التصاريح الإسرائيلية تزيد وضع المزارعين الفلسطينيين سوءا.

عشرون عاما على الجدار الذي شكل حياة الفلسطينيين

الضفة الغربية

يصطف المزارعون الفلسطينيون في قرية قفين بالضفة الغربية المحتلة ثلاثة أيام في الأسبوع عند بوابة صفراء ويعرضون تصاريح عسكرية للجنود من أجل رعاية محاصيلهم على الجانب الآخر من الجدار الإسرائيلي الفاصل.

 

ويقول المزارعون إنهم أصبحوا بسبب القيود الإسرائيلية المشددة بشكل متزايد غير قادرين على العيش لتدنّي محصول أرضهم. وتعرضت الزياتين الواقعة خلف البوابة مباشرة إلى الحرق. وقد اضطر رجال الإطفاء إلى طلب إذن للتدخل خلال الحريق الأخير.

 

بعد ما يقرب من عقدين وبعد أن أثارت إسرائيل جدلا في جميع أنحاء العالم بسبب بناء جدار أثناء الانتفاضة الفلسطينية، أصبح الجدار الفاصل على ما يبدو أمرا واقعا حتى في الوقت الذي تشجع فيه إسرائيل مواطنيها على الاستقرار على كلا الجانبين.

 

ويتنقل عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى نقاط التفتيش كل صباح ويصطفون في محطات ضيقة لدخول إسرائيل للحصول على وظائف في البناء والزراعة. ويحتاج المزارعون في قفين والعشرات من القرى الأخرى إلى تصاريح للوصول إلى ممتلكاتهم.

 

وتقول إسرائيل إن الجدار ساعد في وقف موجة التفجيرات الانتحارية والهجمات الأخرى التي نفذها فلسطينيون تسللوا إلى البلاد خلال انتفاضة 2000 – 2005 ولا يزال ضروريا لمنع أعمال العنف القاتلة.

 

ويقع 85 في المئة من الجدار الذي لم يكتمل بعد داخل الضفة الغربية المحتلة، مما أدى إلى اقتطاع ما يقرب من 10 في المئة من أراضيها. ويرى الفلسطينيون أنه استيلاء غير قانوني على الأراضي، كما قالت محكمة العدل الدولية في 2004 إن الجدار الفاصل “يتعارض مع القانون الدولي”.

 

وفي القدس ومدينة بيت لحم بالضفة الغربية يقف جدار إسمنتي شاهق يبلغ ارتفاعه عدة أمتار مع أسلاك شائكة وكاميرات. ويتكون إلى حد كبير في المناطق الريفية من سياج من الأسلاك الشائكة وطرق عسكرية مغلقة.

 

وجرى إخفاؤه على طول الطريق السريع الرئيسي بين الشمال والجنوب في إسرائيل مع حواجز ترابية وأعمال تهيئة بيئية، حيث لا يتمكن سائقو السيارات سوى من إلقاء نظرة خاطفة على حقيقة الحكم العسكري.

 

ويقول الفلسطينيون في قفين إن الجدار قطع حوالي 1100 فدان من أراضيهم الزراعية، وكلها داخل الضفة الغربية.

 

ويقول إبراهيم عمار في تقرير لوكالة أسوشيتد برس أعده جوزيف كروس، إنه كان يزرع عدة محاصيل منها البطيخ والذرة، لكنه يقتصر الآن على الزيتون واللوز لأنهما يتطلبان رعاية أقل. وحتى خلال موسم جني الزيتون السنوي الذي بدأ الشهر الماضي لا يمكنه دخول أرضه سوى ثلاثة أيام في الأسبوع، ويجب عليه التقدم للحصول على تصاريح لجلب أفراد الأسرة معه للمساعدة.

 

وقال “كان والدي وجدي يعتمدان كليا على الأرض. ولا يمكنني الآن إعالة نفسي وأولادي”. وهو يقود سيارة أجرة لزيادة دخله. كما يعمل قرويون آخرون في وظائف ذات دخل محدود داخل إسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية. ويزرع أحد السكان المحبط من القيود الخضروات على سطح منزله.

 

وقال تيسير حراشة الذي كان رئيسا لبلدية القرية عند بناء الجدار إن “ثلاثة أيام غير كافية لخدمة الأرض. الأرض تزداد سوءا”.

 

وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 150 تجمعا فلسطينيا تعيش مأزقا مماثلا، وأن 11 ألف فلسطيني يعيشون في ما يسمى بمنطقة التماس داخل الضفة الغربية ولكن غرب الجدار، مما يتطلب تصاريح إسرائيلية للبقاء في منازلهم.

 

وتقول “هموكيد” وهي منظمة حقوقية إسرائيلية تساعد الفلسطينيين في الحصول على تصاريح، إن وضع المزارعين يزداد سوءا، وإن البيانات التي حصلت عليها من الجيش بفضل حرية الوصول إلى المعلومات تظهر أن 73 في المئة من طلبات الحصول على تصاريح رُفضت العام الماضي، مقارنة بـ29 في المئة في 2014. ورُفضت أقل من 3 في المئة لأسباب أمنية.

 

وفي 2014 توقفت إسرائيل عن منح تصاريح للأقارب ما لم يتم تسجيلهم كعمال زراعيين في قطع أراض كبيرة. وفي 2017 بدأ الجيش بتقسيم الملكيات الأكبر بين أفراد العائلات الممتدة، ونظرا إلى أن أي قطعة أصغر من 330 مترا مربعا غير مستدامة من الناحية الزراعية يُحرم أصحاب ما يسمى بـ”قطع الأراضي الصغيرة” من الحصول على تصاريح.

 

وقالت جيسيكا مونتيل المديرة العامّة لمركز “هموكيد” لحماية الأفراد التي طعنت في اللائحة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية “لا يوجد مبرر أمني. لقد قرروا أنك تمتلك قطعة أرض يعتقدون أنها أصغر من أن تبرّر زراعتها”.

 

وأكّدت أن اللوائح الأخرى تستند إلى “حسابات مفصلة” حول عدد الأيدي اللازمة لرعاية المحاصيل المختلفة. و”يقولون إذا كنت تزرع الخيار يمكنك الحصول على عدد كذا من المساعدين لكل دونم”.

 

وردا على سؤال حول القيود، قال الجيش إن قواته تهدف إلى “ضمان نسيج حياة سلس لجميع الأطراف”. وجاء في بيان أن الجيش “يرى أهمية كبيرة في تنسيق جني الزيتون ويعمل وفق التوجيهات وتقييم الوضع”.

 

لطالما قالت إسرائيل إن الجدار الفاصل لا يهدف إلى ترسيم حدود دائمة، وقال بعض المؤيدين في ذلك الوقت إنه سيساعد عملية السلام من خلال الحد من العنف.

 

وقال نيتزاه ماشياه العقيد الإسرائيلي المتقاعد الذي أشرف على بناء الحاجز حتى العام 2008 “كان بناء السياج وفقا للاحتياجات الأمنية فقط. لقد فهمنا أثناء بنائه أنه قد يشكل حدودا في المستقبل البعيد (..) لكن هذا لم يكن الهدف المنشود”.

 

ويبدو الحاجز وكأنه حدود تخضع لحراسة مشددة. ويعيش الإسرائيليون والفلسطينيون على كلا الجانبين، وتعمل إسرائيل بنشاط على بناء المستوطنات والبنية التحتية للمستوطنات شرق الجدار الفاصل.

 

ولم تكن هناك محادثات سلام جوهرية منذ أكثر من عقد، ويعارض رئيس الوزراء نفتالي بينيت إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والأراضي الأخرى التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967.

وفي بيت لحم غُطّي الجدار الخرساني الشاهق بكتابات سياسية وأعمال فنية ساخرة في كثير من الأحيان. وتشير إحداها إلى حلقة من مسلسل تلفزيوني كوميدي أميركي عُرض على “إتش.بي.أو” (هوم بوكس أوفيس)، ويحمل عنوان “اكبح حماسك” وهو من بطولة لاري ديفيد.

 

وشملت الحلقة حديثا عن فرصة استغلال الرجال اليهود لمطعم فلسطيني لإخفاء علاقاتهم الغرامية عن زوجاتهم. كما شملت الجداريات تكريما لجورج فلويد الذي توفي تحت ركبة ضابط شرطة في مينيابوليس العام الماضي.

 

وأصبحت البلدة منطقة جذب سياحي انتقائي بعد أن رسم فنان الجداريات المشهور عالميا بانكسي على الجدار سرا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي 2017 افتتح الفندق المحاط بالجدار أو “ذا وولد أوف”، والذي يُعتبر أول فندق في العالم من تصميم وتمويل بانكسي، ونصب لفن المقاومة الكئيب.

 

ويبيع أبويامل، وهو صاحب محل هدايا تذكارية قريب رفض ذكر اسمه الكامل، مطبوعات بانكسي وبطاقات بريدية من بين تحف أخرى.

 

ويشعر الرجل السبعيني بالحنين إلى الوضع قبل عقود عندما كان بإمكان للفلسطينيين السفر بحرية. وقال “كان احتلالا، لكننا عشنا معا. كنت أقود سيارتي إلى تل أبيب”.

 

ويشك أبويامل مثل العديد من الفلسطينيين في أن الحاجز غير المكتمل يخدم الكثير من الأغراض الأمنية، حيث تمكّن العمال الذين ليس لديهم تصاريح من التسلل دائما.

 

وأضاف “سيبقى هذا الجدار هنا إلى الأبد، لأنهم لا يريدون السلام، فإسرائيل تريد الأرض كلها”.