الميليشيات الشيعية توجّه "مقاومتها" صوب المطاعم الأميركية في بغداد

وكالة أنباء حضرموت

 وضعت الهجمات التي استهدفت سلسلة مطاعم في العاصمة العراقية بغداد حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني مجدّدا أمام حقيقة انفلات الميليشيات وعدم قدرة الأجهزة الأمنية الرسمية على لجمها وضبط سلاحها.

وتمّ فجر الاثنين استهداف مطعم “ليز جلي هاوس” بشارع فلسطين ليكون ثالث مطعم يتعرّض للهجوم في بغداد في ظرف ساعات بعد أن هاجم مسلحون ليل الأحد مطعمين تابعين لسلسلة مطاعم “كي إف سي” الأميركية للوجبات السريعة أحدهما في الشارع نفسه والثاني في منطقة الكرادة.

وحملت تلك الهجمات مؤشرات سلبية بشأن مستوى الأمن والاستقرار في العراق وأثارت التساؤلات بشأن آثارها المحتملة على جهود السوداني لتحويل البلد إلى قطب جاذب للاستثمار فيما السلطات غير قادرة على حماية استثمارات دنيا ومشاريع صغيرة في قلب عاصمة البلاد.

وحملت الهجمات على المطاعم بصمة ميليشيا كانت قد ظهرت فجأة في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي تحت مسمّى لم يكن متداولا من قبل هو “ربع الله”، وشككت مصادر عراقية آنذاك في أن يكون للميليشيا وجود حقيقي مستقّل، مرجّحة أنّه اسم مختلق لمجموعة من العناصر التابعة لميليشيات أخرى يتمّ تكليفها بإنجاز مهمات محدّدة تتعلّق بتصفية حسابات بين الفصائل المسلّحة أو ضد القوات النظامية.

معاقبة الكوادر الأمنية من قبل وزير الداخلية استهداف للحلقة الأضعف في ظل العجز عن مواجهة الميليشيات وضبط سلاحها

ووثقت لقطات فيديو نزول عناصر مسلّحة وملثّمة ترتدي زيا أسود موحّدا من سيارات دفع رباعي واقتحامها المطعمين الأولين ليل الأحد.

وسبق أن استُخدمت نفس الأزياء والسيارات من قبل ميليشيا “ربع الله” في عمليات مشابهة في بغداد في فترة حكم الكاظمي الذي كانت تجمعه علاقات متوّترة مع قادة الميليشيات الشيعية الذين يتّهمونه بالولاء للولايات المتّحدة.

وتؤكّد مصادر عراقية أن “ربع الله” مجرّد واجهة لكتائب حزب الله العراق أحد أكثر الفصائل العراقية ارتباطا بالحرس الثوري الإيراني ومن ثمّ معاداته المعلنة للولايات المتّحدة وتزعمه “مقاومة” وجودها في العراق بمختلف مظاهره العسكرية والمدنية.

وكانت ميليشيا “ربع لله” قد ظهرت سنة 2020 في هجوم على مقرّ قناة فضائية معروفة بخطها التحريري الناقد للميليشيات، وتلا ذلك قيام الميليشيا ذاتها بحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني إثر تصريحات أحد قادته ضد الحشد الشعبي.

لكنّ أكبر ظهور للميليشيا في بغداد تمثّل في قيامها باستعراض مسلّح في السنة ذاتها ضدّ الكاظمي بسبب قيام القوات النظامية بإلقاء القبض على عنصر من الحشد الشعبي كان قد تورّط في جرائم قتل واختلاس للمال العام.

الهجمات على المطاعم حملت بصمة ميليشيا كانت قد ظهرت فجأة في عهد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي تحت مسمّى لم يكن متداولا من قبل هو "ربع الله"

وربطت جهات على صلة بالميليشيات مهاجمة المطاعم بـ”مقاومة الوجود الأميركي في العراق والتضامن مع قطاع غزة في الحرب الإسرائيلية المدعومة أميركيا ضدّ سكّانه”.

وسبق أن تعرّضت فروع متاجر ومطاعم غربية في العراق إلى تهديدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو منشورات وكتابات على الحيطان حملت عبارات تتهم أصحاب تلك المشاريع بدعم إسرائيل.

وقوبل تصنيف مهاجمة المطاعم ضمن أعمال “المقاومة” بموجة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. وكتب أحد المعلّقين عبر منصّة إكس “كان رد محور المقاولة سريعا بعد مجزرة رفح وحرّك وحداته الفعالة والقوات المتجحفلة معها وتمكنت بفضل الله من إغلاق مطعم في الكرادة وسط بغداد وجعلت العدو الصهيوني يتحسر ويندم على فعلته”.

وكتب آخر “مهزلة.. ربع خامنئي يقاومون إسرائيل وأميركا باستهداف المطاعم في قلب بغداد. والمضحك يتنقلون بالسيارات الأميركية التي تستوردها الحكومة”.

من جهته حذّر مصدر سياسي عراقي من الانسياق خلف رواية ربط مهاجمة المطاعم باستهداف المصالح الأميركية في العراق. وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه إنّ ذلك يمثّل واجهة مناسبة لتمويه السبب الحقيقي الذي يتمثّل في التنافس بين قادة الميليشيات على مثل تلك المشاريع المدرّة لأرباح كبيرة.

مصادر عراقية تؤكّد أن "ربع الله" مجرّد واجهة لكتائب حزب الله العراق أحد أكثر الفصائل العراقية ارتباطا بالحرس الثوري الإيراني

وذكّر المصدر ذاته بالصراع الحاد الذي كان قد نشب قبل نحو أربع سنوات بين قياديين في ميليشيا سرايا الخراساني على جمع الإتاوات من مؤسّسات ومحالّ تجارية بينها مراقص ليلية وخمّارات ومواقف للسيارات في بغداد. وشهدت المدينة بسبب ذلك الصراع عمليات إحراق للمحال لترهيب أصحابها والعاملين فيها وإجبارهم على الدخول تحت حماية هذا الشق أو ذاك من قيادة الميليشيا.

وتستطيع بضع ميليشيات فقط أن تحمي تجار الكحول المرتبطين بها من هجمات ميليشيات أخرى، لذلك كثيرا ما تتعرض مخازن المشروبات الكحولية في بغداد إلى هجمات منتظمة، إما بهدف ابتزاز أصحابها وإجبارهم على الدفع أو لأهداف إعلامية تُظهر أتباع إيران بمظهر حرّاس العقيدة والمذهب.

ويُعرف في أوساط تجار الخمور في بغداد أن مستوى الحماية الأفضل توفره ميليشيا كتائب حزب الله العراق. وتوفر هذه الميليشيا الحماية لبعض من أهم محال بيع المشروبات الروحية في منطقة العرصات الراقية ببغداد، كما أنها تحمي بضعة مطاعم من فئة الخمس نجوم التي تقدم المشروبات الروحية في سهراتها.

وفي الدرجة الثانية، تأتي عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي عضو الإطار التنسيقي المشكل لحكومة السودان، إذ تعدّ التجارة التي تدور تحت جناح هذه الميليشيا آمنة، ما دامت لا تتقاطع مع مصالح أطراف على صلة بكتائب حزب الله.

وفي حي كمب سارة بجنوب شرق بغداد تتوزع أكبر مخازن المشروبات الكحولية في البلاد، وحول هذه المخازن وبالقرب منها مكاتب ومقار لأحزاب وميليشيات مسلحة، لكنها نادرا ما تُهاجم هذه المخازن أو المحال التابعة لها.

يُعرف في أوساط تجار الخمور في بغداد أن مستوى الحماية الأفضل توفره ميليشيا كتائب حزب الله العراق

ويملك هذه المخازن في الغالب مسيحيون وإيزيديون يرتبطون في العادة بعلاقات وثيقة مع قادة ميليشيات يعودون إليهم في كل ما يعترض سبيل هذه التجارة.

وانطوت الهجمات الأخيرة على المطاعم على تهديد لجهود رئيس الوزراء العراقي لبسط الاستقرار وتحريك التنمية وتنشيط الاستثمار في بلاده، مستفيدا من كون الميليشيات بحدّ ذاتها جزءا من المظلة السياسية لحكومته. وفي أول ردود الفعل الحكومية على تلك الهجمات أعلن وزير الداخلية العراقي عبدالأمير الشمري، الاثنين، إعفاء آمر أحد ألوية القوات المكلفة بتأمين المواقع التي شهدت استهداف المطاعم.

وذكرت وزارة الداخلية  في بيان صحفي أن الوزير يرافقه قائد عمليات بغداد ووكيل شؤون الشرطة وعدد من القادة والمدراء العامين والضباط قام بتفقد أماكن المطاعم التي تعرضت للاعتداءات وأشرف على إعادة افتتاحها في شارع فلسطين والكرادة.

وأوضح البيان أن الشمّري أمر بمعاقبة المقصرين من القوات الأمنية وتم إعفاء أحد آمري الألوية من منصبه وإيداعه الحبس الاحتياطي وتشكيل مجلس تحقيقي بحقه وحجز القوة الماسكة من دوريات النجدة والشرطة الاتحادية والاستخبارات لمدة شهر، وشدد على اتخاذ الإجراءات الحازمة في أيّ قاطع تحصل فيه اعتداءات.

كما ذكر البيان أن الأجهزة الأمنية تمكّنت من إلقاء القبض على عدد من المشتبه بهم بهذه الجرائم، فيما تواصل عمليات البحث والتفتيش وفق معلومات استخبارية دقيقة عن بقية العناصر التي أقدمت على هذا العمل غير القانوني.

لكنّ دوائر سياسية عراقية انتقدت إجراءات الوزارة معتبرة أنّ مستهدفي المطاعم معروفون ونفّذوا هجماتهم علنا وبشكل استعراضي وأنّ القبض عليهم لا يستدعي أيّ جهد تحقيقي إضافي.

ورأى هؤلاء أن معاقبة الكوادر الأمنية هو من قبيل استهداف وزارة الداخلية للحلقة الأضعف، مؤكدين أن مواجهة الميليشيات تتجاوز قدرات القوات النظامية والسلطة الممنوحة لقادتها وكبار ضباطها، وأنّ عناصر تلك الميليشيات يتمتّعون بحصانة ويتنقلون في شوارع بغداد ضمن أرتال من السيارات الفارهة مدججين بالسلاح.