نساء جنوبيات ينتقدن بقوة سطوة "المجتمع الذكوري"

ورقة بحثية تدعو لتمكين المرأة الجنوبية في صناعة القرار وحل النزاعات

متابعات

استعرضت ورقة بحثية أثر التغيرات السياسية على واقع المرأة في جنوب اليمن، وعلى وجه الخصوص عقب وحدة مايو 1990 وحتى اليوم، مشيرة إلى أدوار النساء الجنوبيات الرائدات خلال مرحلة اليمن الديمقراطية، ولاحقا إلى الصعوبات التي باتت تعيشها على خلفية مصادرة كثير من حقوقها السياسية والاجتماعية، التي خضعت لتأثير القوى الدينية الراديكالية خلال الثلاثة العقود الماضية.

وركّزت الورقة البحثية، التي أصدرها مركز سوث24 للأخبار والدراسات، الأحد، للباحثة السياسية فريدة أحمد، على الصعوبات والتحديات التي تواجهها المرأة في مسألة التمكين، استنادا على عدد من المقابلات التي أجرتها الباحثة مع نساء جنوبيات من مختلف محافظات جنوب اليمن.

وقالت الورقة أنّ معاناة المرأة اليمنية واحدة سواءَ في الشمال أو الجنوب، "غير أنّ تسليط الضوء على المرأة الجنوبية، جاء نتيجة النقص في الأوراق البحثية المتعلقة بتاريخها وحاضرها، وهذا القصور في إيصال رسالتها، جعل من المهم بأن يتم التركيز عليها ومنحها حيّز في قراءات المهتمين بشأنها."

وزعمت الورقة أنّ "التاريخ اليمني معظمه كتبه رجال عن حياتهم وأعمالهم في مختلف المجالات، في السياسة والحرب والاقتصاد وغيره، وفي حالات قليلة إن تمّ الإشارة للنساء؛ عادةً ما يتم تصويرهن فيه بأدوار نمطية تقلل من شأنهن وتعمل على تهميش أدوارهن أحياناً".
وقالت الورقة البحثية أنّ بصمات النساء الجنوبيات الرائدات منذ مرحلة مقاومة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن "كانت مؤثرة على بنات جيلهن، فهن إما شاركن بشكل فاعل في النقابات العمالية وقيادة العمل الطلابي، أو انخرطن في العمل السري لمقاومة الاستعمار، أو شاركن بشكل مباشر في المعارك المسلحة".

وبعد استقلال جنوب اليمن في عام 1967، قالت الورقة أنّ "حقوق المرأة أصبحت إحدى أولويات أجندة الدولة الاشتراكية المستقلة حديثًا. وكانت سياسة تحرير المرأة كما أطلق عليها رسميًا، نتيجة للسياسات "التقدمية". وتماشيًا مع هذه السياسة، تمت دعوة النساء للمشاركة في الحياة العامة، في التعليم والتوظيف والشؤون السياسية والعسكرية".

وعددت الورقة أسماء عدد من النساء الرائدات في المجتمع الجنوبي خلال مرحلة ما قبل وبعد الاستعمار.

"وفي بداية عام 1970، أصبحت المرأة الجنوبية أول نائب وزير، وأول عميد كلية اقتصاد، وأول مذيعة تلفزيون، وأول مذيعة إذاعة، وأول جامعة على مستوى الجزيرة العربية تتقلد فيها امرأة منصب عمادة كلية، وأول امرأة تصبح كابتن طائرة مدنية، وأول امرأة تقود السيارة في شبه الجزيرة العربية. كما كانت عدن أول مدينة عربية تحتضن أول تشكيل حركة نسائية في شبة الجزيرة العربية. وجلّها تقريباً مراكز لم تتبوَّأها نساء في شبه الجزيرة العربية آنذاك."

وخلافا لبقية الدول في شبه الجزيرة العربية فرض اليمن الجنوبي الاشتراكي السابق؛ الكثير من الإصلاحات بالنسبة للمرأة ومكّنها في كثير من المجالات. وذهبت الفتيات لمدارس مختلطة وجرى تشجيع النساء على العمل وترك غطاء الرأس وحظر تعدد الزوجات، كما تقول الورقة.

انتهاكات ومجتمع ذكوري

وقالت الورقة أنّ المرأة الجنوبية بعد حرب صيف 1994 تعرّضت للظلم والتهميش، "إذ تم استبعادها وإقصائها من أغلب الوظائف الحكومية أسوةً بالرجال في جنوب اليمن، وتمت محاربتها بحجة الدين والعادات والتقاليد على خلاف ما كانت تتمتع به قبل الوحدة من حرية في كافة حقوقها السياسية والاجتماعية والمدنية. كما أحيلت للتقاعد القسري من العديد من الوظائف الإدارية والمصانع وغيرها من مؤسسات الدولة في الجنوب التي كانت توفر مساحة آمنة لعمل المرأة، وتحمي خصوصيتها وفقاً لأنظمة قانون العمل الجنوبي".

وأشارت الورقة للحضور البارز للمرأة "في مسيرة الحراك السلمي في عدن وحضرموت وأبين والمهرة ولحج وشبوة والضالع، إذ كانت تشارك في التظاهرات السلمية والندوات وتنظّم المهرجانات وتُلقي الخطابات على المنصات من أجل دعم المسيرة السلمية وتشجيع نظيراتها من النساء الجنوبيات للمشاركة. وكن يواجهن الرصاص الحي والغازات السامة، وبعضهن يسقطن شهيدات".

وعلى الرغم من مشاركة بعض النساء الجنوبيات خلال مؤتمر الحوار الوطني، في صنعاء، قالت الورقة بأنه "لم يكن لدى معظم النساء الجنوبيات اللاتي شاركن، موقف سياسي واضح يعكس مطالب الجنوبيين في استعادة الدولة السابقة." وكانت "معظم الأسماء المشاركة منتقاة وتتوافق مع المواقف السياسية المناهضة لمطالب (الاستقلال)".

وعددت الورقة لاحقا حجم الانتهاكات المسلّحة التي تعرّضن لها نساء جنوبيات خلال المعارك التي شنها الحوثيون وحلفائهم ضد جنوب اليمن في 2015.  مشيرة إلى أكثر من 175 حالة قنص وقتل وإصابة تعرضّن لها في عدة محافظات جنوبية.

ووجهت عدد من النساء الجنوبيات اللاتي تحدثن للورقة انتقادات لاذعة لما وصفنه بـ "المجتمع الذكوري" واتهمنه بالقمع لدور المرأة على المستوى السياسي والاجتماعي.


وعلى الرغم من ذلك، انتقدت الورقة أيضا غياب المرأة الجنوبية اليوم عن العمل السياسي بسبب خوفها من الاحتكاك بالجهات الرسمية والدينية، وما أسمته "عدم وعي النساء بأهميتهن في المشاركة السياسية والاجتماعية".

وشددت الورقة على ضرورة تمكين المرأة الجنوبية في العملية السياسية في اليمن، مشيرة إلى "قرار مجلس الأمن رقم (1325) الصادر عام 2000، الذي اُعتبر أول اعتراف رسمي من الأمم المتحدة بالدور الذي تضطلع به المرأة في مجال نشر السلام والأمن، وهو قرار يؤكد على حق المرأة بالمشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بمرحلتي النزاع وما بعد النزاع، بما فيها المفاوضات والقرارات الناجمة عنها أو إدارة الحكم."

توصيات

وخلصت الورقة البحثية إلى جُملة من التوصيات، شددت فيها على:

- أهمية الضغط على أطراف النزاع والمبعوث الأممي إلى اليمن "هانز غروندبرغ"، بأن يتم إشراك النساء ودعم تمثيلهن في مفاوضات الحل الشامل للسلام لليمن، بما في ذلك النساء الجنوبيات وبشكل مُناصف يوازي نظيراتهن من النساء في شمال اليمن.

- أهمية الضغط على النساء الجنوبيات المتواجدات في مراكز صنع القرار راهناً، بأن يكون لديهن المسؤولية في التأثير على الدفع بمشاركة النساء وتعزيز حضورهن، حتى يكون لهن أولوية في المرحلة السياسية المقبلة.

- تسخير الإعلام الجنوبي بأن يلعب دور تنويري من خلال توظيف الرسالة الإعلامية في توعية المجتمع، بما يساهم في تغيير الأنماط السائدة عن النساء واقتصارها على أدوار معينة فقط.

- التأكيد على توعية جميع شرائح المجتمع في جنوب اليمن، بأن الاستقرار والأمن والتنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق في ظل غياب النساء عن الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

- مساندة الجهات الإقليمية والدولية للمنظمات غير الحكومية والمراكز البحثية الجنوبية المهتمة بعمل أبحاث حول مشاركة المرأة وتمكينها على مختلف الأصعدة، وتأثير هذا الدعم على عملية صنع القرار والبيئة التي تتم فيها هذه العملية.

- تأسيس قاعدة بيانات عن وضعية المرأة في أجهزة صنع القرار المختلفة في جنوب اليمن، من أجل دعم حضورها بشكل أوسع.

- من المهم تحضير جيل من النساء الجنوبيات القادرات على التأثير والحضور، بحيث يستطعن تحقيق إنجازات وفتح قنوات اتصال مع خبرات محلية وخارجية تدعم حقوقهن ومطالبهن.

- يجب ألا تحصر المرأة الجنوبية نفسها في قضاياها فقط، بل تبدأ المشاركة في قضايا أخرى متنوعة تفتح لها آفاق أوسع للتمكين والمشاركة.

- دراسة وضع النساء ونشاطهن وفعاليتهن وفق احتياجات المناطق، ومحاولة استيعاب النساء من مناطق مختلفة في إطار المشاركة في الأنشطة السياسية والاجتماعية وغيرها، بمعنى عدم التركيز على محافظات بعينها على حساب تهميش محافظات أخرى.

- إن تمكين المرأة الجنوبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يضمن تمثيل مطالبها ومطالب المهمشين الآخرين في مجتمعها المحلي، ويجعل عملية صنع القرار أكثر تجاوباً مع احتياجاتها واحتياجاتهم بالمثل