مسلسلات تاريخية لا علاقة لها بالتاريخ التركي

"هاي ما شاء الله".. المسلسلات التاريخية التركية تغزو بنغلاديش

دكا

انتقل تأثير المسلسلات التاريخية التركية إلى بنغلاديش تحت تأثير الحفاوة البالغة بهذه المسلسلات في الجارة باكستان، وهو ما يوسع دائرة النفوذ التركي الناعم في المنطقة، ويعبّد الطريق نحو نفوذها الاقتصادي.

ودفعت المسلسلات الضخمة، التي تقوم على استعادة ماضي الإمبراطوريتين العثمانية والسلجوقية وتقديمه في صورة جهاد ديني، بأعداد من البنغاليين إلى دراسة اللغة التركية والسعي للمزيد من معرفة التاريخ الذي تتحدث عنه المسلسلات، والذي يمتدح دور القبائل التركية المتنقلة في المنطقة.

ولعبت باكستان ورئيس وزرائها عمران خان، الذي لا يخفي ولعه بمتابعة الدراما الاستعراضية التركية، دورا في جذب البنغاليين إلى الاهتمام بالمسلسلات التاريخية.

وأعرب خان في أكثر من مرة عن إعجابه الشديد بالمسلسلات التركية، وأنه مولع بمتابعة أشهر تلك المسلسلات مثل “قيامة أرطغرل” و”يونس إمره”، وأنه تدخل شخصيا من أجل توجيه لجنة الإعلام الباكستانية لبث هذه المسلسلات.

وكان للاهتمام الرسمي والشعبي في باكستان بهذه المسلسلات تأثير على بنغلاديش التي بدأت تهتم بهذه الثقافة الاستعراضية الوافدة بما يساعد البنغاليين على تناسي وضعهم الاقتصادي الصعب.

وذكرت زناتول فردوس، كاتبة سيناريو الدبلجة في قناة محلية تبث مسلسلات تركية، أن بنغلاديش باتت سوقا ضخمة للأفلام والمسلسلات التركية، كاشفة عن تحمّسها لاستكشاف الثقافة وتعلم فن الحرف اليدوية والموسيقى التركية.

وقالت فردوس لوكالة الأناضول إن الآلاف من البنغاليين مثلها، وخاصة الشباب، أصبحوا معجبين بالعديد من المسلسلات التركية الدرامية بما في ذلك “قيامة أرطغرل” و”المؤسس عثمان” و”نهضة السلاجقة العظمى” و”يونس إمره” و”بربروس”، وإنهم يتابعونها من خلال القنوات التلفزية أو منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب.

وباتت كلمات تركية مثل “إي والله” و”بيه” و”هاي ما شاء الله” و”آبي”، والعديد من الكلمات المماثلة، شائعة جدا بين البنغاليين في جميع أنحاء البلاد.

وأصبح إلقاء التحية بالطريقة التركية التقليدية من خلال وضع اليد اليمنى على الصدر شائعا على نطاق واسع في بنغلاديش كوسيلة للحفاظ على التباعد الاجتماعي. كما صار البنغاليون على دراية بأطعمة تركيا مثل “البقلاوة” و”اللكوم” و”البوريك” و”البويوز”.

وقال سوروج مهدي، أستاذ اللغة التركية في معهد اللغات بجامعة دكا، “هناك الكثير من الشباب في بنغلاديش، بمن فيهم طلاب الجامعات، يتعلمون التركية من خلال مشاهدة المسلسلات”.

ويقول مختصون في التاريخ التركي القديم إن هذه المسلسلات تختلق قصصا وشخصيات لا وجود لها، ولا يوجد أصلا تدوين لتلك المراحل التي تصورها قصص الأبطال الوهميين، وإنها ثقافة موجهة هدفها خدمة استراتيجية التمدد التي يعتمدها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في محيط أنقرة الإقليمي ومساعيه لإحياء النفوذ العثماني في آسيا الوسطى والبلقان وشمال أفريقيا وغيرها من المناطق.

ويشير هؤلاء إلى أن هذه المسلسلات ظهرت بشكل خاص في العشرين سنة الأخيرة بهدف تعبيد الطريق أمام طموحات أردوغان السياسية والعسكرية والاقتصادية، لافتين إلى أنها نجحت في أن تتحول إلى قوة ناعمة في منطقة هشة وتعاني من أزمات كثيرة مثلما هو الأمر في باكستان وبنغلاديش.

وقد خلصت دراسة أكاديمية، أجراها باحثون من مركز الدراسات الشرقية التابع لجامعة بانديون للعلوم السياسية والإدارية في أثينا، إلى أن المسلسلات التركية التي انتشرت مؤخرا بشكل كبير في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وفي منطقة البلقان هي “جزء من القوة الناعمة التي تستعملها تركيا لتحسين صورتها بين شعوب المنطقة”.

وعملت تركيا على توظيف هذا الاهتمام الكبير وتحويله إلى استثمار اقتصادي وتجاري، حيث حددت أنقرة ودكا هدفا لزيادة حجم التجارة الثنائية بينهما من مليار دولار حاليا إلى ملياري دولار.

وعرضت بنغلاديش على تركيا الاستثمار بشكل أكبر في مختلف المناطق الاقتصادية -سواء منها المناطق المشتركة بين القطاعين العام والخاص، أو المناطق الاقتصادية الخاصة، أو نظيرتها الاقتصادية الحصرية- وحدائق التكنولوجيا المتقدمة، فضلا عن قطاع السياحة، كما قال مهدي.