبي، حيث أجبرت السلطات قبل فترة قصيرة منصته إكس على التوقف عن جمع بيانات المستخدمين الأوروبيين لاستخدامها في “غروك” وهو نموذج الذكاء الاصطناعي لديها.

قيود على الابتكار
بعض الأوروبيين يرون في ما يجري دليلاً على مدى اعتماد الابتكار والتنافسية والمصالح الأمنية في أوروبا على التقنية الأميركية

حتى الآن، تبدو التبعات المباشرة سواء على شركات التقنية أو الاقتصادات الأوروبية محدودة. فالمنتجات المعنية لم تبدأ بعد في تعزيز مبيعات أجهزة أيفون أو الإعلانات عبر منصة إكس أو نظارات الواقع الافتراضي من ميتا.

وتراهن الشركات على أن التقدم المستقبلي على صعيد هذه التقنية أو أقلّه جاذبية هذا التقدم، سيكون كبيراً جداً بحيث تضطر السلطات الأوروبية لتخفيف الضوابط التنظيمية. فرغم دخول قانون الذكاء الاصطناعي في أوروبا حيز التنفيذ هذا الصيف، إلا أن الشركات المتأثرة به تقول إنه لم تتضح لها بعد طريقة تطبيق أحكامه وضوابطه.

ويعاني الاقتصاد الأوروبي منذ سنوات من معدلات نمو أبطأ مقارنة بالاقتصاد الأميركي. وقد بدأ البعض في قطاع التقنية بالولايات المتحدة باستخدام مصطلح “تأثير بروكسل”، الذي كان يشير أصلاً إلى كيفية تحوّل سياسات أوروبا إلى معايير عالمية، ليعبر الآن عن تسبب القوانين الناظمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي في تباطؤ اقتصاد القارة.

وفي مقابلة حديثة مع “بلومبيرغ أوريجينالز”، حذّر مارك زوكربيرغ، رئيس ميتا التنفيذي، من أن الإفراط في فرض قيود ناظمة على الذكاء الاصطناعي “قد يكبح الابتكار”، محذراً من أن “كثيراً من الشركات قد تتجنب إطلاق منتجاتها في أوروبا”.

ولقي رفض إطلاق منتجات في أوروبا ترحيباً من البعض، والذين اعتبروا أن وادي السيليكون وضع أخيراً حداً في مواجهة الاتحاد الأوروبي. وقال كارل سزابو، نائب الرئيس والمستشار العام لمجموعة “نت تشويس” الناشطة في قطاع التقنية، وتموّلها شركات مثل ميتا و”غوغل”، “من الجيد أن نرى أن الشركات الأميركية لا تسمح للمشرعين الأوروبيين بتخويفها”، في ما نشر سام لسين، أحد المسؤولين التنفيذيين الأوائل في فيسبوك، تعليقاً عبر الإنترنت قال فيه “ربما ما عاد يجب أن تستخدم أوروبا الإنترنت الأميركي”.

تفوّق أميركي 
قانون حماية الخصوصية الأوروبي الشامل ينغّص على شركات التقنية الأميركية منذ سنوات

يؤكد الاتحاد الأوروبي أنه يهدف إلى تحقيق توازن بين تعزيز الابتكار وحماية حقوق المواطنين. وأعربت مارغريت فيستاغر، رئيسة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي في فعالية أُقيمت قبل مدة في أمستردام عن ارتياحها لقرار أبل بتأجيل إطلاق مجموعة برامج  “أبل إنتلجنس”.

كما دعت شركات التقنية لدراسة ما إذا كانت منتجات الذكاء الاصطناعي التي تطورها تتوافق مع قواعد مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن قادة أبل سيحتاجون “إلى طرح هذا السؤال على أنفسهم وإيجاد الإجابات” قبل تحديث برامج “أبل إنتلجنس” لتتناسب مع أوروبا.

ويرى بعض الأوروبيين في ما يجري دليلاً على مدى اعتماد الابتكار والتنافسية والمصالح الأمنية في أوروبا على التقنية الأميركية. وقال كزافييه نيل، الملياردير الفرنسي في مجال الاتصالات، إن “الإجراءات التي اتخذتها أبل وميتا دليل إضافي على حاجتنا إلى ذكاء اصطناعي أوروبي”. وقد دعم نيل عدة شركات ناشئة فرنسية تعمل على تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهو من المستثمرين في شركة “ميسترا” منافسة ميتا الرئيسية في إنتاج النماذج مفتوحة المصدر.

ويبدو للوهلة الأولى أن الشركات الناشئة المحلية قد تستفيد من غياب منتجات الذكاء الاصطناعي الأميركية عن أوروبا، ولو لبعض الوقت، كي تعزز حضورها في السوق، لكن على أرض الواقع ما يزال قطاع الذكاء الاصطناعي في أوروبا متأخراً كثيراً عن نظيره الأميركي من حيث التطور التقني واتاحة رأس المال.

ولقد أبدى بعض الخبراء المحليين قلقهم من أن انسحاب ميتا على وجه الخصوص قد يعيق تقدم القارة، بما أن الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي هي الأكثر استفادة من توفر نموذج “لاما”، الذي يمكن أن تستخدمه كأساس لتقنياتها الخاصة.

وقال جوليان لوناي، المؤسس المشارك لشركة “أدابتيف إم إل” الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي ولها مقرات في باريس ونيويورك “لا توجد نماذج مشابهة حالياً”، وحذر من أن عدم توفر “لاما” سيكون “كارثياً على بيئة الاتحاد الأوروبي”.