دورة تأسيسية يشارك فيها 25 تشكيلياً بدار الأوبرا المصرية

«ما بعد الفكرة»... رحلة تفاعلية مع الفن المعاصر

القاهرة

يحمل التجوّل بين طُرقات «قصر الفنون» في دار الأوبرا المصرية هذه الأيام تجربة جديدة، حيث يستضيف فعاليات الدورة التأسيسية لصالون الفن المعاصر، الذي يضم مشروعات فنية لـ25 فناناً مصرياً يقدمون أعمالاً تختبر مساحات ومستويات مختلفة من التجريب.

ورغم أن الفعاليات التشكيلية المختلفة عادة ما تُبرز أعمالاً معاصرة بين التجهيز في الفراغ والتركيبات فإنّ هذا الحدث التشكيلي هو الأول من نوعه الذي تُخصصه وزارة الثقافة المصرية لتلك الألوان الفنية المعاصرة ويحمل عنوان «ما بعد الفكرة»، ويستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

وحسب الفنان محمود حمدي فإنّ الصالون مُكرس لفن التجهيز في الفراغ والأعمال المركبة والإنشاءات بشكل خاص، وهو نوع فني خاص جداً.

ما إن تقترب من عالم «المزرعة» كما تشير لافتة العرض، حتى يكون مطلوباً من الزوار ارتداء قفازات للقدم وكأنهم يتأهبون لدخول عالم بيولوجي شديد الحساسية، والتعقيم.

لعل هذا الانطباع الأول هو ما يعتبره صاحب «المزرعة» محمود حمدي حالة من خلق التفاعل الفني مع الزوار، بداية من ارتداء جوارب للأقدام وحتى تجربة السير والتجول بها داخل مسارات المشروع، حسب ما يقول لـ«الشرق الأوسط».

ويبني الفنان محمود حمدي مشروعه على فكرة تشغله منذ سنوات، وهي البحث في جماليات الخلايا بالطبيعة «استعِن بالرسم والتصوير كوسيط في مشروعي الخاص بالتجهيز، ويعد هذا المشروع تطويراً لفكرة تشغلني وأعمل عليها منذ عام 2013. خاصة بفكرة التحليل، سواء كانت ورق الشجر، أو العظام، أو حتى حبات الرمل، أتأمل الخلايا التي تتكون منها تلك المواد الطبيعية، وأبني من شكل الخلايا عالماً كاملاً يخصني، من صنيع خيالي، ثم أطوره».

وبدت «الخلايا» التي نسجها حمدي في خياله، وقد تحوّلت لعالم مُجسم، في تصور فانتازي يضفي للبيولوجيا وخلاياها أبعاداً وملابسات فنية خصبة.

وتخلق مساحات الفانتازيا في الصالون حواراً ممتداً مع المساحات التجريبية التي تستلهم التراث والذاكرة بشكل رئيسي، فجمهور الصالون مدعو لحضور «المزاد»، وهو عنوان مشروع الفنان المصري محمد عبلة، الذي أسس مشروعه الجديد داخل قاعة تضم شرائط وأسطوانات قديمة، وأجهزة تسجيل قديمة، وكأنها جميعاً باتت معروضة للبيع.

«الفن في الأساس هو فكرة» كما تقول الفنانة المصرية سماء يحيى، مشيرة لمشروعها الذي تقدمه في الصالون، واختارت أن يكون بمثابة «عالم موازٍ يخاطب حواس المتفرج» كما تقول لـ«الشرق الأوسط». ففي فضاء قصر الفنون تُطالعك قبة القصر بعمل تركيبي مُعلق يحمل تفاصيل وموتيفات شعبية أرادت بها صاحبته سماء يحيى أن يكون بمثابة «عمل يجسد صخب الحياة والأرض في سماء قصر الفنون»، فقد اختارت الفنانة أن تبني مشروعها بشكل مُعلق يتدلى من قبة قصر الفنون، معتبرة أنّ هذا المكان جزء أصيل من فكرة مشروعها القائم على فكرة التطلع للحياة من منظور آخر، وكأنه «عالم مُعلق في الهواء».

فالمشروع مُستلهم من زيارات الفنانة المتكررة لمنطقة «السيدة عائشة» القديمة، وقيامها بما تصفه بـ«التفاعل مع هذا المكان التاريخي»، ويقع ميدان السيدة عائشة في قلب القاهرة، ويعتبر أحد أشهر الميادين في مصر.

واستلهمت الفنانة من حركة الميدان الصاخب ومفارقاته كثيراً من طقوس عالمه بنظرة فنية، فنقلت لمشروعها عرائس خشبية وأخرى لحلوى المولد الشعبية، وشبابيك مهملة، وتجسيم لأبراج حمام، وصنعت محاكاة لـ«صندوق الدنيا» يعرض لقطات فيديو للمنطقة التاريخية، تصدح منه موسيقى بإيقاعات صوفية، تبعث في فضاء المشروع حنيناً لمساحات شعبية متروكة، تعتبرها الفنانة جانباً أصيلاً من مشروعها الفني، وهو البحث في مهملات الحياة عن الجماليات المنسية، باحثة في قيم مضافة لخامات مثل الورق والخشب والحبال والنحاس، كما لو كانت تحررها من خصائصها وتطلق سراحها في عالمها المعاصر.

تقول سماء يحيى إن «فنون ما بعد الحداثة تسعى لإيجاد مكان للتاريخ في عالمنا المعاصر»، وهو ما يجعل نظرتها للفن المعاصر مرتبطة دائماً بالبحث في ذاكرة الشارع، وبفكرة تفاعل المتفرج وليس التعالي عليه بفرض وجهة نظر أحادية، بل «إتاحة فرصة المعايشة لعالم الفنان بشكل كامل، من خلال زوايا المختلفة للعرض، ومخاطبة السمع والبصر معاً، كأنها تجربة دخول في عالم موازٍ».