المجتمع الدولي عاجز عن الضغط على روسيا وتركيا لسحب مرتزقتهما

الطرق على سحب المرتزقة الأفارقة من ليبيا هروب من تركيا وروسيا

القاهرة

خصصت اللجنة العسكرية المشتركة في ليبيا 5 + 5 جانبا كبيرا من اجتماعها الذي اختتمته في القاهرة الاثنين، لمناقشة سحب المرتزقة الأفارقة، في حضور ممثلي دول السودان وتشاد والنيجر، باعتباره حلقة أضعف سياسيا في الملف الخاص بخروج جميع المرتزقة والقوات الأجنبية وهروبا من مواجهة تركيا وروسيا.

 

وربط مراقبون بين التركيز على سحب الأفارقة بشكل خاص وبين رغبة القاهرة التي استضافت الاجتماع في تحقيق اختراق في ملف المرتزقة دون الدخول في صدام مباشر مع كل من أنقرة وموسكو، حيث تناور الأولى في سحب قواتها العسكرية والمرتزقة الذين أرسلتهم، بينما تتنصل الثانية من علاقتها بقوات “فاغنر” على الأراضي الليبية.

 

ويمثل استمرار تواجد المرتزقة في ليبيا صداعا أمنيا في رأس مصر، وعبرت عن رفضها مرارا لوجود هؤلاء عموما، ولم تؤثر المطالبات الدولية في تحريك الملف ولم تُتخذ خطوات جادة في الضغط على تركيا أو إقناع روسيا بالتعاون لخروج القوات الأجنبية.

 

وأكدت اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 أنها اتفقت مع دول السودان وتشاد والنيجر على إنشاء قنوات اتصال لخروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين ينتمون إلى هذه الدول ويتواجدون على الأراضي الليبية.

 

ولم تذكر اللجنة طبيعة هذه القنوات والوسائل التي يمكن اتخاذها للمساهمة في حلحلة هذا الملف، غير أن مصادر ليبية كانت قريبة من اجتماعات القاهرة، قالت “إنها ستظل محصورة في تبادل ما تملكه هذه الدول من معلومات محدودة حول عناصر المعارضة والقوى المتشددة التي تتخذ من جنوب ليبيا مركزا لها”.

 

وأضافت لـ”العرب” أن الدول الثلاث تعاني من أزمات أمنية معقدة تؤثر في قدرة كل منها على رصد الجماعات المعارضة التي تسربت إلى الأراضي الليبية السنوات الماضية، ولا تخلو هذه الجماعات من وجود متشددين نسجوا علاقات وتحالفات مع قوى إرهابية وانخرطوا في القتال في صفوفها لقناعات عقائدية، مستفيدين من الأوضاع الأمنية الرخوة في جنوب ليبيا، خاصة في المناطق القريبة من حدود الدول الثلاث.

 

وأكدت المصادر أن مسألة التعاون بين اللجنة المشتركة ودول جوار ليبيا تواجه تحديات عملية لحصر المرتزقة الأفارقة التابعين لها ونوعياتهم وجنسياتهم، وهل هم تابعون لقوى متطرفة أم حركات مسلحة معارضة ومألوفة في هذه الدول؟ وهو ما يجعل وضع تصور أو آلية محددة للتعامل مع هؤلاء في غاية الصعوبة.

 

وذهبت دوائر ليبية إلى أن اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة في القاهرة ينطوي على مضمون سلبي لأنه يضع قاعدة للتفرقة بين أنواع المرتزقة، أفارقة وغيرهم، ومن حيث أرادت اللجنة تأكيد جديتها في التعامل مع الملف يمكن أن تتسبب في تفتيته بما يمنح فرصة لكل من أنقرة وموسكو للهروب أكثر من مسألة خروج العناصر التابعة لكليهما من ليبيا.

 

وتؤدي التفرقة إلى مصاعب كبيرة، حيث تجد فيها قوى غربية فرصة لتبرير تقاعسها عن بذل جهود وافية في ملف القوات الأجنبية عموما، وقد تستغلها قوى ليبية مدخلا للهروب من مسؤوليتها المباشرة عن احتضان مرتزقة تركيا وروسيا، لأن ملف الأفارقة أقل إثارة وأسهل في التعامل معه والمزايدة فيه سياسيا.

 

وركزت اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة في القاهرة على المرتزقة الأفارقة بشكل خاص، في حين هناك مرتزقة من جنسيات عربية وروسية تابعة لكل من أنقرة وموسكو، في غرب وشرق ليبيا، أخفقت جهود إقليمية ودولية عديدة في إخراجهم.

 

وأصبح هذا الملف شائكا لقوى كثيرة وتتبنى حياله خطابا رماديا لا يعبّر عن التعاطي معه بجدية كاملة، ولا يؤكد الرغبة التامة في غلقه، وسوف يظل جرحا ينزف باستمرار ما لم تتكاتف الجهود للتعامل معه بحسم وتقطع شوطا ملموسا قريبا.

 

وقال المحلل السياسي الليبي محمد السلاك إن اجتماعات القاهرة خطوة أولية على طريق سحب كافة المرتزقة الأجانب، وهو ملف شائك لن يجري تمريره بسهوله، والتركيز على المرتزقة الأفارقة يرجع إلى استغلال هؤلاء للهشاشة في الجنوب.

 

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الحديث عن سحب المرتزقة الروس والأتراك يتوقف على جدية المجتمع الدولي في التعامل مع الجماعات الأجنبية في ليبيا، واللجنة العسكرية المشتركة لن تستطيع بمفردها التعامل مع المشكلة، و”ننتظر أن تكون هناك مواقف أكثر حسما من الولايات المتحدة للضغط على أنقرة وموسكو لسحب المرتزقة”.

 

وأقرت اللجنة العسكرية المشتركة في الثامن من أكتوبر الماضي خلال اجتماعها في جنيف، خطة عمل لإخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا تدريجيا.

 

وحضر اجتماعات القاهرة، والتي بدأت السبت واختتمت الاثنين، أعضاء اللجنة العسكرية ورئيس البعثة الأممية إلى ليبيا يان كوبيتش وممثلو السودان وتشاد والنيجر.

 

وأكد البيان الختامي للجنة العسكرية المشتركة أن ممثلي الدول الثلاث أبدوا استعدادهم التام للتنسيق والتعاون الذي يكفل خروج كافة المقاتلين الذين يتبعون دولهم بكافة تصنيفاتهم من الأراضي الليبية، وضمان استقبال هذه الدول لمواطنيها والتأكيد على عدم عودتهم مجددا إلى ليبيا بما يحول دون زعزعة استقرار أي من دول الجوار.

 

ويقول متابعون إنه من الصعوبة عودة هؤلاء سلميا عبر تفاهمات سياسية أو قسريا، إذ يملكون معدات عسكرية وينخرطون ضمن صفوف فصائل لها خبرات قتالية، وعدد منهم مطلوبون جنائيا في بلدانهم، ما يمثل أزمة عند عودتهم بالقوة أو من خلال الصفح عنهم.

 

وكشف ممثلو الدول الثلاث عن استعداد كبير للتعاون مع اللجنة العسكرية وتقديم الدعم اللازم لسحب المرتزقة الأفارقة من ليبيا، مع مراعاة الحفاظ على أمن بلدانهم.

 

وقد يتسبب ما يوصفون بالمرتزقة الأفارقة، في حال عودتهم إلى بلدانهم، في أزمة سياسية لأن جزءا منهم حملوا السلاح وتدربوا عليه وغادروا أراضيهم ليس لقتال الليبيين، لكن هربا من المطاردة التي تقوم بها القوات الحكومية واستعدادا للعودة مرة أخرى للثأر وتصفية الحسابات من خلال عمليات كر وفر معتادة في المناطق الحدودية.

 

وتتواجد أعداد ضخمة من عصابات النهب والقتل والتهريب وتجارة المخدرات وقوى معارضة مسلحة ومن المتطرفين في صفوف القاعدة وداعش والإخوان أو يتعاونون معهم منذ فترة، وتتمركز غالبيتهم في سبها وبراك الشاطئ وأوباري وغات.

 

وحثت مبادرات دولية عديدة على ضرورة انسحاب جميع المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا ووضع آليات واضحة لخروجهم، حيث ترى قوى مختلفة أنها تعرقل إجراء الانتخابات في موعدها قبل نهاية العام الجاري، وتعوق تطبيق نتائجها على الأرض.

 

ويأمل الليبيون أن يولي مؤتمر باريس المقرر في الثاني عشر من نوفمبر الجاري أهمية لملف المرتزقة والقوات الأجنبية، وتوفير الدعم لوضع حد لتصرفات تركيا وروسيا.