إرث ثقيل

قطر تزيل تمجيد العنف من كتبها المدرسية: هل تريد تغيير نفسها أم صورتها

الدوحة

تسعى قطر لتنقيح مناهجها الدراسية لتحذف منها ما تعلق بالتشجيع على العنف الديني والتمايز بين الأديان ضمن مسار تهدف من ورائه إلى تغيير صورتها في أنظار الغرب أشهرا قليلة قبل استضافتها بطولة كأس العالم لكرة القدم نهاية العام الجاري.

وتساءلت أوساط خليجية عما إذا كانت قطر فعلا قادرة على التخلص من ميراث التشدد الذي طبع تجربتها السياسية في الأعوام الماضية؟ وهل بالفعل تريد تغيير نفسها أم صورتها أم السيلفي الذي تأخذه مع كأس العالم؟ في إشارة إلى التغييرات الطفيفة التي تعمل على إجرائها قبل استقبال زوارها الأجانب بمناسبة تظاهرة كأس العالم دون إجراء تغيير حقيقي على مناهجها.

وقالت هذه الأوساط إن تغيير صورة قطر وتخليصها من شوائب التشدد لا يحصلان بمجرد حذف بعض النصوص أو الفتاوى التي تدرّسها للطلاب، مشيرة إلى أن هناك ميراثا كبيرا من دعم التطرف والمتطرفين على السلطات القطرية أن تتخلص منه قبل ذلك، خاصة استضافتها قيادات دينية وسياسية من تيارات إسلامية متشددة عرفت بالفتاوى التي تحضّ على العنف، مثال ذلك يوسف القرضاوي الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين.

وبوّأت قطر القرضاوي منزلة مرموقة بأن منحته جنسيتها ومكنته من الخطابة في أكبر مساجد الدوحة بالرغم من الانتقادات التي طالته خلال عقود، خاصة ما تعلق بفتواه التي تضفي الشرعية الدينية على العمليات الانتحارية التي نفذتها حركة حماس، وهي فتاوى معادية للسامية، وهو ما تعمل الدوحة حاليا على تجاوزه وإبراز تسامحها تجاه مختلف الأديان.

وتساءلت الأوساط ذاتها عما إذا كانت قطر قادرة على تحرير مناهجها الدراسية من الحضور الطاغي لأفكار شخصيات إسلامية عرفت بتشددها، ضمن تعديل حقيقي ولو بشكل تدريجي، أم أن الأمر مرتبط بتسويق صورة إيجابية ظرفية بمناسبة تظاهرة كأس العالم لكرة القدم؟

وأشار “معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي” في تقرير مؤلف من 85 صفحة إلى “تسجيل تحسينات جوهرية في الكتب المدرسية الجديدة المُعدّة للفصل الدراسي الأول من العام الدراسي الحالي”. ويُذكر أن المعهد منظمة غير حكومية إسرائيلية تركز على تحليل الكتب المدرسية لمنع التطرف لدى أطفال المدارس.

وفي المقدمة حذر ديفيد واينبرغ -وهو مدير “رابطة مكافحة التشهير” في واشنطن- من أن قطر “لا يزال أمامها طريق طويل لتقطعه عندما يتعلق الأمر بإزالة محتوى يحض على الكراهية وتعليم التسامح باستمرار، ومع ذلك فإن التحسينات التي حدثت خلال آخر سنتين دراسيتين في الدولة كانت مفاجأة سارة”.

وأشار واينبرغ، الذي تركز كتاباته على التحريض على معاداة السامية في الشرق الأوسط، إلى أن أحدث الكتب المدرسية القطرية لم تعد تصف اليهود بأنهم “خائنون”.

وكان تقرير سابق أعده المعهد نفسه ونُشر منذ عام قال إن “المنهج الدراسي القطري يُروّج بقوة لفكرة الاستشهاد والجهاد، فيما تُشجَّع الفتيات على القيام بدورهن في الأمّة عبر الإنجاب وخدمة أزواجهن، وأن الكتب الدراسية في قطر تسوق لنسخة من الإسلام خاضعة لمزيج من الفكر السلفي والإخواني”.

وأضاف أن “هناك أشياء كثيرة تدعو إلى القلق بشأن المنهج الدراسي القطري، فلسنوات طويلة سمح القادة لأطفالهم بتعلّم أحد أكثر المناهج الدراسية الجهادية تطرفًا في العالم”، وهو ما يزيد من الشكوك في أن تكون هذه التغييرات ظرفية، وأنها لا تعبر عن تطور حقيقي في المجتمع القطري.

ولا يستبعد جيمس دورسي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، وجود دافع ثان وراء مساعي قطر لتعديل مناهجها نحو التسامح، وهو منافسة الإمارات والسعودية على القوة الدينية الناعمة، وهما اللتان قطعتا خطوات لافتة لإصلاح المناهج التعليمية وتخليصها من سمة التشدد ووضع برامج تراعي خصوصيات الأقليات الدينية، خاصة من جانب الإمارات.

لكن متابعين للشأن الخليجي يحذّرون من أن الترويج لهذه الإصلاحات قد لا يمنع من تجدد الانتقادات الموجهة إلى قطر، خاصة بالتزامن مع زيارة الملايين من أنصار كرة القدم الذين سيقفون بأنفسهم على مصداقية شعارات الانفتاح ومراعاة حقوق الإنسان، سواء ما تعلق منها بالحرية الشخصية لجماهير الكرة التي ستأتي من بلدان كثيرة، وعدم التضييق على سلوكها ولباسها، أو ما تعلق بأوضاع العمالة الأجنبية التي ستقوم على إنجاح التظاهرة العالمية.

ويعترف المنتقدون بأن قطر قد أحرزت تقدما في تحسين أوضاع العمال القانونية، لكنهم يقولون إن التنفيذ متأخر وجاء بعد ضغوط دولية كثيرة، وليس هناك ما يضمن أن التجاوزات لن تتكرر.

وكما هو الحال في أي مكان آخر يحفّز الإصلاح الشامل المتعلق بالكتب المدرسية في قطر -والذي طال انتظاره- السكان على تبني مبدأَيْ التسامح والمساواة. كما أنه يساعد في القضاء على بعض الأعراف الاجتماعية التي تعيق التنويعَ الاقتصادي وخلْقَ فرص العمل وتحبط تطلعات الشباب إلى السيطرة على حياتهم بشكل أكبر.