طريقة قديمة عرفها الأجداد وطورها الطهاة

الطعام المدخن... رائحة ولون ونكهة

القاهرة

يكتسي الطعام المدخن بلون ذهبي مُحبب للعين وتنبعث منه رائحة دخان جاذبة وفاتحة للشهية، وعلى الرغم من أن الإنسان عرف هذا النوع من الطهي عبر عصور مضت، فإنه لا يزال هذا الاختيار هو المفضل للكثيرين، بما تمثله شرائح اللحم المقدد أو الرومي والأسماك الطازجة المدخنة من متعة.

ويرى اختصاصيون في الطهي أن هذا الاتجاه يعد فرصة لتغيير النظام الروتيني في الطعام لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع أو سعياً وراء الاستمتاع بالدفء في ليالي الشتاء الباردة؛ وسواء اتبعت الطرق القديمة التقليدية أو العصرية السهلة يمكنك الحصول على وجبة مميزة من الأطباق المدخنة لكن بشروط لتجنب أضراره المحتملة.

يقول شيف أحمد القاضي بمطعم «ساتشي بار» بالقاهرة لـ«الشرق الأوسط» إن الطعام المدخن يعتمد على طريقة خاصة لإنضاجه بواسطة الدخان الذي نحصل عليه من الحرق غير الكامل للأخشاب بهدف حفظ الطعام، ومنع «تزنخ» الدهون داخله ولإكسابه مذاقاً مميزاً ورائحة رائعة، كما أنهما يخرجانه من الدائرة المألوفة للطعام، مايكسر الملل.

ويرى القاضي أنه «منذ القدم عرف الإنسان تدخين اللحوم والأسماك بغرض حفظها إذ كانت تحول هذه الطريقة دون تلف اللحوم، والبعض لا يزال يستخدم هذه الطرق خاصة في الرحلات، لافتاً إلى أنه في عصور سابقة كانوا يقومون بإحداث حفرة في الأرض وتوضع بها الأخشاب وإضرام النيران بها مع إضافة بعض الأعشاب إليها ووضع شبكة معدنية، ومن ثم ينبعث الدخان منها محملاً برائحة ونكهة هذه الأعشاب، ويصل إلى الطعام الذي وضع في إناء كبير فينضجه ويحافظ عليه ويكسبه نكهة».

ويضيف الشيف القاضي: «هناك طريقة تدخين أخرى تعتمد على الأفران، إلا أنه حديثاً تم تصنيع أجهزة كهربائية للتدخين وهي الأكثر انتشاراً وصحية، لأنها تعتمد على التدخين البارد وتتمثل في وضع الأعشاب داخل الجهاز وفي الغالب عن طريق خرطوم صغير أو أنبوبة يُوجه الدخان المُشبع بالأعشاب إلى الطعام لنحو 10 دقائق أو ربع الساعة بحسب كمية الطعام فيكتسب المذاق المدخن المطلوب».

ويلفت: «وبشكل عام التدخين على البارد هو أقل ضرراً لذلك عند شراء منتجات مدخنة عليك أن تعرف نوع التدخين هل هو ساخن أم بارد، لكن توجد عوامل عدة تكسب الطعام المدخن مذاقاً أروع، منها زيادة درجة حرارة الحرق لأنها تؤثر على مدى جودة الدخان، كما أنه من الضروري الالتفات إلى نوع الأخشاب المستخدمة إذ يفضل الابتعاد عن الأخشاب الطرية التي تنتج دخانا منخفضا في قوته على العكس من الأخشاب الصلبة المجففة (منها الزان والأرو) التي تمنح الطعام دخاناً أفضل، مع الحرص على بطء سريان الدخان إلى الطعام».

أما إذا أردت اتباع التدخين بالطريقة التقليدية فيمكنك ووفقا للشيف القاضي، استخدام مقلاة تضيف إليها نشارة الخشب والأعشاب المحببة منها ورق أشجار الليمون والبرتقال والزيتون واللوري للحوم وورق أشجار الشاي للأسماك، وإذا لم يتوافر ذلك يمكن استخدام بعض الأعشاب العطرية أو «البراون شوجر» على أن يوضع أعلى المقلاة شبكة ويتم وضع صينية اللحوم أو الأسماك المعدة سلفا فوقها.

لكن من الأمور التي يغفلها البعض رغم أهميتها هي ضرورة وضع الطعام في محلول ملحي قبل تدخينه لمنع إلحاق الأضرار بالمعدة، لأن الميكروبات والبكتيريا تقاوم مفعول الدخان، كما أن الأطعمة المدخنة غير المطهوة بشكل كامل يمكن أن تحمل الطفيليات، لذلك تتم إضافة الملح إلى المأكولات المدخنة، ويساعد ذلك أيضا على حفظها لوقت طويل.

ويتكون المحلول الملحي من لترين من الماء لكل كيلو من الطعام، وتوضع ملعقة كبيرة من الملح لكل كوب ماء، ولإكساب المزيد من المذاق الخاص يمكن مزج الطعام قبل التدخين بمكونات محببة إليك مثل الثوم والجبن والبصل.

ومن الجوانب التي نحرص عليها عند إعداد الطعام المدخن بالمنزل ترك الطعام من دون تغطيته حتى النضج. وبعد التدخين يُوضع في مكان بارد، وجاف. ومن أفضل أنواع الطعام التي يتم تدخينها هي شرائح اللحوم السميكة والرومي أما السمك فيفضل السلمون لأنه أكثر سمكاً ومن ثم أكثر قدرة على امتصاص المزيد من الدخان ما يمنحه مزيداً من النكهة المميزة.

لكن هل تمثل الأطباق المدخنة باختلاف أنواعها ضرراً على الصحة، تقول شيف ياسمين العسال لـ«الشرق الأوسط»: «قد يتسبب الدخان المنبعث في عملية التدخين تراكماً لبعض المركبات الكيميائية، ومنها النيتريت والنترات، التي قد تكون مسرطنة كما قد تضر بالقلب»، لكن قالت: «ذلك في حالة ما إذا تم الإفراط في تناول المدخن، ويحدث الضرر كذلك عند شراء منتجات من مصادر غير موثوقة».

واستكملت: «ولا يمكن إنكار أن للتدخين في المقابل له فوائد عديدة منها أنه يسمح بتخزين بعض العناصر المهمة على سبيل المثال يحتفظ السمك بنسبة مرتفعة للغاية من اليود والكالسيوم، ويمد الإنسان بأوميغا 3، كما أنه نظرا لأن التدخين لا يتطلب استخدام الدهون فإن الطعام المدخن مثالي لمن يتبع حمية غذائية».

وانتهت الشيف ياسمين العسال قائلة: «أهم ما يميز تدخين الطعام العصري اتساع دائرة أصنافه التي يتم تدخينها مثل الخضراوات والفواكه والأرز والبهارات والحساء والمكسرات والسلطات المدخنة ولكل منها مذاقه الخاص ومتعته التي لاتقاوم».