أوروبا لا تسمع إلا رأيها

آن الأوان لكي تعيد أوروبا حساباتها تجاه إيران

واشنطن

رغم أن الاتفاق النووي الإيراني بات في حكم الملغي مذ قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه عام 2018، وأعاد فرض عقوبات قاسية على الجمهورية الإسلامية، إلا أن الاتحاد الأوروبي وهو أحد الأطراف الستّة الموقعة على الاتفاق، لم يتوقف مطلقا عن دعم هذا الاتفاق والدفع نحو الحفاظ عليه.

وقال المحلل السياسي مجيد رفيع زاده رئيس المجلس الدولي الأميركي للشرق الأوسط، في تقرير نشره “معهد جيتستون” الأميركي إنه على مدار قرابة ست سنوات منذ التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، اتسم موقف الاتحاد الأوروبي باسترضاء حكام إيران.

ويرى زاده أن الأمر الذي لم يدركه الاتحاد الأوروبي بعد هو أن سياسته اللينة تجاه حكام إيران كارثية تماما وخطيرة.

ومباشرة بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، الذي بالمناسبة لم يوقع عليه النظام الإيراني مطلقا، رفع الاتحاد الأوروبي، إلى جانب إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، كل عقوباته الاقتصادية المفروضة على إيران تقريبا.

وقال رفيع زاده عضو مجلس إدارة صحيفة “هارفارد إنترناشيونال ريفيو” بجامعة هارفارد، إن هذه هدية ساعدت النظام الإيراني على العودة للاندماج في النظام المالي العالمي، كما قدم الاتحاد الأوروبي أيضا الكثير من التنازلات لإيران، مثل الموافقة على إدراج بنود خاصة من شأنها أن تمكن حكام إيران من امتلاك الكثير من الأسلحة النووية حسب رغبتهم في القريب العاجل.

وبدا أن ألمانيا وفرنسا من بين أولى الدول التي سارعت لإحياء الأنشطة التجارية مع حكام إيران.

ومنذ ذلك الوقت، ومع إعادة ربط قرابة 30 بنكا إيرانيا بجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت)، زاد حجم التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإيران بنحو 43 في المئة.

ومن جهة أخرى، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي لم يتوقف أبدا عن تقديم النصح للدول الأخرى عن الطريقة التي يتعين عليها أن تتصرف بها، غض النظر عن تقارير موثوقة تتعلق باستمرار انتهاك إيران للاتفاق النووي إضافة إلى مواصلتها القيام بأنشطة نووية سرية.

وبعد مرور عام على إبرام الاتفاق النووي، كشفت هيئة حماية الدستور الألمانية (المخابرات الداخلية) في تقريرها السنوي النقاب عن أن الحكومة الإيرانية واصلت نهجا سريا خلال سريان الاتفاق النووي للحصول على تكنولوجيا نووية ومعدات بطريقة غير قانونية من شركات ألمانية ”بمستوى عال من ناحية الكم حسب المعايير الدولية”.

ورغم انسحاب الولايات المتحدة بعد ذلك من الاتفاق النووي، وإعادتها فرض العقوبات، اختار الاتحاد الأوروبي، الحليف القديم لواشنطن عبر الأطلسي، عدم الانسحاب ورفض إعادة فرض العقوبات على إيران ثم سعى للحفاظ على معاملاته التجارية مع طهران. وصاغت ثلاث حكومات أوروبية، وهي ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، آلية هي أداة دعم التبادل التجاري (انستكس)، ومقرها باريس وكانت تهدف في المقام الأول للتحايل على العقوبات الأميركية.

وأوضح المحلل الأميركي أن نتيجة سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة باسترضاء حكام إيران تمثلت في نشاط تجاري لأوروبا، وفي الوقت نفسه أصبح قادة إيران أقرب من ذي قبل بالنسبة إلى الحصول على أسلحة نووية.

وفي ما يتعلق بالإرهاب، تعد الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من بين الأهداف الرئيسية للمؤامرات الإرهابية الإيرانية.

وقال رفيع زاده إنه تبين أن النظام الإيراني تورط في سلسلة من الاغتيالات واحتجاز رهائن وأعمال عدائية أخرى عبر أوروبا، نجح بعضها فيما أخفق البعض الآخر.

وتحتجز إيران أكثر من عشرة مواطنين غربيين معظمهم يحملون جوازات سفر إيرانية سواء في السجون أو قيد الإقامة الجبرية بتهم تعتبرها عائلاتهم عبثية، ويعتبرها ناشطون فعلا وقحا لاتخاذ رهائن بهدف المساومة.

وتواجه الحكومات الغربية معضلة بشأن كيفية تأمين الإفراج عن رعاياها أو حاملي الجنسية المزدوجة الموقوفين في طهران، بينما يتهمها ناشطون باعتماد ما يشبه “دبلوماسية رهائن” في سعيها لتحقيق تبادل معتقلين. ويقولون إن هذا التكتيك قد ترسخ في الفكر السياسي للجمهورية الإسلامية منذ إنشائها تقريبا، بعد عملية احتجاز الموظفين كرهائن في السفارة الأميركية في طهران لمدة 444 يوما من نوفمبر 1979 حتى يناير 1981.

وفي شهر يونيو عام 2018 تمكن مسؤولون أوروبيون من إحباط هجوم إرهابي كان يستهدف مؤتمر “إيران الحرة” الكبير في باريس حضره الكثير من المتحدثين على مستوى عال، بمن في ذلك رئيس مجلس النواب الأميركي السابق نيوت جينجريتش ووزير الخارجية الكندي السابق جون بيرد.

وفي عام 2020 صدر حكم في بلجيكا بحق أسدالله أسدي، أحد دبلوماسيي إيران، بالسجن عشرين عاما لمحاولته تفجير اجتماع لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة.

ويرجح رفيع زاده أن يُحسن الاتحاد الأوروبي صنعا عندما يرى كيف تصاعدت نزعة المغامرة العسكرية لدى إيران في الشرق الأوسط، وسوف تواصل التصاعد ما لم يتم إيقافها.

ومنذ أن بدأ الاتحاد الأوروبي في استرضاء النظام الإيراني، شهدت منطقة الشرق الأوسط المزيد من الهجمات الصاروخية من جانب الحوثيين على أهداف مدنية في السعودية، ونشر الآلاف من جنود المشاة التابعين لحزب الله اللبناني في سوريا، وقصف إسرائيل بصواريخ حماس بتمويل إيراني.

وأكد رفيع زاده أنه إذا امتلكت إيران قدرة نووية، فإنه لن يعد يتعين عليها حتى استخدام الإرهاب أو احتجاز رهائن، أو حتى قنابلها الجديدة، لابتزاز أوروبا، وأن مجرد التهديد باستخدام واحدة من هذه الوسائل يجب أن يكون كافيا. ودعا المحلل الأميركي الاتحاد الأوروبي إلى أن يسارع بالاستيقاظ في الوقت المناسب ويغير سياسته الخطيرة تجاه إيران.