تنسيقيات لجان المقاومة تدعو إلى مظاهرات مليونية السبت
المجلس الجديد للسيادة في السودان حاضنة البرهان لتثبيت الانقلاب
قطع قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان الطريق أمام العديد من الوساطات المحلية والدولية بتعيين مجلس سيادة جديد حمل تمثيلا جغرافيا للولايات المختلفة دون أن يضم أيّا من القوى السياسية أو التيارات المحسوبة على قوى الحرية والتغيير، وسط توقعات بتسارع الخطوات للإعلان عن رئيس جديد للحكومة خلفا لرئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك.
وأعربت دول الترويكا (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج)، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وسويسرا في بيان مشترك الجمعة، عن القلق البالغ بشأن إعلان تشكيل مجلس سيادي، ودعت إلى عودة الحكومة المدنية للسلطة.
وينتظر الشارع السوداني مظاهرات مليونية السبت، دعت إليها تنسيقيات لجان المقاومة ودعمتها قوى مدنية رفعت شعارات “لا تفاوض.. لا شرعية.. لا شراكة”، وسط توقعات بمشاركة شعبية واسعة عقب نجاح دعوات للعصيان المدني.
وأصدر البرهان الخميس مرسوما دستوريا بتشكيل مجلس السيادة الانتقالي الجديد برئاسته، وتعيين محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبا له، وضم التشكيل في عضويته شمس الدين كباشي وياسر العطا وجابر إبراهيم جابر ومالك عقار إير والهادي إدريس والطاهر حجر ورجاء نيكولا ويوسف جاد كريم وأبوالقاسم محمد أحمد وعبدالباقي عبدالقادر الزبير وسلمى عبدالجبار، مع إرجاء تعيين ممثل شرق البلاد.
وقفز البرهان إلى الأمام لتمرير أجندته، بعد أن استعان بحاضنة تقوّي موقفه التفاوضي وتساعده على تخفيف الضغوط، التي تمارسها قوى عديدة لعودة المسار الديمقراطي إلى ما قبل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
وهدفت هذه الخطوة إلى التأكيد على أن هناك قوى تقف إلى جانب الجيش يمكن أن تكون طرفا في التفاوض، وأن القرارات السابقة بإعلان الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء تحظى بقبول داخلي من بعض المكونات القبلية والسياسية.
ويجعل ذلك البرهان أكثر قدرة على استمالة أطراف لديها مواقف متأرجحة بين الانضمام لمعسكر الجيش أو الانحياز للمدنيين وقطاعات واسعة في الشارع السوداني.
وكشفت إعادة تشكيل مجلس السيادة عن ميل موازين القوى لصالح الجيش الذي استطاع جذب حركات مسلحة إليه كانت داعمة للمدنيين ضمن تحالف الحرية والتغيير قبل الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر حسن البشير، إضافة إلى عدد من القطاعات القبلية في ولايات الهامش التي تقف في صف من يكون على رأس السلطة.
وتواجه الأحزاب المدنية وتنسيقيات لجان المقاومة وتجمع المهنيين والجزء الأكبر من النقابات والمجتمع المدني تحالف الجيش الجديد، ما يفتح المجال أمام صراعات سياسية طويلة لن يكون من السهل السيطرة عليها حال استمر الانقسام الحالي.
ورغم أن البرهان أكد التزامه بالحوار الجاد مع كافة القوى السياسية والخروج الآمن بالسودان من الأزمة السياسية وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة، غير أن تشكيل مجلس سيادة جديد يؤثر على مسارات التواصل مع المكون المدني الذي من المتوقع أن يستند بشكل أكبر على الشارع أملا في أجبار البرهان على التراجع.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي) سليمان سري، إن البرهان يمرر أجندة عبر محاولة إثبات وجوده كقائد له اليد العليا في أي مفاوضات مستقبلا، ويستهدف البحث عن شرعية أو مرجعية دستورية لقادة الجيش على رأس السلطة، وأن تشكيل المجلس الجديد هروب إلى الأمام لتخفيف الضغوط الدولية.
وأضاف لـ”العرب” أن البرهان ليست لديه الأجهزة أو الشخصيات التي تستطيع التواصل مع المجتمع الدولي، بعكس النظام السابق الذي اعتمد في مناوراته على مدار عقود على شخصيات محسوبة على قوى إقليمية عديدة عمد إلى تصديرها حسب الضغوط التي واجهها واستطاع محاورة المجتمع الدولي بمجموعات وفصائل مختلفة.
وبعث البرهان بإشارة تفيد بأنه على استعداد لنقل السلطة إلى المدنيين، لكن ليس في الوقت الحالي وقد يصبح السودان أمام مرحلة انتقالية جديدة أو تمديد لولايته في السلطة، ويحاول إثبات أن لديه مرونة للتواصل مع قوى عدة.
ويعول البرهان على هدوء وتيرة الأوضاع في الشارع بما يساعده على تشكيل حكومة جديدة، ويعتبر أن الوصول إلى نقطة مجلس السيادة خطوة نحو منتصف الطريق لإدراكه أن استمرار زخم الشارع سيصطدم بأمر واقع حال استطاع أن يستقطب المزيد من القوى الداعمة لتحركاته.
وفي رأي البعض من السياسيين القريبين من دوائر المؤسسة العسكرية في السودان أن لغة الخطاب التي تتبناها الأمم المتحدة وبعض القوى الإقليمية التي تتجاوز الحديث عن مسألة الانقلاب وتدعم العودة إلى المسار الديمقراطي فقط، تمنح قدرا من القوة للجيش نحو المضي في طريق إبعاد قوى الحرية والتغيير عن السلطة.
وأعرب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس عن قلقه من تعيين مجلس سيادة جديد، مكتفيا بالتأكيد على أنه “يزيد من صعوبة العودة إلى النظام الدستوري”، وجدد التأكيد على أهمية التوصل إلى حل عاجل عن طريق المفاوضات لإعادة الحياة السياسية والاقتصادية إلى طبيعتها.
وتشير دوائر مدنية إلى أن حالة الرفض الواسعة في الشارع ستجبر المجتمع الدولي على عدم تجاوز مطالبه، وأن الفترات السابقة التي حظي فيها نظام الرئيس السابق عمر البشير بدعم دولي من بعض القوى تماهت مع انتهاكات كانت فيها حركة الشارع ضعيفة بعكس الوضع القائم الذي يرفض فيه القطاع الأكبر من السودانيين الردة عن الأجواء الديمقراطية التي عاشوها طيلة الأشهر الماضية، وهو ما انعكس بشكل واضح على حالة الشلل التي يعاني منها دولاب العمل الحكومي حاليا.
ولفتت الكاتبة السودانية درة قمبو إلى أن الأحزاب السياسية تحاول الاستفادة من يقظة الشارع لإعادة توحيد صفوفها، وتجاوز الخلافات السابقة، وأن هناك مبادرات عديدة يقودها الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين للتكتل صفا واحدا ليكون هناك تحالف مدني واسع وليس حزبيا، على أن تصبح لجان التنسيقيات على رأس هذا التكتل.
وأوضحت لـ”العرب” أن قوى الحرية والتغيير لا تستطيع أن تتجاهل رغبة الشارع في إعادة التكاتف مرة أخرى وتتفق حاليا على إزاحة المكون العسكري من السلطة بأي شكل، لكن في المقابل فإن قادة الجيش يستفيدون بأقصى سرعة من حالة التفتت والخلافات في صفوف المدنيين لتمرير خطتهم.