تركيا ترى في التعاون العسكري بين فرنسا واليونان مسعى لعزلها

اسطنبول

التقطت أنقرة الرسالة التي حملها اتفاق “الشراكة الاستراتيجية” الدفاعية الموقعة الثلاثاء بين باريس وأثينا، واعتبرت أن الهدف منه هو عزل تركيا، في استعادة للتوتر الذي جرى في السنوات الماضية عقب قرار أنقرة إرسال سفنها للتنقيب في شرق المتوسط دون تشاور أو تنسيق، ما دفع اليونان إلى البحث عن حلفاء إقليميين للوقوف في وجه التمدد التركي في المياه الإقليمية.

وفي أول رد فعل رسمي لتركيا على اتفاقية بيع ثلاث فرقاطات فرنسية لأثينا، اعتبرت وزارة الخارجية التركية في بيان أن “انتهاج اليونان سياسة تسلح وعزل تركيا بدلاً من التعاون أمر إشكالي ويسيء لها وللاتحاد الأوروبي ويهدد الاستقرار والسلام الإقليمي”.

وقال مراقبون سياسيون إن أنقرة تعرف أن بيع ثلاث فرقاطات ليس سوى مقدمة لتعاون عسكري أشمل بين باريس وأثينا، وأن الهدف هو وقف الاستعراض التركي في المياه الإقليمية وخاصة على حدود قبرص، مشيرين إلى أن خلاف باريس مع أنقرة أشمل من قضية اليونان وقبرص والتنقيب في مياه شرق المتوسط.

وخلال السنوات الماضية بلغ التوتر أقصاه بين باريس وأنقرة، لاسيما بسبب الخلاف حول التدخل التركي في ليبيا ونجاح أنقرة في توقيع اتفاقية بحرية مع رئيس حكومة الوفاق الوطني المتخلي فايز السراج. وتطالب فرنسا الأتراك بسحب قواتهم من ليبيا، وكذلك المرتزقة الذين جلبتهم لدعم الميليشيات في ليبيا، وترفض أنقرة أي نقاش في الموضوع بالرغم من الضغوط المختلفة المفروضة عليها دوليا.

وشهدت العلاقة بين البلدين توترا بسبب التدخل التركي في سوريا، وكذلك تدخل أنقرة في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا ونجاحها في فرض أمر واقع لصالح أذربيجان بعد أن زودتها بأسلحة متطورة من بينها المسيّرات التي كان لها الدور الحاسم في تغيير موازين القوى في إقليم ناغورني قرة باغ.

وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء أن “فرنسا واليونان وقعتا اتفاقية شراكة استراتيجية”، وأن “اليونان ستحصل على ثلاث فرقاطات جديدة من فرنسا ومقاتلات رافال”. وقال إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس إن هذا “الاتفاق سيعزز سيادة البلدين”.

وليست هذه هي الخطوة الأولى في التعاون العسكري الفرنسي – اليوناني؛ فقد سبق أن سلمت شركة تصنيع الطائرات الفرنسية “داسو” أول طائرة من طراز رافال إلى أثينا. كما أثارت اليونان وفرنسا غضب أنقرة عندما وقعتا على صفقة بقيمة 2.5 مليار يورو (3 مليارات دولار) لشراء 18 طائرة رافال، 12 مستعملة و6 جديدة، في إطار برنامج تسلح في مواجهة تصاعد التوتر مع تركيا المجاورة.

وقال رئيس الوزراء اليوناني إنه سيتم كذلك تأمين أسلحة جديدة مضادة للدبابات وطوربيدات بحرية وصواريخ تابعة للقوات الجوية.

وبعد أن هدأ التوتر بين بلاده وتركيا خلال الأشهر الأخيرة سعى رئيس الوزراء اليوناني للتقليل من خطر الاتفاقية مع فرنسا، وقال إنها “ليست معادية” لتركيا، في حين أشار ماكرون إلى أنها وسيلة مشتركة “لضمان الأمن في المتوسط وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط والبلقان”.

وتتضمن الاتفاقية بالفعل بندا ينص على تبادل المساعدة “بجميع الوسائل المناسبة” في حال أن البلدين “وجدا معًا أن عدوانا مسلحا وقع في أراضي” أحدهما، وهي النقطة التي تثير غضب أنقرة بالدرجة الأولى لأنها تتيح لباريس التدخل لدعم أثينا في أي توتر مع تركيا.

وتزايد التوتر في الأعوام الأخيرة بين تركيا واليونان وهما جارتان وعضوان في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، على خلفية أعمال تنقيب عن الغاز تقوم بها أنقرة. وهناك خلافات حول قضايا مثل السيادة في شرق المتوسط والمجال الجوي والطاقة وقبرص المنقسمة على أساس عرقي ووضع الجزر في بحر إيجه.

وقالت الوزارة التركية إن “مطالبات اليونان المبالغ فيها في ما يتعلق بالمناطق البحرية والجوية تتعارض مع القانون الدولي”. واتهمت أنقرة أثينا بالسعي وراء “أضغاث أحلام” بمحاولتها “جعل تركيا توافق على مطالبها” من خلال “تحالفات عسكرية ثنائية”.

لكن بيان الخارجية التركية التصعيدي تجاه الاتفاقية الفرنسية مع اليونان لم يمنعها من تأكيد أن الجولة التالية من المحادثات الثنائية مع اليونان والتي تهدف إلى معالجة الخلافات في البحر المتوسط وقضايا أخرى ستُعقد في أنقرة في السادس من أكتوبر.

وفي يناير الماضي اتفقا على استئناف المحادثات بعد توقف دام خمس سنوات في أعقاب أشهر من التوتر. ومنذ ذلك الحين عقدت أنقرة وأثينا جولتين من المحادثات وجرت الجولة السابقة في أثينا في مارس.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان إن “الجولة 63 من المحادثات التشاورية ستنعقد في أنقرة في السادس من أكتوبر 2021”. ومن المنتظر أن تتناول المحادثات الاستكشافية، التي ستتوسط فيها ألمانيا وأطراف أخرى، إمكانية إرساء أرضية مشتركة لحوار حقيقي، بحسب الخارجية اليونانية.