الخيار الوحيد، إذا فشلنا، طقس أكثر قسوة وكوارث مناخية مميتة

اقتصاد المناخ الذكي، حلول تكنولوجية ومعوقات اجتماعية

لندن

التكنولوجيا موجودة لإحداث ثورة في مصادر الطاقة وتبني حلول ذكية لإنقاذ كوكب الأرض. لماذا إذا نبدو مترددين في اتخاذ خطوات عملية لوقف ظواهر مناخية تهدد حياة البشر والكائنات الحية وتدمر الغابات والمحيطات؟

هذا السؤال يشترك الخبراء والسياسيون من حين إلى آخر في طرحه، منوهين إلى تأخر الجدول الزمني المتفق عليه لإحداث نقلة نوعية في الطاقة المتجددة يتعلق عليها مصير العالم. وإن لم يقدموا جوابا لذلك.

لا يتوانى السياسيون عن توظيف مشكلة البيئة والتغير المناخي في حملاتهم الانتخابية، لكسب تأييد شريحة واسعة من المؤيدين المطالبين بحماية البيئة، ولكن الوعود ليست كما التطبيق. الفاتورة المطلوبة لمثل تلك الحلول كبيرة جدا؛ اضطرابات اجتماعية وكلفة هي أكبر من أن تتحملها الحكومات والأفراد.

لنتحدث بلغة الأرقام قليلا، لتحقيق النقلة المطلوبة يتعين إنفاق حوالي 9.2 تريليون دولار فقط على البنية التحتية الجديدة للطاقة والتغييرات المطلوبة في القطاع الزراعي كل عام حتى 2050. بينما الرقم الحالي هو 5.7 تريليون دولار. بمعنى آخر يجب على دول العالم أن تكون مستعدة لتحمل نفقات إضافية سنوية تبلغ 3.5 تريليون دولار.

الرقم كبير جدا، وهو يعادل نصف أرباح الشركات العالمية، وربع إجمالي الإيرادات الضريبية و7 في المئة مما أنفقته الأسر خلال عام 2020 في جميع دول العالم.

العالم يخطط اليوم لإعادة بناء اقتصاد استغرق بناؤه قرنين من الزمن، كما يقول ديكون بينر رئيس شركة ماكينزي للاستدامة، خلال ثلاثة عقود فقط.

المهمة وإن بدت ضخمة جدا، إلا أنها ممكنة نظريا وعمليا. ولكن من يضمن قبول الجمهور لهذه التحولات بعد أن تصبح الأرقام والتكاليف معروفة للجميع؟ هل سيقبل بها العمال، والذين يدفعون فواتير الطاقة؟

الخروج إلى الشارع وحمل لافتات تطالب بحماية البيئة ووقف التدهور في المناخ شيء، ودفع الفاتورة شيء آخر. لا أحد يضمن ردة فعل عكسية عندما يحين وقت الحساب.

لتجنب الفوضى والاحتجاجات، يجب أن يتوسع اقتصاد الطاقة المتجددة، بنفس وتيرة العقود الجديدة في اقتصاد الوقود الأحفوري، فهذا كما يؤكد بينر الوسيلة الوحيدة للحفاظ على استقرار الوظائف وأسعار الطاقة، وإن لم نفهم ذلك بالشكل الصحيح، سيواجه العالم تقلبا في الأسعار ونقصا في الإمدادات.

ولأن الكلام مجاني، هناك تعهدات من قبل الشركات والدول على المستوى العالمي بخفض الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050، وتشكل هذه التعهدات حوالي 90 في المئة من الاقتصاد العالمي الآن، وفقا لموقع “نت زيرو تراكر”.

تحويل التعهدات إلى أفعال سيكون تحديا صعبا، ويتطلب تعاونا عالميا مكثفا، ومراقبة أكثر فاعلية، والمزيد من التمويل، والأهم من ذلك ضمان عدم تخلف الفئات الضعيفة عن الركب في هذه العملية.

وتؤكد شكوى مبعوث المناخ الأميركي جون كيري للمنتدى الاقتصادي العالمي حجم الصعوبات، حيث قال “لا أحد يتحرك بالسرعة الكافية. يجب على العالم أن يسير بخطى سريعة”، ودعا إلى “تحول جذري” في استجابات الحكومات والعالم.

تحويل أنظمة الطاقة بالسرعة الكافية سيكون “صعبا للغاية ولكنه ليس مستحيلا”، وفقا لفاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية. العالم يستثمر حاليا ما يقرب من تريليون دولار سنويا في الطاقة النظيفة وتكنولوجيا احتجاز الكربون وكفاءة الطاقة، هذا الرقم يجب أن يرتفع إلى حوالي 3 تريليون دولار سنويا.

الخيار الوحيد، إذا فشلنا في العثور على المبلغ، هو طقس أكثر قسوة وكوارث مناخية مميتة.

لسنا بحاجة لتأكيدات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لندرك أن مخاطر التقاعس عن العمل المناخي ستؤدي إلى المزيد من الفيضانات، وحرائق الغابات، والعواصف، والجفاف وموجات الحر.

وحسب ما يقوله العلماء نحتاج إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45 في المئة بحلول سنة 2030 للبقاء على المسار الصحيح لتحقيق أهداف صافي الصفر، لكن بدلا من ذلك يتوقع أن تزيد الانبعاثات بنسبة 14 في المئة، كما أكد غوتيريش. وأشار في حدث منفصل بالمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن “عكس اتجاه السفينة يتطلب قوة إرادة هائلة”.

الطريق الصحيح لتحقيق أهداف المناخ هو نفسه محط اختلافات. المملكة العربية السعودية، كما أكد وزير الطاقة، ترى أن احتجاز الانبعاثات من الوقود الأحفوري هو الطريق الأنسب، وليس الاستغناء عن استخدامه. وقال الأمير عبدالعزيز بن سلمان “يجب أن يترك الأمر للدول لاختيار ما يناسبها”.

هذا ما أكدته أيضا فيكي هولوب الرئيسة التنفيذية لشركة أوكسيدنتال بتروليوم، التي قالت إن شركتها كانت تبحث عن طرق “لتخفيف” الانبعاثات من النفط والغاز، والاستثمار في منشآت لامتصاص ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء.

وصرّحت خلال إحدى فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي “ندرك جميعا أن تغير المناخ أمر حقيقي، وهو يحدث اليوم، وهناك أشياء يجب القيام بها لضمان التخفيف من حدته”.

ولكن الباحثين يقولون إنه رغم وجود تكنولوجيا التقاط انبعاثات الكربون من محطات الطاقة أو من الهواء وتخزينها أو الاستفادة منها، إلا أنها تظل باهظة الثمن ومحدودة. وتُصبح تحديدا لتلبية الطلب.

ويشير ذلك إلى أن الاعتماد الكبير على التكنولوجيا لخفض الانبعاثات بسرعة وكبح تغير المناخ من المرجح أن يفشل. ويؤكد كيري أنه من بين 46 تقنية، من تخزين البطاريات إلى التقاط الهواء المباشر لثاني أكسيد الكربون، والتي يُنظر إليها على أنها ضرورية لخفض الانبعاثات بنحو نصف هذا العقد، فإن 44 تقنية “لا تتحرك بالسرعة الكافية”. فالحكومات، كما يقول “تستثمر القليل جدا في تكنولوجيا الطاقة النظيفة نفسها”.

جزء من المشكلة هو التكلفة، حيث تواجه البلدان الأفقر بشكل خاص تكاليف أولية باهظة للتحول إلى الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، حتى لو كانت تنتج طاقة أرخص على المدى الطويل.

ويؤكد تقرير صادر عن شركة ماكينزي الاستشارية للاستدامة أن الحواجز الاجتماعية التي تحول دون اقتصاد مناخي ذكي مناخيا تمثل تحديا مماثلا.

المشكلة، وفقا للتقرير، ليست في فقدان الوظائف كما يشاع. التحول إلى اقتصاد الطاقة النظيفة يمكن أن ينتج عنه خلق نحو 200 مليون وظيفة مقابل فقدان حوالي 185 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة بحلول 2050. المشكلة أن فرص العمل الجديدة قد تتركز في عدد قليل من المناطق الجغرافية، بدلا من أن توزع بعدالة في جميع أنحاء البلاد، كما هو الحال مع التحولات بسبب الأتمتة أو العولمة.

وستخلق هذه التحولات أعداء ورافضين لها جدد بين المستثمرين الذين يمتلكون أصولا من الوقود الأحفوري، الذين يخشون انخفاض قيمة استثماراتهم في ظل تحول الطاقة. وسيحاولون إعاقة التغيير الحاصل إذا لم تقدّم لهم حوافز لتخفيف خسائرهم. واقترح تقرير ماكينزي أنه لتحقيق انتقال عادل وفعال وسريع، فإن “الحكومة والشركات بحاجة إلى العمل بوحدة وعزم وإبداع فريد”.