الحكومة اليمنية تطوق تداعيات سياسية غير متوقعة للهجوم الدامي في أبين
تطلّب إصدار وزارة الأوقاف والإرشاد في حكومة رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك تعميما لخطباء المساجد بإدانة الهجوم الدامي الذي استهدف الجمعة الماضية قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظة أبين الانتظار حوالي أربعة أيام، ما جعل جهات يمنية تتحدّث عن ظروف سياسية طارئة وقفت خلف إصدار التعميم في هذا التوقيت المتأخر.
وقال مصدر سياسي من العاصمة المؤقتة عدن إن ما حدا بالوزير محمد بن عيضة شبيبة لإصدار التعميم هو تصاعد الجدل حول الهجوم المنسوب إلى تنظيم القاعدة والذي استهدف الجمعة الماضية ثكنة عسكرية في مديرية مودية بأبين وأوقع أكثر من ثلاثين ضحية بين قتلى وجرحى، وتدرّج ذلك الجدل ليتحوّل إلى اتهامات صادرة عن شخصيات ومنابر إعلامية جنوبية وموجّهة إلى أطراف داخل الشرعية اليمنية بـ”التواطؤ” مع الإرهاب وفي أدنى الحالات بـ”استحسان” عملياته المستهدفة للانتقالي الجنوبي ولقواته، وفق ما أوردته تلك الشخصيات والمنابر.
ووجه الوزير في تعميمه “عموم مكاتب الأوقاف والإرشاد في المحافظات وخطباء المساجد والدعاة والمرشدين بإدانة الحادثة الغادرة على القوات المسلحة في مودية والدعوة إلى الإعلاء من قيمة الحياة والتأكيد على حرمة الدماء المعصومة”.
غضب أنصار الانتقالي الجنوبي تدرّج إلى اتهام أطراف في الشرعية بالتواطؤ مع الإرهاب واستساغة عملياته
ودعا إلى “التحذير في خطب الجمعة وعبر منابر التوجيه والإرشاد من مغبة المضي في طريق الضلال والعنف واستباحة الدماء المعصومة، كون ذلك من كبائر الذنوب والإفساد في الأرض ومن الظلم الذي حرّمه الله على نفسه وجعله محرّما بين عباده”.
ونوّه “إلى ضرورة الاصطفاف مع مؤسسات الدولة لإنفاذ القانون وتحقيق الأمن وإقامة العدل واحترام الحقوق وفي مقدمتها الحق في الحياة وفي سلامة الإنسان الجسدية والمعنوية ورفض المساس بكرامته”.
كما وصف الوزير ضحايا التفجير الانتحاري في أبين بـ”الشهداء الأبرار الذين ارتقوا في ميادين الشرف”، ودعا بـ”الشفاء العاجل للجرحى”.
وعكس هذا الخطاب الحكومي الرسمي بشأن الحادثة الدامية رغبة في التهدئة، بعد ما دار حولها من خطاب تصعيدي واتّهامات بعضها صريح وبعضها مبطّن.
وكتب الناشط السياسي الجنوبي خالد سلمان عبر حسابه في منصّة إكس معلّقا على هجوم تنظيم القاعدة في أبين بالقول “إن كانت الحكومة شريكة حقا في مكافحة الإرهاب، فلتغلق معسكراته الممولة من ميزانية وزارة الدفاع لتفضّ تداخله مع الجيش الرسمي، ولتسلم المطلوبين للعدالة بتهم تفجيرات واغتيالات عدن، ولترفع الغطاء عن حشودات العصابات التكفيرية، وتلغي شرعنتها بقرارات رسمية للواء حمود المخلافي الذي يتبع الجهاز الخاص أو ما يسمى بجهاز المعلومات للإخوان المسؤول عن التصفيات والاختطافات والسجون السرية والذي منحته وزارة الدفاع مسمى لواء النصر، إلى معسكر أمجد خالد، إلى محور الجبولي، ولتدر الخلافات السياسية مع الانتقالي بأدوات السياسة، لا بالترويع والتفجير والقتل والخلايا النشطة والنائمة”.
وأضاف “اليوم ثلاثون قتيلا في أبين، ثلاثون جثة وأشلاء جرحى، ثلاثون دار عزاء وأم مكلومة وأم ثكلى، وأطفال ينتظرون أبا لن يعود، اليوم ثلاثون قتيلا وجريحا والحكومة مبتهجة لا تدين المذبحة”.
وفي نبرة اتهام صريحة قال سلمان “بالفم الملآن وبكل حزنِ مدنِ الجنوب نعلن: الحكومة، مع أو من دون الحوثي، راعية إرهاب مموه وشريكة قتل وغطاء قاتل”.
أما الكاتب والمحلل السياسي الجنوبي ثابت حسين صالح فدعا “القيادة العسكرية والسياسية الجنوبية لأن تعيد النظر في تموضع وكفاءة وجاهزية ويقظة الوحدات التي هي في تماس مباشر مع أوكار تنظيم القاعدة الذي أصبح في تخادم مكشوف مع كل خصوم الجنوب بحوثييهم وإخوانهم وأعوانهم”.
ويمثّل جماعةَ الإخوان المسلمين داخل الشرعية اليمنية حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو على خصومة كبيرة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يعتبره عدوا لمشروعه الأساسي المتمثّل في استعادة دولة الجنوب المستقلّة.
وكثيرا ما وجّهت جهات مقرّبة من المجلس اتهامات لحزب الإصلاح بالتطرف وممارسة الإرهاب وربط صلات مع جماعاته لاسيما تنظيم القاعدة الذي نسب إليه هجوم الجمعة الماضية في أبين.
كثيرا ما وجّهت جهات مقرّبة من المجلس اتهامات لحزب الإصلاح بالتطرف وممارسة الإرهاب وربط صلات مع جماعاته لاسيما تنظيم القاعدة الذي نسب إليه هجوم الجمعة الماضية
ولمّح الخبير العسكري ثابت حسين من جهته إلى وجود توجّهات سياسية معيّنة تحكم عمليات تنظيم القاعدة في جنوب اليمن قائلا “لم نسمع أن التنظيم يقوم بعمليات سوى استهداف القيادات والوحدات الجنوبية وهذا ما يجب دراسته جيدا”.
وأضاف متحدّثا لوكالة سبوتنيك الروسية “العمليات التي يقوم بها تنظيم القاعدة لا تتم إلا في مواجهة القوات الجنوبية وهذا هو بيت القصيد الذي يؤكد أن هذا التنظيم يصطف مع القوى التي حاربت الجنوب منذ حرب 1994 ومازالت حتى الآن، وينشط في إطار الحرب الشاملة لإثناء الجنوبيين عن المطالبة والعمل على استعادة حقهم في السيطرة والسيادة على أرضهم”.
وأثار القيادي في الحراك الجنوبي عبدالعزيز قاسم أيضا أسئلة عن توقيت التصعيد الإرهابي وعن المستهدف به والمستفيد منه.
وتابع معلقا على الحادثة “التباينات وحالة الصراع التي تبرز وتختفي من وقت إلى آخر بين مختلف القوى شكلت مناخا ملائما وبيئة خصبة لتنامي العمليات الإرهابية في ظل حالة من غياب التنسيق والتخطيط الإستراتيجي لمختلف الوحدات العسكرية والأمنية، ناهيك عن تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم إيجاد الحلول السريعة لها”.
وردا على هذه الاتهامات والتلميحات قال وزير الإدارة المحلية السابق عبدالرقيب فتح إنّ “القاعدة وداعش وكل الميليشيات المسلحة تنسق مع قوى الانقلاب وتنفذ عملياتها الإرهابية ضد الشرعية ورجالها دون تفريق بين مكوناتها المتعددة”.
وأضاف في تعليق على منصة إكس أن “القول بأنّ تلك التنظيمات والميليشيات داعمة لطرف أو مكون في الشرعية خطأ يقع فيه البعض، ويساعد في تبرير عملياتها الإرهابية المدانة من الجميع.